اخر الاخبار

0

يستقبل الشعب الجزائري ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المباركة التي تصادف الفاتح نوفمبر من كل سنة في أجواء تطبعها الكثير من المتاعب والتحديات بالنظر إلى التطورات الحاصلة على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، فاستحضار مثل هذه المناسبات المجيدة يعد بمثابة رسالة وفاء وتخليد لآبائنا وأجدادنا الذين ضحوا بالنفس والنفس من اجل طرد الاستعمار الفرنسي الغاشم بغية ضمان استقلال الجزائر حتى تبقى في كنف العزة والبهاء والازدهار، وهو ما يتطلب الوقوف على الكثير من المسائل حتى نستحضر الماضي ونمزجه بالواقع حتى نقيم ذواتها ونتطلع إلى ما هو أفضل وأحسن.

ومن الجوانب الايجابية التي يجب التنويه بها هو رسالة الوفاء التي لازالت تميز الشعب الجزائري الذي يثمن في كل مرة ماضيه المشرق وفي مقدمة ذلك مكسب ثورة المليون ونصف المليون شهيد التي تعد رمزا مهما يستحق الاعتزاز باعتراف العدو قبل الصديق، فتضحيات الجزائريين كانت بمثابة درس وحافز لباقي الشعب بغية نفض الغبار وردع المستعمر مهما كانت قوته وتعداده، وهو ما يؤكد أن هذا البلد المسقي بدم الشهداء يملك من الرجال والنساء من هو قادر على تشريفه وتمثيله في كل الحقب والمناسبات وفي أعلى المستويات خاصة انه احتضن الثورة ووقف مع المجاهدين من البداية تحت راية الإسلام ونبذ الاستسلام تحت شعار "النصر أو الاستشهاد"، وهو العهد الذي قطعه كل ووطني بطريقة تحمل الكثير من الدلالات وتؤكد على المعدن الأصيل للشعب الجزائري الأبي.

لكن ما يجب الوقوف عليه أيضا هو تفادي الوقوع في فخ الاحتفاليات الاستعراضية التي باتت تميز مثل هذه المناسبات وأفقدت الجوهر الحقيقي الذي يحفز على مسايرة متطلبات الجزائر بنفس جديد وبكثير من العزيمة والإصرار على تحسين الأداء في جميع القطاعات ورفعها إلى أعلى المستويات، فلا يخفى على أحد أن الساهرين على النشاطات الثقافية قد وقعوا في الرتابة عن قصد أو غير قصد ما تسبب في فقدان التواصل مع الشباب الذي يحب كل ما تتأصل به الجزائر من موروث تاريخي وديني وثقافي وسياحي لكنه يرفض في الوقت نفسه الاستثمار في عواطفه بنظرة ضيقة من باب ربح الوقت وتحقيق المصالح الشخصية بشعارات رنانة أكدت بمرور الوقت أنها لن تصنع الربيع ولن تقنع الأمي قبل الذكي، كان يفترض أن يتم استلهام العبر والقيم المجيدة من تاريخ الثورة التحريرية لربط التواصل بين الأجيال بغية المساهمة الجماعية في بناء الوطن، وكان من المفترض ترجمتها بشكل ميداني في إطار التضحية والثبات والاستمرارية في العمل النوعي الجاد لرفع مستوى التنمية وتنوير العقول وتعزيز اللحمة والوحدة ونبذ الخلافات والمصالح الضيقة، فحين يقف الكثير على مختلف أشكال الغش التي تفشت في مختلف المجالات إضافة إلى تكريس شعار المطالبة بالحقوق وغض الطرف عن منطق القيام بالواجب، فإن ذلك يؤكد على وجود خلل عميق في المفاهيم بشكل لا يتماشى مع منطلقات الثورة التحريرية ومبادئ الشريعة الإسلامية دون الحديث عن إراحة الضمير التي باتت في خبر كان مادام أن الجشع والطمع قد أخلط أوراق الكثيرين وجعلهم في مصاف "اقفز تعيش" وكأن البعض لازال يعتقد أن هذا الجزائري ساذج ولا يميز بين الغث من السمين.


المؤكد أن هناك تحديات كبيرة تنتظر الجميع للوقوف مع الذات وفق نقد بناء يسمح بوضع النقاط على الحروف وتجاوز مختلف الأخطاء والهفوات وحتى الخلافات التي بات يسدد المواطن البسيط فاتورتها غاليا بسبب عدم الاستفادة من الدروس والعبر والمضي في تكريس الفساد رغم أن الجميع يعلم بعواقب الأمور على ضوء المراحل الحساسة التي مرت بها على مدار السنوات والعشريات السابقة.

 من اللازم على الجميع الحرص على احتضان تاريخ الثورة التحريرية والتعامل معه بنقاء وصفاء على خطى آبائنا وأجدادنا الذين لم يتوانوا في احتضان الثورة المجيدة التي دوخت الجميع وهذا من باب المساهمة في تجسيد التحديات المستقبلية التي تتعدى رفع السلاح في ظل رهانات التطور الاقتصادي والتكنولوجي إضافة إلى الحفاظ على مستوى الثوابت والقيم للحفاظ على تماسك المجتمع وحثه على الاجتهاد ونبذ التواكل وتوظيف جميع الإمكانات للتكيف مع متطلبات المستقبل بشكل جماعي وفعال لتحقيق الأهداف والطموحات، هي مهمة حاسمة للخلف حتى يسيروا على خطى السلف بغية حماية مكاسب هذا البلد وتفادي تشويه تاريخه العريق المدون بأيدي من ذهب لا يحق لأحد الإساءة إليه سواء من قريب أو من بعيد.
صالح سعودي.

إرسال تعليق Blogger