0
تخترق فرحة افتتاح صالون الجزائر الدولي للكتاب في نسخته التاسعة عشرة، ركود المشهد الثقافي في الجزائر لأنها تعلن بدء عرس الكتاب، وهو عرس لا يتكرر في الجزائر إلا مرة واحدة في السنة، حيث لا كتب حديثة الإصدار تصل إلينا بالطرق المعتادة إلا عبره في ظل غياب المكتبات المتخصصة التي تبيع الكتاب العربي.

ورغم أن المعرض يفتح شهية الأسئلة حول الكتاب وناشره والقارئ والمشهد الثقافي وما بينهما من علاقة حتمية إلا أنها تأتي رخوة في ظل تجمعهم تحت سقف صالون للكتاب واحد يجتمع فيه مئات الآلاف من العناوين ومئات دور النشر التي تجعل القارئ يحتار أين ييمم وجهه، لكن ما هي إلا أيام ويعود كل شيء إلى ما كان عليه حتى أننا نادراً ما نقرأ مراجعة لأحد تلك الكتب التي تم اقتناؤها من الصالون الدولي للكتاب أو مراجعة لأفكار سياسية أو دينية أو اقتصادية أو اجتماعية حضرت إلى صالون الكتاب عبر أطروحات علمية وبحوث ودراسات تستحق المراجعة.


وما من شك أن صالون الجزائر الدولي للكتاب، يعد تظاهرة ثقافية سنوية عظيمة الأثر والشأن تتاح فيها الفرصة للجميع لإثراء معارفهم من خلال اقتناء الكتب واختيار العناوين التي تناسب توجهاتهم وتخدم تخصصاتهم العلمية والأدبية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث يحرص المنظمون على إدخال الجديد من المعارف والعلوم...


وهذه الفسحة الثقافية الاستثنائية تستحق أن نشكر عليها القائمين على الصالون الدولي للكتاب الذين استطاعوا أن يصمدوا به خلال دوراته السابقة رغم كل التحديات التي تحيط به وتحيط بعالم النشر والقراءة في العالم العربي... لكن صالون الجزائر الدولي للكتاب، استطاع البقاء وترسيخ نفسه ليكون بين أهم المعارض العربية بمنطقة المغرب العربي...


لكن هذا لا يعني أن لا مآخذ على صالون الكتاب بالجزائر، بل هي كثيرة لو أردنا البحث عنها ولكن الحق أيضاً أن التطور في صالون الجزائر الدولي للكتاب، يسير وفق فعل تراكمي جيد وفق الإمكانيات ووفق الجو العام للمشهد الثقافي في الجزائر الذي لا يمكن أن ينفصل عنه الصالون الدولي للكتاب.

وإذا كان قدوم صالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته التاسعة عشرة،  يُدخل الفرحة والسرور في قلوب زواره، ولكنه يعيد طرح الكثير من الأسئلة التي نتناساها غالباً وهي أسئلة ملحة من قبيل ماذا قرأنا مما اقتنيناه من المعرض الماضي. وربما أثار ثيمة الخجل فينا عندما نلتفت إلى الكتب الكثيرة التي اقتنيناها من الدورة الماضية ولم يأت دور قراءتها بعد رغم أننا كنا نعتقد أن قراءتها أمر ملح جداً لحظة شرائها.

 نسعد كثيراً عندما نرى المواكب تخرج من صالون الكتاب محملة بأكياس ممتلئة بالكتب، لكن نتساءل: إلى متى سنبقى مصابين بمرض ''الاستسهال'' في صالون الكتاب السنوي، نلم كل شيء، على اعتبار أنّ ما قد يفوتنا لن نعوضه إلا في العام الذي يليه؟ ما الصعوبة التي تقف في وجه تبني مشروع بيع الكتاب الجزائري وغير الجزائري والتعامل معه على أنه سلعة يجب أن تصل إلى أكبر كم  من الشرائح الجزائرية المهتمة بالقراءة؟ وإلى متى سيبقى الكتاب في حيز الإهداءات والتوقيعات المجانية؟

 من وجهة نظري أظن أنّ المشكلة هنا تنقسم إلى شطرين: الأول، نحن في أمس الحاجة إلى كتابة قانون جديد يتناسب مع روح التغيرات التي أصابت إعلامنا وكتاباتنا ومتطلبات حياتنا الجديدة، وشطر آخر من المشكلة يتعلق بغياب المستثمر الجزائري القادر على خوض هذه المغامرة، إذ بالتأكيد لن يدر أرقاماً خيالية جرّاء افتتاح مكتبة.

 اللجنة المنظمة لصالون الجزائر الدولي للكتاب، شاءت أن يكون نافذة ثقافية، لكن أحلام المثقف تريد منها أن يكون أوسع بكثير من النافذة، تريده حالة ثقافية مستمرة وباقية، بأنشطته وخططه ومشاريعه، وعلاقاته مع المؤسسات الثقافية، داخل الجزائر وخارجها خلال أشهر العام، وليس لعشرة أيام معدودة، وأن تكون له مشاركة باسمة في مختلف المعارض الثقافية، ذاهبين به إلى أن يكون له رأي في المستجدات الثقافية الجزائرية والعربية، بنظرة أبعد من كونه صالوناً اعتيادياً للكتب...


وهذا ما نرجوه من اللجنة المنظمة لصالون الجزائر الدولي للكتاب، أن تعطي أهمية للفعاليات الثقافية التي تقام على هامشه، وأن تنهض بالكتاب الجزائري. ألا تصبح فقط أسيرة أدبيات المديح، التي تسمعها الإدارة من بعض الناشرين، وحديثهم المتكرر سنوياً بأن صالون الجزائر الدولي للكتاب، من ''أفضل'' صالونات الكتب العربية تنظيماً، وإن كان هذا صحيحاً وصادقاً، إلا أن الحال ذاته يتكرر في صالونات كتب مختلفة أيضاً، لها أيضاً إداراتها التي تتوخى العرض الحَسَن لتوزيع الكتب وأماكن دور النشر...


ولو سألنا ناشراً يشارك في صالون ما، لقال: إنه من أفضل صالونات الكتب، هذه الأفضلية تتكرر في كل دورات صالونات الكتب العربية، لذلك نرجو ألا تبقى إدارة الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، مأخوذة ومجذوبة بإيقاع حديث المديح العذب فقط، وكأن التنظيم الحَسَن هو أكثر ما يشغل الإدارة، وأنا شخصياً أتيحت لي فرصة زيارة مجموعة من معارض الكتب العربية، فوجدت جميعها تمتاز بالتنظيم الحسن...

 طموحات المنظمين للصالون الدولي للكتاب بالجزائر كبيرة، والجهود المبذولة واضحة للعيان، ولكن لابد من تجديد الخطاب بين الحين والآخر، ومعه تتجدد الرسالة، ولا ضير من النقد الهادف، الذي يَبْني ولا يَهْدِم، ويعترف بالجميل ولا ينكر الفضل، وجهد اللجنة المنظمة منذ بداياته مشكور لا ينكره أحد، إذ لولا الجهود المبذولة لما نجح صالون الكتاب الدولي أن يصل إلى الطبعة 19، ولكننا نطمح إلى مزيد من التطوير، فقد كثر الكتاب والناشرون، وفي كل دورة من دورات الصالون الدولي للكتاب، يتقدم العديد من الكتاب الجزائريين في مختلف المجلات بإصدارات جديدة، تدخل الساحة الثقافية كوليد جديد يضيف بهجة في العائلة السعيدة.

نحن فرحون جداً بالصالون الدولي للكتاب، وفرحون كثيراً بالإصدارات الجزائرية والعربية الحديثة، التي تبشر بخير ثقافي قادم، وهي إبداعات صادقة لا مراء فيها ولا غلو ولا مبالغة، فلا حجر على أي كتاب كما قال، ولم الحجر في زمن النشر الإلكتروني؟ لقد أصبح القارئ واعياً بالكتاب المهم، ولا يشتري إلا الكتاب المهم، فقد انتهى الخوف والتوجس من الكتب، وأصبح العالم مفتوحاً على سموات افتراضية، أصبح مزيجاً من الحقيقة والوهم، مثلما أصبح الفضاء مشحوناً بالمعلومات، ومليئاً بالمعرفة.

فأرقام دور النشر المشاركة والعناوين توضح دور المنظمين في عملية التجديد وزيادة جرعة المعروض من العناوين والكتب والمؤلفات التاريخية والإبداعية والفكرية... كما تبين الحركة العلمية وحركة التأليف المصاحبة وتوسعها، والرغبة في احتضان كل جديد على الساحة العلمية والثقافية والأدبية والمعرفية ومختلف الفنون، لذلك يحق للوسط الثقافي والعلمي في الجزائر وخارجها أن يحتفي بالصالون الدولي للكتاب لكونه رافداً من روافد الفكر والمعرفة، وتظاهرة الجميل فيها أنها تتكرر كل عام والأجمل حصادها المعرفي، إلى جانب أنواع الحصادات الأخرى.
مصطفى قطبي

إرسال تعليق Blogger