0
 قراءة تاريخية للذكرى الـ 60 لإندلاع الثورة التحريرية الجزائرية
الجزائر،60 عاماً على ثورة نوفمبر (ذاكرة.أمجاد.آفاق)



   تستعد دولة الجزائر شعبا وحكومة  للإحتفاء بالذكرى ال60 لإندلاع الثورة  التحريرية المجيدة ،ثورة إجتمعت فيها كل ملامح النضال السياسي والكفاح العسكري المسلح و توحدت فيها نماذج المقاومة و الجهود و المساعي الرامية لإسترجاع أرض العزة والكرامة بتحرير كل شبر فيها من أيادي الغدر الإستعامرية عبر معارك ضارية خاضها رجال بواسل وأبطال جعلوا من جزائرنا اليوم نموذجا عظيما من قضايا و ثورات التحرر عبر العالم بعنوان ملكوة الإرادة و الإصرار على الإنعتاق والتحرر حيث تجلى فيهما طابع المقاومة والذي كان  ينص على رد الإعتبار للقضية الجزائرية مهما كلف الأمر، فمن منطلق  معيار" ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة "، ومن ذلك المنوال قيل عن الثورة الجزائرية التي ألهمت القادة والكتاب والمؤرخين والفلاسفة والرواد عبر العالم بأنها من أكبر ثورات القرن العشرين.
ومما لا شك فيه، أن ذكرى إندلاع ثورتنا الجزائرية قد تركت بصمتها المحفوظة في لوحة التاريخ العربي المعاصر، الذي تجلى ثمنها بعظيم التضحيات الفدائية التي عمد إليها شهدائنا الأبرار من أجل نيل الحرية عن طريق تفعيل و توفير جميع عوامل قيام الثورة بإيمان وعزيمة راهنة عليها باسم المليون ونصف المليون شهيد رموز معاني الإنسانية التي لاتخذل أوطانها بمقاليد حب الكرامة تحت شعار "الإنتصار او الإستشهاد" ،وهو العهد الذي قطعه أجدادنا لنعيش اليوم نحن أحرار.
كانت بداية المشهد الثوري لحركات التحرر الجزائرية في سنة  1954مسجلة فيما يقارب إنضمام 2000 إلى 3000 مجاهد للثورة في معارك حافلة بالإنتصارات،ولدت فيها حقبة إستهداف الثكنات و المنشئات العسكرية و مصالح جد إستراتجية ترعاها فرنسا في ذلك الوقت،رغم تردد البعض إلي الإنضمام للثورة،إلا أن جيل التحرير لم يعد في ذهنه سوى قناعة فكر حب التحرر و الإستقلال بدون أي مناقصات لا تحتمل التعجيل،ولا مفر لنا من الإعتراف بمقولة "العربي بن مهدي" أحد قادة الثورة بنصيحته المنوطة في محاولة ضمه لأكبر عدد من المجاهدين عندما قال "إرموا بالثورة إلي الشارع يحتضنها الشعب"،وهو ما تحقق على أرض الواقع حينما تحول رقم عدد المجاهدين المنضمين إلي الثورة بحوالي 40000 مجاهد بشكل مفاجئ أعطى غطاءا جديدا للتفاف الشعب حول الثورة، إذ توالت بعد ذلك رايات وهتافات تجمع على ضرورة تصحيح المسار الثوري ورفع عتبته من أحجية النضال السياسي إلي ثمرة الكفاح المسلح الذي يدير نصاب تنويع مراسم التعاون و الإرادة بشكل سيكولوجي يتوافق مع علامات الدفاع و الهجوم لنطاقات تضمنها أجندة العمليات العسكرية، وعلى إثر ذلك العهد، وبالتحديد في منتصف الليل من أول يوم نوفمبر،إنطلقت أول رصاصة معلنة بذلك عن ميلاد الثورة وتوزيع بيان الفاتح نوفبر كإعلان رسمي تاريخي عن إنطلاق عهد ثوري جديد، يمجد بيانها عظمة المجتمع الجزائري  و يعدد صفات الثورة و يشرح أسبابها وأهدافها ويدفع الشعب إلى الإلتفاف من حولها و العمل على إنجاحها كرهان نضالي سيوقف تعنت هذا المستعمر الغاشم .
فبعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة المباركة كان لابد من تجاوز مرحلة الإنطلاقة إلى مرحلة التجدير والإنتشار وتوسيع الأفق, باستعادة المبادرة وفرض منطق الثورة المفعم بالحيوية والديناميكية،
لهذا قد شهد سجل معارك العمليات التحريرية مع إنطلاقته المنشودة تضيقا سياسيا يعتبر كتطرف لوجود بعض رؤوس الوشاية و الخيانات تحت الوصاية المشينة على طائلة شدة التعذيب نحو إفضاح أسرار الثورة و المجاهدين ، أما تكتيكيا فقد كانت البداية العسكرية لا بأس بها كونها جديدة و منقوصة الخبرة في المجال الحربي،إلا أنها إستطاعت تحقيق تتويجات جليلة محملة بالإنتصارات الكبيرة تجاه الإستعمار،ما جعلها رغم المضايقات و الظروف الصعبة التي كانت تعترضها من حين لأخر تحصي نوعا من التجربة التي ستحصن هيكلها وهو مايبرز لها نقاط القوة والضعف لدى العدو من غير أن تفرز لهذا الأخير السندات الثورية المعول عليها لإرتداء ثوب الإستقلال، ولو أن المعارك لم تكن حكرا على منطقة معينة ما دون سواها ،بل كان كل الشعب من مشارق الجزائر و مغاربها على أهبت الإستعداد الدائم لصد كيد هذا العدوان الفرنسي المتطرف .
فكانت عناصر الترتيبات السرية التامة والسير والتقدم  خطوة بخطوة هي مفاتيح معتمدة أولية لإنفتاح الفرج والنصرة من جبهة محاربي أول نوفمبر لحركات التحريرية الجزائرية التي جاء عنوانها ليكرس في مظمونه "الإتحاد من أجل وحدة الوطن" كبيان ثاني يقضي علي خطورة المؤامرة الفرنسية المعروفة بسياستها المعهودة الطارئة بعبارة "فرق تسد" كون ما تنسجه هذه من مكائد تدعي بها إصلاحات عرجاء و إغرائات مراوغة لكي تحد من بلاط التفاهم بين شمال الجزائر وجنوبه،غير أن سيرورة نماء فكرة نشر الوعي بين أفراد الشعب الجزائري و تشجيعهم على الإنخراط في الثورة و حشد تنظيمهم و ذلك بهيكلتهم في منظمات وهيئات متعددة منها:الإتحاد العام للعمال الجزائرين و الإتحاد العام للطلبة المسلمين وتأسيس جريدة المجاهد كلسان حال ناطق باسمهم، وهو ما ساهم بشكل كبير في إخماد حقائب التلاعبات الفرنسية المخادعة بمروحيات الدعاية المغرضة التي أتت على تصوير الإستهداف العسكري لها على أنه عمل إرهابي في محاول لتشوي بنيات أسس هذه الثورة أو احتواءها، لكن هذا لم يصح لها،لان المجتمع الدولي ومع تطور الثورة أرجع إعادة إعتبارات الرسومات المنهجية المتبعة في مبادئ الثورة الجزائرية ، بالإطلاق عليها في ذلك العصر لقب " أعظم ثورة في القرن العشرين" هزمت كواعبها أنف فرنسا المدجل بذكريات تحررية تسأم منها هذه الأخيرة كلما إحتفل بها أشبال جيل الجزائر.
  ولانه بطبيع الحال،تعد الثورة الجزائرية من أشد الثورات عنفاً وقتالاً وشراسة،فالشارع الجزائري بات يؤمن اليوم في الذكرى الـ 60 لاندلاعها عن روايات تجلت لنا قصتها الطويلة في مشوار عميق يمثل كيفية تبني أبطال رفعوا راية الكفاح المسلح في وجه العدوان الغاشم الفرنسي،من مقياس غمار تحدي اللجنة الثورية " للوحدة و العمل" في إجتماع قررت فيه لجنة 22 الأمينة على إحياء أمل ثورة مجيدة قوامها مواجهة العدو وجها لوجه بالسلاح دون مهانة، رغم دنس الأقاويل التي أرجعت بأن الشعب الجزائري بما خضع إليه وقت الحرب العالمية الثانية و ما صحبها من حمامات الدم التي جائت مجازرها في سطيف وخراطة وغيرها من الولايات الشرقية الجزائرية،سيؤدي بها إلي فقدان عزيمتها في التحرر، لكن لايأس مع أمل الحرية،فالشعب الجزائري واصل كفاحه حتي النهاية وفاجئ بغير المتوقع جميع أوطان العالم خاصة منها القوى الإمبرالية ، بروح جديدة اسمها "جبهة وجيش التحرير الوطني" التي يعود أول ظهور لها إلي اجتماع لجنة 22 ،ما أكد مصداقية العمل التحرري الجزائري في المحافل الدولية ،الذي أوضح خبث المزاعم الطاغية بخصوص أن الجزائر فرنسية ،لتنكشف حينها نقاط أبرزها أن الشعب الجزائري يرفض رفضا قاطعا بالتواجد الفرنسي، وليس كما تدعي هذه الأخيرة للرأي العام الدولي،ويتجلى ذلك من خلال كثرة المقاومات الشعبية في كل أنحاء الجزائر تزامنا مع نداءات جبهة التحرير الوطني التي قسمت الأراضي الجزائرية إلي خمس مناطق ولائية عينت بها أمناء عليها.
إن كل هذه الأحداث في مسار ثورتنا الظافرة, أحداث لم تكن يوما عارضة, من صنع الظروف أو نتاج محصلة أحداث منعزلة عن السياق العام للكفاح المسلح لشعبنا, بل كانت ثمرة لأعمال الفكر ضمن مسار واضحة معالمه, جلية منطلقاته, أكيدة مآلاته.
ومن المسلم به أنه حين يكون لأي مشروع هدف سام منبثق عن فكر خلاق تعضده عقيدة راسخة وإرادة صلبة بحجم ثورة أول نوفمبر, فإنه ما من قدرة مهما عظمت تقف دون تحقيقه، كما يمكننا ان نردف في هذا الإطار أن ساحة الفكر الثوري بعد إندلاع الثورة التحريرية أصبحت لها خبرة كبيرة في إجتياز المكائد الفرنسية بتأسيس معالم لإستراتجيات كفاح مسلح نصبت من خلالها في عدة معارك كالتي أتت عليها حادثة مواجهات "الشمال القسنطيني" حينما نجح ثوار منظومة جيش التحرير في فك الحصار عنها ونزع لغم الحاجز المغلق المفروض على الولاية الأولى (الأوراس)،هذا من ناحية نجاحها في تركيبة العمل المسلح، أما عن جدول نضالها السياسي فقد إكتست خبرتها هذه المرة مجال  تحطيم الحصار الإعلامي و القضاء على الدعايات الفرنسية المغرضة وتقديم القضية الجزائرية بحقيقتها إلى المحافل الدولية لتلقى بذلك دعما أمميا بجانبها ، ما يعكس بداية الخيبة الفرنسية وكسر جناحها المهضوم بتيارات المقاومة الداعمة اساسا لاعلان الوحدة الوطنية و إذا عدنا بالدرجة الأولى إلي مفهوم مراحل الكفاح الثوري التي شنه أبطالنا الشرفاء في وجه المستعمر، فإننا نجد من بينها و أبرزها معركة " إقنطاسن" بأولاد عوف قلب مدينة الأوراس بولاية باتنة التي تعد الولاية الأولى و مهد إنطلاق شرارة الثورة ،حيث شهدت المنطقة أزيد من ثلاثين معركة نضالية جرت فيها قرابة ليلة إندلاع الثورة المجيدة، و لايخف أنها كانت قلاعا متينة لحماية المجاهدين والشهداء الأبرار، نضير إعتبارها مركز تمويل للثكنات العسكرية ومخابئ جيوش التحرير المارين بهذه المنطقة، أين كانوا يتلقون جميع المواد الغذائية و الأدوية ومعدات أخرى تلزم معاركهم ضد فرنسا من طرف سكان أولاد عوف ،وفي رواية قصها المجاهد البطل "بن عمومة محمد" دار فيها حديثه عن عملية إستطلاعية أجراها المستعمر لستكشاف مخابئ الثوار،لتجد من بعدها إحداها يسمي بغار "إقنطاسن" الذي القت فيه القنابل ووابل الرصاص،خلف العديد من الشهداء،فيهم من تم إجلائه وفيهم من بقي مردوما او مدفونا تحت الركام لحد اليوم،لكن الواجهة الحقيقية لثورة معركة " إقنطاسن" التي نجحت في تقديم يد المعونة لجيش التحرير و إلحاق أضرار بالمستعمر نثمنها في الطائرة التي تمكن المجاهدون من إسقاطها بجبال منطقة "إقنطاسن" بأولاد عوف، ما يوحي أن المعارك الثورية لم تكن أبدا منقوصة الدعم أو مقتصرة على جبهة فقط من جبهات الوطن بل كانت متحدة الجوانب لايفرقها الزمان و لا المكان مهما طالت عليها الصعاب.
على صعيد آخر إن تراكم التجارب النضالية لرواد الحركة الوطنية, وتلاحم الجزائريين مع المقاومين في كل من تونس والمغرب, قد خلق وعيا بالتحرر شمل في عمقه وأبعاده كل المنطقة المغاربية. فكان لاختيار تاريخ القيام بهجومات 20 أوت 1955 دلالات تضامنية بخاصة مع الشعب المغربي الشقيق ومؤازرته في الذكرى الثانية لمحنة نفي الملك المجاهد محمد الخامس, طيب الله ثراه. وهكذا شنت وحدات جيش التحرير الوطني هجومها بمنطقة الشمال القسنطيني في مثل هذا اليوم من سنة 1955 وفي وضح النهار, مفندة كل الأكاذيب والإدعاءات التي تشكك في قدرة الثورة وفي استقلالية قرارها وفي اعتدادها بإمكانياتها الذاتية وإرادتها السيدة.
ونقل ذلك الهجوم بما حققه من مكاسب للثورة محليا ودوليا, الشكوك إلى صفوف العدو الذي اهتزت ثقته في نفسه, فأخذ يعزز منظومته القمعية بتعبئة إمكاناته العسكرية والسياسية والدعائية وتكثيف تواجدها ميدانيا, وراح يمني النفس بانتصار وشيك على من كان يصفهم بالخارجين عن القانون.
و لقد كان للعمليات الواسعة التي قام بها الشهيد زيغود يوسف في الشمال القسنطيني أثرها العميق في الداخل و الخارج حيث فكت القبضة الحديدية الاستعمارية  على كل من الأوراس و القبائل و بدت بوادر البحث عن الحلول السياسية بين الحكومة الفرنسية و المملكة المغربية. فانفك الحصار على العاهل المغربي و أسرته في مدغشقر و تبقى مثل هذه الأحداث التي لم تكن دون اندلاع ثورة نوفمبر الخالدة عربونا للأخوة و التضامن بين الشعبين المغربي و الجزائري. هذه أيام  مشتركة تحدث عن وحدة المصير في السراء و الضراء و تجعلنا نغض الطرف عن ركام الأيام العادية التي تحاول أن تنسينا إياها أو تجعلنا نخلط بين الأشياء الثابتة و المتغيرات.
وكحذت يعتبر بمثابة نقطة فاصلة في مسار الثورة النوفمبرية الذي جاء بعد سنة كاملة من الإنجاز الأول فهو انعقاد مؤتمر الصومام بمنطقة افري أوزلاقن, ليؤكد رسوخ قدم الثورة على نهج الكفاح وانتقال مشروع التحرر من مرحلة وعي الذات إلى مرحلة تحقيق الذات, عبر تقويم زهاء سنتين من عمر الثورة واستشراف القادم من الأيام وتزويدها بمؤسسات تضمن لها الانتشار وتغطية  كامل التراب الوطني, وتنظيم صفوفها وهيكلتها أفقيا وعموديا, إيذانا ببلوغ  مرحلة النضج ودنو ساعة انبعاث الجزائر الحديثة.
إحتاطت القوات الفرنسية في وقت لاحق لكل ما سبق،فقامت بتوظيف غيطة من الكومندوس ورجال المرتزقة التي أتت بهم من كل أرجاء المستعمرات الإفريقية التابعة لها،لقمع أغلبية تحركات جيش التحرير الوطني الذي إستلهم روح قواه من أبجديات التعاليم المخلصة لإعمارية الكشافة الإسلامية الجزائرية، بما أوردته هذه الأخيرة  في الأعمال الاجتماعية و الاسعافية التي كانت تتطلبها الثورة في كل ميدان،كما كانت عمقا نوريا ساهم في نجاح لقائات مجمع قيادات و رؤساء الحركات التحررية ومنطلق إجتماع مناضلي جبهة التحرير الوطني في مراكزها الخاصة، ما أضف على الثورة طابعا خصوصيا بإمتياز عندما عمدت إلى تنويع أسلوب التقدم الثوري بدءا من محور التكوين العسكري و إدارة العمليات الطبية إلى حكمة بعث تنوير فكر الشباب بكافة الإنجازات المحققة والتشديد على  أهمية المحافظة علي كيان مرصد أهداف الثورة،ولأن رمزية العمل الجهادي تتضح جليا في مثل هذه المدارس الكشفية،فقد لجأت إدارة الإستعمار الفرنسي تحسبا للمخاطر المحدقة بها،إلى الإنسياق وراء سياسة جديدة تحاول عندها تمرير عملية إنفاء معظم مؤسسي الكشافة الإشلامية لنشطاطهم النظالية المتزايدة فضلا عن عديد المجاهدين وبعض رؤساء الأحزاب إلي المنفى خارج ديارهم، كتخويف وترعيب مبدئي عمد إليه العدوان الغاشم من أجل استئصال و إخماد جذور المنظمة التحريرية،لكن الأقدار شائت و أبت غير ذلك، لأن يكون هؤلاء المنفون عن ديارهم ،قد بادروا هم في الأصل إلى طريقة جديدة ودرس نوعي من الكفاح المثالي الجزائري الذي أثبت جدارته في إقتلاع التحرر،بدءا بنضالات قضت أمرها بإنشاء جمعيات ولجان تزامننا مع إنطلاق المظاهرات الجزائرية في الخارج ،لتقوم حين إذن للترويج و التعريف بالقضية الجزائرية للعالم،أي عملت على جلب تحالفات وتأيدات دولية لصالح القضية الجزائرية،و التي لا يخف عن كثير منا، أنها كانت نواة وسبب في خلق أول حكومة جزائرية مؤقتة مستقلة بالقاهرة، اوكلت لها صلاحيات التعامل مع دول العالم و التفاوض مع السلطة الفرنسية، و هو الأمر الذي بدأت تفرز من خلاله مضايقات جديدة على لحكومة الفرنسية التي وجدت نفسها مضطرة لامخيرة للقيام بتنازلات كثيرة أمام التكتل السياسي النظالي في الجزائر و ضغط الراي العام الدولي الذي بدأ ينحاز لصالح الثورة الجزائرية،لينتهي الحدث بمفاوضات الشد والجدب ثم الجدية بين السلطتين الفرنسية و الجزائرية،فكانت حلقتها الإخيرة إعلان وقف اطلاق النار في 19مارس 1962 إلى ثبوت إعلان فرنسا بلسان عجوزها المنهك  "ديغول" في 3 جويلية 1962 عن إستقلال الجزائر وتشكيل حكومة جديدة أساس بنيانها الجزائريون دون أي جزء تاريخي لتواجد فرنسا معها.
ليتم إعلان الإستقلال من طرف الحكومة المؤقتة في الخامس جويلية من عام 1962 ، لتعلوا الزغاريد و الافراح بمناسبة اندلاع الثورة واستقلال الجزائر،ولا يزال من بعد ذلك ،مشهد بطولات معارك الثورات التحريرية الجزائرية و إندلاعتها،ذاكرة مخلدة في أعين أبنائها ورمز نضال حركات التحرر في الوطن العربي التي إستلهم الدروس و العبر من كفاحات أبطالنا الشهداء أمثال مصطفى بن بولعيد و ديدوش مراد و كريم بلقاسم ورابح بيطاط و العربي بن مهيدي،هؤلاء إذن أسود الجزائر وأسيادها الذين حققوا الانتصار برفع شعار "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا والجزائر وطننا"،محرزين بذلك إمبرطورية أعظم ثورة من عشرينات القرن الماضي.
إن ثورة نوفمبر الخالدة, التي دحرت الإحتلال وأنارت دروب الخلاص للشعوب المستضعفة وغيرت مجرى التاريخ في الإتجاه الذي يزيل الظلم ويعزز الإستقرار في العلاقات بين الدول والشعوب, قد عززت فرص التمتع بالسلم والتنمية والرفاهية أقليميا ودوليا, ومكنت شعوب المعمورة من التطلع إلى مد جسور التعاون والتضامن فيما بينها, من أجل الحفاظ على السلم العالمي واحتواء الصراعات والخلافات والحروب.

إن أرض المجاهدين و الأبطال في عقدها هذا من الذكرى الـ 60 لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية بنوفمبر 1954 ،لاتزال مقاماتها لحد الساعة غير منتهية الصلاحية وهي في مسارها نحو الإستقرار و الإسمرارية ،فإذ أخذنا بمدأ تعليمة الغيرة علي الوطن وتلاحم الشعب على أين كان ممن يحاولون فرض خربشة من شأنها تهديد خرق أمن حدود البلاد،و لو تأملنا في مناظر عزائم أجدادنا على تحقيق الإنتصار وتلاحمهم حول بيان الثورة لوجدنا نفس الصدا و الإشتراك يمثله ابناء هذا الجيل ،عندما نرى توافقا ودعما و إلتفافا محوريا كاملا من طرف الشعب الجزائري في التراب الوطني الواحد لأي سراب يحاول نشر الفتنة في البلاد.
وعليه، إن إحتضان ذاكرة الثورة الجزائرية النوفمبرية و صور شهداء تلك الفترة،الذين سقطوا في معارك تارخية كبرى قبل قرن من الزمن ،صار أمرا مستلزما،كشكل من أشكال الحفاظ على الهوية التاريخية لأحداث إندلاع الثورة التحررية من ترتيبات زمن ضح فيه أجدادنا بالغالي و النفيس لنعيش أيامنا أحرار، إن الإحتفاء بمثل هذه الذكريات وتناقل مآثرها جيلا بعد جيل, يقصد به تغذية الذاكرة باستمرار دون استفحال ثقافة النسيان التي توهن مع مرور الزمن الصلة الوجدانية التي تربط الأجيال بأسلافهم وأمجادهم, وتؤدي إلى نضوب منابع الافتخار والإعتزاز بإنجازات السلف, النابعة من واقعهم دونما اغتراب عن الذات, فيسهل التغرير بها, وجرها إلى مرجعيات مستعارة, تقوض مرتكزات مجتمعها ومقوماته.
إن طموحنا في هذه الذكرى الخالدة كجيل شبابي يدعونا بإلحاح إلى استحضار قيم وقداسة رسالة الشهداء ليستلهم منها الشعب الجزائري الأبي مقتضيات بناء مسيرته المظفرة  ودعم مكاسبه المحققة, تحدوه في ذلك عزيمة وإصرار الذود عن سيادته واستقلالية قراراته النابعة من إمكاناته الذاتية وتفعيل آليات التنمية والدفع بها قدما لخدمة عزة الوطن وكرامة أبنائه. 
وستظل ذكرى الفاتح من نوفمبر على الدوام عنوان وفاء للتضحيات التي قدمها جيل نوفمبر الأبي, وتدعونا اليوم لاستكمال بناء صرح وطن, تكون فيه المبادرة والريادة لبناته وأبنائه الذين سوف تتعزز فرص إسهامهم ببلوغ الإصلاحات الشاملة الجارية, أهدافها.
المجد للوطن والعزة للشعب والخلود لشهدائنا الأبرار.




المقال يندرج في صنف الدراسات
الصحفية التاريخية
تحرير الإعلامي والناشط الجمعوي
"لطفي سلامي"


إرسال تعليق Blogger