0
أقدم، صباح اليوم الخميس، العشرات من الفلاحين المستفيدين من المحيطات الفلاحية بالمنطقة الصحراوية الكائنة ببلدية بابار جنوب ولاية خنشلة، على تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الولاية، مطالبين بعقود الامتياز التي وعدتهم بها السلطات المحلية في وقت سابق لكنها لم تمنحهم إياها بعد. الفلاحون المحتجون الذين جاءوا من البلديات الثلاث المستغلة للمنطقة الصحراوية، ويتعلق الأمر ببابار المحمل وأولاد رشاش طالبوا السلطات المحلية والولائية بتسوية وضعيتهم الإدارية والمتمثلة في منحهم عقود الامتياز قصد الشروع في الاستغلال والاستفادة من قروض الدعم الفلاحي الذي تقدمه الدولة للفلاحين بهذه المنطقة التي خصص لها غلاف مالي يقدر بــــأزيد من 3500 مليار سنتيم.
وبحسب بعض الفلاحين المحتجين لـــ"الدبلوماسي"، فإن المشكلة تتمثل في وجود أشخاص آخرين مستغلين لهذه المحيطات أبًا عن جد ومنذ عدة قرون، حيث دخلوا معهم في خلافات وصراعات حول أحقية الاستغلال والذين يعارضونهم في استغلال أراضيهم. وهو الأمر الذي دفع بالمستفيدين الشباب إلى تنظيم عدة احتجاجات أمام مقر بلدية ودائرة بابار ثم أمام مقر مديرية المصالح الفلاحية بولاية خنشلة، في محاولة منهم-تبدو يائسة-للفت انتباه السلطات المحلية لخطورة الوضع ورغبتهم الملحة في الشروع في عملية استغلال المحيطات الفلاحية التي يعلقون عليها آمال كبيرة في تطوير النشاط الفلاحي بالمنطقة.
وبحسب الشباب المحتجين فإنهم قاموا بتوجيه عدة مراسلات للسلطات المحلية والولائية وحتى إلى وزارة الفلاحة والتنمية الريفية لكن لا حياة لمن تنادي، حيث أنهم لم يتلقوا أي رد عن استفساراتهم وانشغالاتهم.
حوالي ألفي مستفيد من عقود الامتياز يطالبون بتسوية وضعياتهم بخنشلة
وبحسب بعض الفلاحين الشباب المحتجين فإن هناك مئات الشباب المستفيد من عقود الامتياز بالمحيطات الفلاحية بصحراء خنشلة ينتظرون تدخل الجهات والمصالح المعنية لإيجاد حل ومخرج لمشاكلهم العالقة منذ ما يزيد عن 4 سنوات جراء العراقيل الادارية وتماطل بعض المصالح في تسوية نهائية لملف الامتياز بالمنطقة الصحراوية.
حيث أكد المستفيدون أنهم لم يفهموا هذا التماطل رغم أن الوالي حرص بصفة شخصية على انجاح عملية الاستصلاح الفلاحي في المحيطات الفلاحية الجديدة التي بادر إلى انشائها بغرض التوسع الفلاحي من جهة ومن جانب آخر خلق فرص أخرى للتشغيل وتطوير النشاطات الفلاحية بالمنطقة والذي خصصت له الدولة غلافًا ماليًا يقدر بأكثر من 3500 مليار سنتيم.
هذا وقد تم منح قطع أرضية بمساحة 10 هكتارات لكل شاب مستفيد وتم تسليمهم مقررات الاستفادة غير أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من ممارسة نشاطهم الفلاحي بسبب جملة من العراقيل والمعوقات من ضمنها معارضة بعض الأشخاص الذين يحاولون الحصول على مساحات للاستثمار الفلاحي بالمنطقة دون تراخيص قانونية.
ولم يتمكن الفلاحون الشباب المستفيدون والمتحمسون من ممارسة أي نشاط كون عملية الاستغلال المشتركة أصبحت مرهونة بحفر الآبار وانشاء الأحواض المائية وايصالها بأنابيب السقي مع توصيل الكهرباء وشق الطرقات والمسالك مابين القطع الأرضية الممنوحة للشباب.
وقد حال هذا التأخير في إطلاق مشاريعهم الفلاحية دون استفادتهم من مشاريع الدعم الأخرى التي تقدمها الدولة للشباب البطال لدى وكالة دعم التشغيل والصندوق الوطني للتأمين على البطالة في الوقت الذي ألزمتهم مديرية المصالح الفلاحية باستخراج بطاقات الفلاح ودفع مبلغ ألف دينار جزائري كحقوق الاشتراك للسنة الواحدة، وفتح حسابات بنكية لدى بنك الفلاحة والتنمية الريفية بخمسة آلاف دينار جزائري وهي المصاريف التي تكفلوا بها دون الاستفادة من مشاريعهم وتجسيدها على أرض الواقع.
مصدر محلي مسؤول بمديرية المصالح الفلاحية لولاية خنشلة أعزا لــ"الدبلوماسي" أسباب تأخر عملية الحفر إلى عدم توفر الحفارات المختصة في حفر الآبار الارتوازية التي يتعدى عمقها الــ400 متر، حيث كل بئر ارتوازي يستفيد منها 10 مستفيدين، ويتم ربط قطعهم بأنابيب للسقي لنقل المياه إلى الأحواض التي ستنجز على كل قطعة من هذه القطع الأرضية التي تقدر مساحتها بــــ 10 هكتارات.مع العلم أن هناك حوالي ألفي مستفيد من عقود الامتياز ينتظرون تسوية وضعياتهم.
صحراء النمامشة...سلة غذاء منطقة الشرق الجزائري
تعتبر صحراء النمامشة التابعة إداريًا إلى بلدية بابار بجنوب ولاية خنشلة بمثابة سلة غذاء لمنطقة الشرق الجزائري بأكمله بل السلة التي تعول عليها الجزائر بأكملها، حيث كانت تحقق في السنوات الماضية وفرة كبيرة في مختلف المحاصيل الزراعية رغم الجفاف الذي مسها كغيرها من مناطق الجزائر و قد حقّقت خلال الموسم الفلاحي الماضي رغم الجفاف الذي ضرب المنطقة المرتبة الأولى في إنتاج الحبوب ، كما تعد بالخير الكثير والإنتاج الوفير لو وجدت الدّعم الكامل من طرف الدولة، خاصّة وأن أغلب الفلاّحين انتهجوا سياسة الدولة الرّامية إلى استصلاح الأراضي والنّهوض بقطاع الفلاحة الذي يعدّ من أولويات برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكذلك تدعيم الدولة للسقي والرشّ المحوري الذي يهدف إلى الحفاظ على منسوب المياه الجوفية وتوزيع الثروة الطبيعية بشكل عقلاني.كما حثّت مديرية المصالح الفلاحية للولاية معشر الفلاحين إلى تكثيف زراعة الحبوب وغراسة النّخيل وأشجار الزيتون.
ورغم أن الدولة صبت جلّ اهتماماتها من أجل الارتقاء بهذه المنطقة وتحويلها إلى قطب فلاحي بامتياز وإطلاق وعود معسولة بتحويل صحراء النمامشة بجنوب خنشلة إلى "كاليفورنيا الجزائر" مثلما وعد بذلك أكثر من مسؤول زار المنطقة من وزير الفلاحة إلى مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى إلى الوزير الأول عبد المالك سلال إلى أن كل ذلك بقي لحد الآن مجرد حبرًا على ورق وكلام نظري لم يتم تجسيده على أرض الواقع.
وتعتبر هذه الأرض الخصبة والمعطاءة والتي يستثمر فيها فلاّحون من ثلاث بلديات بولاية خنشلة هي بابار المسؤولة عن التسيير الإداري للصحراء وبلديتا المحمل وأولاد رشاش، جنة فوق الأرض، خاصّة بعد إنجاز سوق الجملة للخضر الفواكه بمنطقة "عقلة لبعارة" بغية التخفيف من معاناة الفلاّحين أثناء تسويقهم لمنتوجاتهم الفلاحية إلى الولايات المجاورة. كما استفادت صحراء النمامشة من محطة توليد الكهرباء ذات الضغط العالي ستحصل الشركة الايطالية من خلاله على الضوء الاخضر من قبل الجهات المختصة قصد البدئ في عملية الاشغال قريبًا بعد أن هيئت أرضيته من قبل مديرية مسح الأراضي والفلاحة والشركة المتابعة للمشروع شركة سونلغاز، ومن شأن هذا المشروع أن يعيد الحياة من جديد خاصة بالنسبة للفلاحين الصغار بعد أن حُرموا من استغلال أراضيهم بشكل كامل لعدم قدرتهم على تحمل أعباء التكاليف الباهظة من أجل شراء مادة المازوت لاستعمالها كوقود لتشغيل المضخات المائية التي أثقلت كاهل الفلاحين مما ادى ببعضهم لترك هذه المهنة نهائيًا وبعد أن تم بعث الأمل من جديد لهذا المشروع والذي حتمًا سيخرج المنطقة من نشاطها المحدود الى صحراء معطاءة كفيلة بتحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي و لما لا تصدير الفائض من المنتجات الفلاحية نحو الخارج و تدعيم خزينة الدولة بالعملة الصعبة،خاصة و أن صحراء النمامشة أصبحت في الآونة الأخيرة تنتج كميات معتبرة من زيت الزيتون ، وتساهم هذه المنطقة الخصبة بقسط وافر في الإنتاج الوطني في مختلف المنتوجات الزراعية والحيوانية. لكن وبالرغم من هذه المكانة المتميزة في النسيج الفلاحي الجزائري، يعاني القطاع الفلاحي بهذه المنطقة من مشاكل هيكلية مرتبطة بطبيعة الأراضي العروشية وارتفاع تكلفة مياه السقي، خصوصًا في السنوات العجاف. فالفلاحون الصغار يعانون من تقلبات المناخ وغلاء الماء والوقود وغياب دعم الدولة لمنتوجاتهم الفلاحية وتركهم فريسة للسماسرة والمضاربين. فهل سيشكل برنامج الحكومة في المجال الفلاحي حلاً ناجعًا لرد الاعتبار للفلاحة والفلاحين بهذه الصحراء التي تتوفر على إمكانيات هائلة والتي إذا ما تم استغلالها بشكل عقلاني وبوسائل تقنية حديثة، فإن صحراء النمامشة ستشكل دون شك "سلة غذاء "كل الجزائريين.
فصحراء النمامشة قد تكون فعليًا وليس نظريًا "كاليفورنيا الجزائر" إن وجدت من يستغلها بشكل علمي وعقلاني حتى تجود علينا بخيراتها الكثيرة لاسيما وأنها تستحوذ على ثلثي المساحة الاجمالية لولاية خنشلة.
3300 مليار سنتيم من أجل انتاج 5 ملايين قنطار من القمح سنويًا بصحراء النمامشة
وقد استفادت ولاية خنشلة من مشروع طموح ذي بعد وطني خاص بتهيئة المنطقة الجنوبية من صحراء خنشلة، من خلال رصد 3300 مليار سنتيم، ناهيك عن ميزانية إضافية ستساهم بتوسيع المساحات المسقية بها إلى 150 ألف هكتار، في إطار برنامج الحكومة المسطر في هذا الخصوص، ما سيجعل منها محيطا أنموذجيًا مستقبلاً، لاسيما فيما تعلق بإنتاج الحبوب. وتظهر أهمية هذا المشروع في علاقته الوطيدة بالأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، بالنظر لما يتوفر عليه المحيط من إمكانات تسمح بإنتاج 5 ملايين قنطار من القمح سنويًا، بحسب ما أكده بعض العارفين بالمنطقة، ومن ثم سيتم التجنيد لتوفير كل الشروط من كهرباء وآبار ارتوازية وشبكة طرق.
وسيتدعم هذا المحيط بعدة مشاريع لاستغلال الوفرة المائية بهذه المنطقة في السقي عبر بناء ثلاثة سدود في الجهة الشمالية لهذا المحيط خلال الثلاثي الأخير من سنة 2015، يتعلق الأمر بسد "ملاقو" ببلدية بوحمامة وسد "الولجة" وسد "وادي الميتة" ببلدية بابار، فضلاً عن إنجاز 231 بئر بعضها عميقة لتوسيع المساحات المسقية بصحراء النمامشة، و500 كلم من المسالك وألف كلم من خطوط الكهرباء، من خلال تسخير معدات وتهيئات أخرى تدخل في إطار هذا المشروع.
وبغية ضمان تحكم أكبر وتسيير أنجع لهذا المشروع والذي تتجاوز أهميته الإمكانات المحلية لولاية خنشلة، قررت الحكومة إسناد تسييره كلية إلى الديوان الوطني للسقي من خلال إنجاز مديرية كبيرة على مستوى هذه المنطقة والتي سيتم تحويلها فيما بعد إلى وحدة تتولى تسيير واستغلال المحيط عبر تجنيد طاقات فنية لهذا الغرض.
"النفائض" حجر عثرة في تحويل صحراء النمامشة إلى "كاليفورنيا الجزائر"
يقول الحاج (علاوة.ح) في العقد السابع من العمر و من سكان بلدية بابار لـــ"الدبلوماسي" أن أرض صحراء النمامشة كانت قد قسمت بين الأعراش منذ أمد طويل وخاصّة ما يُطلق عليه محليًا "النفائض" التي قسمت على أساس أنها عبارة عن قطع أرضية أطلق عليها مصطلح الحبال لكلّ فرد من عائلات هذه الأعراش حبل منها، وقد منحت الدولة أراضي للاستثمار خارج محيط هذه النفائض، أي فوق ما يسمّى بأراضي الدولة وحدّدت النفائض التابعة للعرش بمعالم وحدود فرضت على كلّ مستثمر احترامها، لكن طمع بعض المستثمرين دفعهم إلى تخطي الحدود و المعالم و الاستثمار داخل أراضي النفائض،حيث قام منذ أسابيع عدد من المستثمرين بالاعتداء على الأراضي التابعة للعرش، أي ما يسمّى بالنفيضة التابعة لأعراش بلدية المحمل وحفروا فيها آبارا ارتوازية وقاموا بغراسة النّخيل والزيتون عليها وكذا إنشاء البيوت البلاستيكية، ممّا دفع بحوالي ألف و200 شخص من أعراش بلدية المحمل إلى الاحتجاج والتهديد بردم هذه الآبار، غير أن أعيان البلدية قاموا بتهدئتهم و هو الأمر الذي أثار حفيظة و حنق الأعراش والمواطنين عبر هذه البلديات الثلاث و اعتبروه اعتداء صارخ على أملاك الغير باعتبار أن كلّ فرد منهم له الحقّ في النفيضة التابعة لعرشه وقاموا بعدّة محاولات خلال السنوات الفارطة لردع هؤلاء الانتهازيين وذلك بردم آبارهم المحفورة داخل النفائض وإتلاف محاصيلهم لعلهم يرتدعون.
وهي من بين الأسباب الأساسية التي أدت إلى تعطيل عقود الملكية للفلاّحين نظرًا لكثرة المشاكل من هذا النّوع، ممّا دفع بالسلطات المحلّية والتنفيذية إلى تجميد إمضاء عقود الملكية وتوقيف عمليات المسح لأراضي هؤلاء الفلاحين.

السلطات الولائية تنجح في إنهاء صراع عروشي استغرق عقودًا من الزمن
من جهة أخرى وبعد عقود من الزمن على صراع عروشي بين سكان بلدية بابار وسكان بلدية المحمل بولاية خنشلة على استغلال مياه سد "تاقميط" الواقع بصحراء النمامشة و هو الصراع الذي طال أمده وخلف خسائر مادية وحتى بشرية في كثير من المرات، نجحت السلطات الولائية سنة 2009 في وضع حد لهذا المشكل الذي دام لأكثر من 40 سنة بين سكان بلديتين بخنشلة بالاتفاق الذي وقع بين ممثلي عرشي المنطقتين على إنهاء الصراع نهائيا وذلك من خلال الاتفاق على اقتسام مياه وادي تاقميط عن طريق عرف الثلثين لسكان عرش بابار والثلث لعرش المحمل وهنا تقرر إيجاد مكان لإنجاز السد وحل مشكل تقاسم الماء بهذا الوادي.
ورغم أن الأطراف المتصارعة اتفقت على العودة إلى المعالم والحدود التي رسمها الأجداد منذ أزيد من قرن وهي الطريقة السائدة في العرش والعرف والتي يتم من خلالها تقسيم المنطقة على أساس النفائض والحبال وتعاهد الطرفان على عدم العودة للنزاع من جديد وهو الأمر الذي استبشر له فلاحو المنطقة وسكان البلديتين خيرًا إلا أن المشكل لا يزال قائمًا وهو الذي وقف حجر عثرة في تحويل صحراء النمامشة إلى كاليفورنيا الجزائر.
روبورتاج: عمّــار قــردود

إرسال تعليق Blogger