
في بيروت بدأت مرحلة جديدة من حياتها. عالم جديد مفتوح وواسع، ثقافات
مختلفة. ديانات مختلفة. أفق لا نهاية له…صراحتها و جرأتها في كتاباتها جلب لها
نقادا من نوع “خاص” حتى أنها و صفت بكاتبة الجنس ، حرب شعواء أعلنت ضدها من طرف
الصحافة المعربة في الجزائر، و العالم العربي، و قلة هم الذين استوعبوا أبعاد
ثورتها
.
من كتبها لحظه لإختلاس الحب . مزاج مراهقة . ، تاء الخجل ، إكتشاف الشهوة ، و أخيرا” أقاليم الخوف “
فضيلة الفاروق أتاحت لي الفرصة في
محاورتها في حوار صريح كعادتها .
أجرى الحوار جمال قتالة
من أريس مرورا بقسنطينة هل الرحلة كانت
شاقة؟
كانت جد شاقة، أنا كائن يألف المكان و
كل ما يحيط به، ثم أنا جد عاطفية أتعلق بالأهل و الأصدقاء و كل الذين أتعامل معهم،
و ما حدث لي حين تركت آريس كان شرخا فظيعا في حياتي، و أظنني قضيت سنة كاملة أبكي
فيها، تأخرت في دراستي و فشلت في شهادة الباكالوريا لأول مرة، بالطبع خلال عذاباتي النفسية تلك لم يكن أحد
ليأبه بما أصابني، مجتمعنا مبالغ في قسوته، كنت مادة للثرثرة النسوية لا غير، لم أحب قسنطينة في البداية، كنت أشبه
ببدوية في روما، أتحسس الأشياء بحذر، و أتعامل مع محيطي بخوف، و حين بدأت آلف
المكان ، وجهتني الجامعة إلى كلية الطب في باتنة، طبعا هذه جريمة أخرى تمارسها
وزارة التعليم العالي بحق أبناء الوطن، و الدولة لا تابه كثيرا بما يحدث، فهي
أساسا تعتبرنا قطيعا من البقر…عذاباتي في باتنة كانت تتمة لمسلسل سلخي عن العائلة،
و دخولي عالم الأحياء الجامعية، بعد سنتين من الصراع مع أسوا كلية طب في العالم،
رسبت بسبب ضعفي في اللغة الفرنسية بعد أن عربني نظام بومدين غصبا عني، و أنتج مني
و من ملايين الشباب معاقي لغة، غادرت باتنة
و كلية الطب العظيمة و أنا راسبة، فيما أغلب الناجحين كانوا مجرد ببغاوات
يحفظون صما ما يملأ عليهم لينجحوا لا أكثر و قلة منهم كانوا فعلا متمكنين و
موهوبين لمهنة الطب . في قسنطينة توجهت نحو الأدب العربي ، بدل أن أذهب لمعهد
الصحافة في العاصمة، كانت الأوضاع الأمنية سيئة سنة 88 و كان
من غير الوارد أن احمل حقيبتي مرة أخرى و أسافر للعاصمة، كان فشلي في الطب أيضا
ذريعة جيدة لرفض تجربة الأحياء الجامعية من جديد. ثمان سنوات في قسنطينة لينفجر
الوضع الأكثر رداءة في الجزائر، تصفية الصحافيين، و المواطنين لأسباب غير مقنعة،
لم أتحمل فكرة أن أموت بأيدي جزائرية…لم أتحمل رؤية المجازر اليومية لجزائريين
بأيدي جزائرية…كانت فترة التسعينات مهزلة حقيقية، و قمة عبثية الإنسان بأقداره،
فحملت حقيبتي و هاجرت إلى بيروت.
عن ماذا تكتب فضيلة الفاروق؟
أكتب عن الإنسان، و أخطائه بحق نفسه، و
كيف يمكنه أن يستفيد من معطيات الله له ليعيش افضل، كأن الفكرة غائبة عنه، أو كأن
الفكرة معقدة و تحتاج لكثير من التأمل و التحليل لفهمها، أكتب ما أراه خطأ…أمارس
أضعف الإيمان، بكل بساطة.
تصنف كتاباتك بالجرأة و الصراحة هل هي مكنونات
بداخلك؟
اقول الأشياء كما هي و أستغرب لماذا
يصفون ذلك بالجرأة… كأن يثور أغلب المعربون ضدي لأني أعترف بأمازيغيتي و أنادي بحق
كل أمازيغي لإسترجاع كرامته، أنا أمازيغية، شاوية من آريس، لغتي الأم الشاوية،
الألحان و الأغاني و الأهازيج التي أحبها شاوية و بربرية قبل كل شيئ، أحب الجبال و
الطبيعة المتوحشة، أرى الأشياء كما هي و لا أحب أن أكذب لأرضي جهة سياسية أو دينية
معينة..هل تسمي هذا جرأة؟ أنا أسميه صدق، لقد علمونا في المدرسة منذ الإبتدائي ان
نقول الحق و لو مرا، فلماذا ينزعجون؟ اتحدث عن الجنس بطلاقة لأن الجميع يمارسه، ثم
يقولون لي يجب أن تخجلي من طرح الموضوع لأنه عيب، أظن أن العيب يجب أن نتفادى
ممارسته، على الجميع أن يتوقف عن ممارسة الجنس لأتوقف عن ذكره في كتاباتي، أذكر
بعض الكلام الفاحش في نصوصي فيثورون ضدي، لماذا يتقبلون هذا الكلام و الأسوأ منه و
هو يردد في الشارع لنسائهم و بناتهم؟ أنا لا أفهم هذا المجتمع الإزدواجي الجبان،
يثور ضد امرأة تكتب ، و لا يثور على كل المفاسد حوله. فهل تظن أن علي أن أصمت؟ أنا
متعبة في هذا المجتمع المقيت و لا أجد سوى مواجهته بمرآة تعكس أفعاله المقيتة
ليتوقف.
مزاج مراهقة، تاء الخجل،
لحظه اختلاس الحب، هي كتبك الأولى حديثينا عنها.
وضع المرأة في مجتمعنا الذكوري هو لب ما
تحدثت عنه، لحظة لإختلاس الحب مجموعة قصص تختصر ثورتي الجامعية، و أحلامي لتغيير
الأجيال التي ستأتي بعدي، تحدثت عن المرأة طفلة و طالبة و زوجة و أخت و حبيبة و
كيف أنها تظلم في كل الحالات بتبريرات غير شريفة و مقززة، ففيما يجب على الرجل أن
يحمي أخته لأنها أخته، يستعمل هذا الرابط الإنساني القوي ليضربها، و أنا أتساءل إن
لم تجد المرأة خيرا في أخيها فهل تجده في الغريب؟ تزوج المرأة إلى اليوم بمقاييس
مادية و سلخت ذاكرتها تماما و دجنت حتى اصبحت كائنا ماديا يقيم الرجل بما يملك في
جيبه لا بما يملك في قلبه تجاهها و في رأسه من ذكاء و حكمة وفي ضميره من يقظة،
يرددون علينا، يغدر الرجل بالحبيبة إن سلمته جسدها، فيما بإمكانه أن يستثمر كل
عطائها ذاك ليبني عائلة كلها محبة، فلا يوجد أغلى من النفس فكيف يعاقبها على هذا
العطاء، و يعطي درسا للأخريات أن يقيمنه في المرة القادمة على أنه ذئب و لا يجب
الإئتمان له، تتزوج المرأة عندنا و لا تأمن للرجل أبدا، تسلخه ماديا على مدى
الحياة، و تتحدث في غيابه بمصطلحات مخجلة : المخلوق، المنحوس، الحيوان… و هلم
جرّا…لماذا شوهنا علاقاتنا بهذا الشكل؟ و لماذا تحولنا إلى مجتمع مريض؟ كل هذا و
فضايا أخرى أثرتها و لا تزال تحتاج لمزيد من الطرح و المناقشة لأن لا شيئ تغير
عندنا.
عالجت موضوعا مغايرا في كتابك الأخير”
أقاليم الخوف” لماذا هذا التحول؟
لأنني قادرة على معالجة موضوعات مختلفة،
لأن الإعلام الجزائري خاصة لا يكف عن إتهامي أني أسيئ للجزائر، لأن اغلب جرائدنا
المعربة توظف صحفيين يسيئون للكاتب أكثر مما يحللون ما كتب و يقدمون الكتاب للقارئ
ليحكم، يقدمون أحكاما مسبقة عن الكتاب فلا تجد سوى الشتائم و التهديدات على
مواقعهم، و بعض الشتائم تطال عائلتي، و هذا من اسوأ ما حدث لي.
ثم قدت موضوع الساعة، الحروب الدينية
القادمة إلينا من الشرق، عصب كل الديانات، المطامع الغربية في هذا الشرق، وضع
النساء في هذا الشرق، و ما آل إليه وضعها من جراء التأويلات الدينية.
و ايضا في أقاليم الخوف سمحت لمخيلتي لتتحرر
من قيود المكان و الزمان و الموجود، إذ تحدثت بشكل ما عن مستقبل حالك للعالم
العربي و الإسلامي إن استمر في التزمت و رفض الآخر.
هل أعطاك لبنان ما لم تعطك إياه
الجزائر؟
نعم ، علي أن أعترف، أنه منحني مساحة
شاسعة من الحرية الشخصية، الشيئ الذي لم و لا أجده في الجزائر، ففي الجزائر الجميع
مهتم بمراقبة أخلاق الآخرين، و كأنها وظيفة اسندت إليهم، و الجميع يتطاول عليك،
كان تذهب لتعزي أحدهم و تأخذ بخاطره فإذا به يعطيك درسا في الحجاب و يفهمك أنك
ستذهب للجحيم. الجميع ينتبه لملبسك، و تسريحة شعرك و لون حذائك، و يقررون من خلال
هذه المعطيات إن كنت شخصا جيدا أو فاسدا…هذا لا تجده في لبنان. كما أن اللبنانيون
لطفاء جدا، و نسبة العنف عندهم تكاد تكون معدومة، رغم أن الجميع مسلح، لكن لا أحد
يعتدي عليك، و من النادر أن تسمع بجريمة في لبنان و إن سمعت ، فتأكد أن المجرم
سيلقى عليه القبض و يؤخذ لمكان الجريمة، و يروي كيف قام بجريمته ( ما يسمى بتمثيل
الجريمة) و يبث ذلك على بعض قنوات التلفزيون…! نحن اصبحت الجريمة جزء من يومياتنا،
خاصة في بعض المدن الكبرى، …خلينا ساكتين خير، فبالمختصر لبنان بمساوئه يناسبني
كطريقة عيش أحسن من الجزائر و هذا عكس ما يريده قلبي تماما.
تُرجمت” تاء الحجل” الى الفرنسية هل
وجدت استحسانا عند المفرنسين ؟
في الأصل أنا كاتبة أمازيغية أكتب
باللغة العربية، و هذا الإعتراف يجعل أغلب المعربين يهاجمونني أكثر مما يروجون
لأدبي، كوني خارجة عن السرب، و لأني أكتب باللغة العربية فهذا لا يثير
الفرنكفونيين لقراءتي بسبب الأحكام المسبقة، و هو أن كتاب اللغة العربية لا يطرحون
قضايا المجتمع بجرأة، بل يسايرون المجتمع خوفا من غضبه، و لهذا كما ترى أنا على هامش هؤلاء جميعا، لكني
أفتخر بقراء مزدوجي اللغة، يقرأون أدبي بدون خلفيات، لي قراء في العالم العربي لا
يتحسسون من أمازيغيتي، و لا تعنيهم بقدر ما يعنيهم نصي، و لي قراء مفرنسون لا
تهمهم اللغة التي أكتب بها، ما دام النص الذي بين ايديهم جاد و يعالج قضية مسكوت
عنها و يريد المجتمع و القانون و الدولة طمسها.
هوياتك خارج عالم الكتابة ؟
أحب السينما بشكل مجنون، و الموسيقى و
سماع الشعر، كما أحب البحر جدا، و السباحة…و أعشق أن أبقى في البيت لعدة ايام دون
أن أخرج و دون أن يطرق أحد بابي، ليس تهربا من الذين يحبونني، و لكني لأني استمتع
بالعزلة بعد يوم او يومين صاخبين.
مشاريعك؟
كثيرة و لا يمكن إختصارها حتى في عشرين صفحة. فأنا بطبعي
إنسانة حالمة، و لا أتوقف عن رسم خطوط و خطط لتحقيق أحلامي، و اشعر بالرضى
إلى الآن أني حققت بعضها.
حاورها : جمال قتالة
إرسال تعليق Blogger Facebook