0
تساءلت وأنا أسمع عن هزيمة البرازيل أمام الألمان عن ما إذا كانت تفكر هذه الأخيرة في الثأر الكروي، وتأكدت أنها سوف تفعل، لأنّ ألمانيا لم تنس هزيمتها أمام المنتخب الجزائري منذ 1982،
وجاءت لمونديال 2014 وهي تحمل هاجس الإنتصار لكرامتها المُداسة، وفكّرت قليلا، وتوصّلت إلى أنّ هذه ليست مجرّد مباريات كرة، إنّها استراتيجيات قائمة تحاول أن تستخدم العقل وتكرّس فعل الذاكرة، وهنا مفرق الطريق بين مجرّد المباراة التي نحن العرب عليها، والمباراة/الإستراتيجية التي يرسم هيكلها العقل المُواجِهْ.
لم تتخلّ السياسة الصهيونية في يوم ما منذ أن داست شرف الأرض العربية واحتلتها سنة 1948، عن مشروعها في هدم كل مقوّمات الوحدة العربية، أو مجرّد الإحساس بالتقارب العربي العربي والعربي الإسلامي، لأنّ ذلك يمثل خطرا حقيقيا على وجودها، وعلى مشروعها التوسّعي القائم على فكرة "من النيل إلى الفرات"، ولهذا، ولكي يتحقّق لها ذلك فهي تعمل على إضعاف الذاكرة الجمعية، وتشتيت محاولاتها في ربط خيوط المشهد في تاريخيته الموغلة في الصراع مع هذا العدو الغاشم الذي يريد إحلال شعب مكان آخر، والتمكين لثقافة لا تستجيب سوى لنداء التعصّب والهمجية، وإلا فكيف نفسّر توجّه التحاليل السياسية العربية إلى ربط المحاولات الصهيونية الأخيرة في التحضير لاجتياح غزّة بما توصّل إليه الأفرقاء الفلسطينيون في غزة ورام الله من اتفاق حول إقامة حكومة وحدة وطنية، وننسى كل التاريخ الدّموي للصهاينة الذين يرمّمون ذاكرتهم بأكاذيب توراتية تشرعن وتبرّر عنفهم ضدّ العزل والمدنيين الفلسطنيين، فمنذ دير ياسن ومرورا بصبرا وشاتيلا ووصولا إلى حصار جنين ومحوها، مازال الصهيوني يكشف عن خطط دموية خفّاشية، لأجل أن ينتزع الحياة من الفلسطيني المكرّس تاريخا وجغرافيا في الذاكرة العالمية ويتلبّسها هو الذي عاش الشّتات واللاوطن والتّيه التاريخي في الأرض، لذلك فحلمه الأول أن يكسر الذاكرة ويفصل الصراع بين العرب وبينه عن مقوّمه الأساس المتمثل في الذاكرة، وهذه القطائع في تفسير الأسباب للهجومات المتكرّرة للصّهاينة، إنّما تخدم القضية الصهيونية وتصيب في مقتل القضية العربية، فالصّهيوني مهما فعل فهو لا يواجه إلا بما يحدث في الآن.

هل نسي العرب والمحللون السياسيون، سياسة تهشيم العظام التي انتهجها رابين؟ وكيف أنّه صبّ جام غضبه على العظم الفلسطيني الأعزل والغض.
إنّ الصهيوني يضرب كل الأعراف الدّولية عرض الحائط قاصفا التجمعات السكنية المليئة بالمدنيين بحجة أن الساكنة هم قياديون في المنظمات الجهادية الفلسطينية، وبذلك تزهق أرواح مدنية لا ذنب لها سوى أنّها تحاول أن تناضل ضد المستعمر الغاصب، هل هذا يقوم به الصهاينة لمجرّد انزعاجهم من وحدة الصف الفلسطيني؟
إن أخطر ما تخافه إسرائيل هو الذاكرة، لذلك توجّه الأنظار إلى الآن، وأنتجت بذلك ما أطلق عليه "عرب الآن" المبتورون عن سياقات الذاكرة والمغموسون في ما يجري في اللحظة دون محاولة مواجهة الصهاينة بمخزون الذاكرة الدّموية الذي يفسّر كل تصرفاتهم العدوانية على مسار تاريخهم الإحتلالي للأرض العربية الفلسطينية.
خوفهم من الذاكرة جعلهم يلاحقون الفنّان الفلسطني "ناجي العلي" لمجرّد أن أنامله ومخيّلته أبدعت "حنظلة"، تلك الشخصية الفنية الكاريكاتورية التي تحمل الوطن وأوجاعه في حلّها وترحالها، وتراثية الإسم تقيم رمزية الذاكرة وتواصلها عبر تاريخية منهكة بالنضالات والمقاومات لأجل افتكاك حق الذات العربية في الحرية والوجود والكلام، لذلك يظهر حنظلة مدْبرا في الصوّر الكاريكاتورية لناجي العلي.
إنّ الصهاينة لا يمكن أن يسمحوا للذاكرة التي نتهاون في إضفاء الأهمية عليها، بالبروز، فهم يعملون ليل نهار على تحييذها من دائرة تفكيرنا، فموشي دايان رأى أن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهمو فسرعان ما ينسون، ويدخل هذا في مجال الحرب النفسية، وعند النسيان يكمن مربط الفرس، لأنّه يحيل ما بين حركة النّضال وبلورة استراتيجياتها، لهذا ما يقوم به العرب في مواجهة الصّهاينة هو مجرّد مباراة خالية من أي نكهة للتفكير والعقل، اللذان يتطلبان الذاكرة، هذه الأخيرة هي التي تمنح العمل صفته الإستراتيجية.
الصّهيونية وهي تبادر إلى محو الذاكرة العربية، لا تنسى أنها مبتورة الأواصر بالصلات التي تكرّس وجودها في التاريخ والجغرافيا، لذلك تعمل على الحيلولة دون التواصل مع الميراث الإنساني الذي حتما إن استذكره واستدعاه الفلسطيني فإنّه سوف يتواصل معه بسهولة لأنّه ساهم في لحظة تاريخية معلومة ومشهودة في تطويره وتفجير ميكانزماته وأدواته، لذلك لا يمكن أن يسمح لجورج غالاوي بالتواصل والظهور على مسرح التعاون الفلسطيني العالمي، أيضا لا يمكن لـ "راشيل كوري" الشابة الأمريكية أن تستمر على وجه الحياة لأنّها حاولت إعاقة آلة الخراب الصهيونية، وفي ذات الوقت إنعاش الذاكرة العالمية للقضية الفلسطينية، لذلك دهستها الجرّافة الصهيونية البشعة، وجعلت من جسدها حلقة وصل مع ذاكرة النهايات، عوض أن يتحقق وجوده في ذاكرة البدايات، وجيّشت كل أدوات التعتيم لأجل أن ينتهي إسم راشيل كوري ويلحق بالجسد المدهوس.
لأجل هذا وذاك قمعت القوّة الغاشمة الصهيونية المناضلة "هايدي ابستين"، اليهودية الناجية من المحرقة، حتى لا تنبعث الذاكرة الفلسطينية من عمق الذاكرة المقموعة اليهودية، لأنّ "هايدي ابستين" تمثل الحالة الإنسانية لليهودي المشرد والمضغوط تحت آلة العنصرية النازية، فهي تمثل حالة المظلومية المطالبة على الدّوام بالإنتصار للقيم الكبرى للحرية والعدالة واستمرار الذاكرة الفردية والجمعية للعطب التاريخي الذي ينجز المأساة ويحيك نسيجها على مسرح الغبن الإنساني، لهذا لا يمكن أن نفسّر بالجذر المبتور عن سياقاته التاريخية وضعا آنيا يظهر أنّه معزول لكنه شديد الإرتباط بالذاكرة التي تشكل الهمجية العنصرية الصهيونية القائمة على اقتلاع الوجود الفلسطيني العربي المكرّس تاريخا وجغرافيا وإبداله بوجود صهيوني يهودي سطحي الوجود تاريخيا 
وحغرافية
عبد الحفيظ بن جلولي.

إرسال تعليق Blogger