0
تنوعت السياسات المحلية الجزائرية في إسدال الستار بين المواطن والمسؤول. وهذه السياسة التي عهدناها منذ زمن طويل وهي سياسة ''الأبواب المغلقة'' والتي تمارس فعلياً عند البعض من خلال استحالة مقابلة الوزير أو الوالي أو من في حكمهم إلا لمن ارتضوا منهم.

وأخذت العدوى تسري إلى تلك النفوس التي أرادت أن تتلبس بلباس الطاووس بغية الاستعلاء أو الرفعة التي تنقصها والتي لا تكسبها (حسب اعتقادها) إلا من خلال وضع ستار العزلة بينها وبين المواطن، فانتشرت سياسة الأبواب المغلقة!

ثمة صنفٌ من المسؤولين، غريب وعجيب، مميز بتلوناته وتقلباته الحادة، و''حساسيته العالية'' من كل ما هو طارئ على ''الذهنية'' التي ''توارثها'' صنف أقسم في قرارة نفسه يمين الولاء والإخلاص لأسسها المريبة، ''حربائي'' بامتياز، يسارع إلى الانحناء أمام عاصفة التطوير العاتية، وحزمة الإصلاحات غير المسبوقة، التي يعتبرها بسذاجته الفطرية ''زوبعةً في فنجان'' يأمل في أنها سرعان ما ستنقضي أمام الجدار الضخم والمرتفع من البيروقراطية والروتين، الذي شيده تحت ستار التهاون وغياب المحاسبة، مع أمثاله من ''ممانعي'' التطور، والنافخين ببوق الفساد والمحسوبية.

نوع من المسؤولين ''فلتات الزمان''... فريد في تكوينه وآرائه وقراراته... ''تتبدل الدنيا ولا يتبدلُ''... ثابت منذ أمدٍ بعيدٍ على عقليةٍ إدارية ''أكل الدهر عليها وشرب''... عقلية مغرقة في الروتين والبيروقراطية، تتقن فنون المراوغة والتدليس، وتقاذف المسؤوليات في كل اتجاه، وتحييد الكفاءات والانقضاض على كل مبادرةٍ من شأنها تصحيح الخلل أو التأسيس لواقعٍ أفضل، والحجة جاهزة وواحدة... مهما تبدلت عناوينها ومسمياتها: المصلحة العامة.

إن الطامة الكبرى تتمثل في اعتقاد أمثال هذا المسؤول أو ذاك، أن المبررات الواهية التي يسوقونها، إنما هي ''الحصن'' الذي يتيح لهم التمترس خلفه، والذي يمكنهم من إعاقة أي توجه نحو تصحيح مكامن الخلل القائم، والبقاء خارج دائرة الشبهة والمساءلة والاتهام بالتقصير... أو بالتواطؤ!

في الحقيقة هناك معادلة مختلة طرفاها المواطن والمسؤول، هذه المعادلة تقوم على أن إعطاء الحقوق وجعل الأمور في مظانها من غير تمايز بين البشر يجعل الصورة كاملة وواضحة للجميع، إلا أنه حينما تهتز الصورة بسبب انحراف الأمور عن مظانها فيختفي التناسق بين الفعل والكلمة الواضحة وتتشوش الحقيقة ويبدأ المواطن بخوض غمار المجهول باحثاً عن صحة المعادلة التي تعلمها وسمع عنها ووعاها ودلّه عليها عقله الصغير وهي أن 1+1 يساوي 2 دائماً، لأنه يعرف أن الله عز وجل قال في محكم كتابه الكريم: ''وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا'' لا لتتمايزوا.

ولكن حين فشل الناس في تطبيق الآية الكريمة، اختلت المعادلة وتغيرت المعايير. فبدلاً من: ''إن أكرمكم عند الله أتقاكم'' تأتي الكلمات المطبقة في واقعنا الجزائري... إن أقربكم الى سيادته أو سعادته أو من على شاكلتهما أكثركم استحقاقاً!

وهنا يبدأ الاختلال فلم يعد 1+1 يساوي 2 بل قد يساوي 3 أو 4 أو 5 أو حتى 10... وتقع المفارقة!

هذه المفارقات تربك المواطن الجزائري البسيط والعادي وتجره الى اختلال في عقله المنطقي الصغير الذي وجد أن 1+1 لفلان أنتجت أرضاً وأن 1+1 لعلان شيدت له قصراً، أما 1+1 لعدمان فقد أغلقت عليه كل أموره وعقدت عليه كل متاعبه التي ما زال يكابدها منذ ان تفتحت عيناه على هذه الدنيا.

وحين فكر بروية وجد أنه لا مفر من ذلك إلا بدق تلك الأبواب المغلقة أو الموصدة... لا... ليس من أجل أرض او قصر ولا لتصريف معاملة لا يستحقها أو نظرة من طبيب مختص تسكن آلامه المستقبلية إن حدثت، وإنما دق تلك الأبواب الموصدة وليس هدفه منها أي أمر يتعدى حقوقه المهضومة التي وفق حسبته كمواطن... له فيها كل الحق!

والمواطنة ولله الحمد درجة واحدة الكل فيها سواسية، كما أن القوانين وضعت بحيث أن الجميع يعامل على أرض الجزائر من غير تمايز أو تغاير. ولكن... حين يفسد المسؤول في تطبيق القوانين التي اؤتمن عليها، فإنه يزيد من أعداد الذين يطرقون بابه. فليس كل طارق للباب يطلب استثناء أو تمايزاً عن الغير.

فهناك مظلوم يطرق الباب معتقداً أن هذا المسؤول هو وسيلة من الوسائل التي لابد من المضي من خلالها لدفع الظلم عنه. وهناك مستحق وجد في المسؤول الوسيلة الوحيدة التي تساعده على نيل حقه ولولا ذلك الحق المهضوم لما أنزل نفسه الكريمة لدق تلك الأبواب الموصدة. وهناك صاحب كلمة حق وجد نفسه مسؤولا عن توصيل تلك الكلمة الى أذن تسمع وتفهم وتستطيع أن تغير.

وهذا الاعتقاد هو الذي يحدو بالكثيرين للسعي خلف تحصيل حقوقهم أو توصيل كلمتهم البناءة... أو ليس ''الساكت عن الحق شيطان أخرس''؟ ولكن في المقابل هناك الكثير من المسؤولين في هذا العالم من لا يستطيع الموازنة بين ما يقوله وبين ما يطبقه فلهذا تكبر الفجوة. لأن هؤلاء يقولون شيئاً وعند التطبيق يقومون بالنظر في وجوه القوم أو لا، ثم يفحصون الأسماء، وبعدها تقرر تلك العصا السحرية... فيخط القلم وفقاً لذلك!

تلك النفوس العزيزة التي طرقت الباب ولم يتم الاستجابة لها، لابد أن تستصغر شأن قوم أقسموا أن يكونوا في موضع ثقة وأن يعملوا لصالح الوطن والمواطن، الا أن الأمر انتهى بهم في قوقعة عزلتهم عن الناس إما خوفاً من أداء حق مهدور أو رد حق مستولىً عليه وإما جهلاً أو قصداً أو خوف مواجهة حقيقة تفضح عجزهم. وطبعاً هنا لا نستثني أهمية النظام ووضع الأمور مواضعها... فكما أن للمواطن حقوقاً فإن على المسؤول (وهو مواطن أيضاً) واجبات يستحق أن يوجد لها وقتاً لأدائها... لكن تلك الواجبات لا يجب أن تتحول الى شماعة جحا!

هناك سنة إلهية وهي أن الله سبحانه وتعالى لا يوفقُ إلا صاحب القلب الكبير والنفس الزكية الساعية إلى تسهيل أمور عباده. وتلك الأبواب الموصدة العاجزة عن المضي في الوفاء بحقوق الناس والمواطنين ما هي إلا رد على الله سبحانه وتعالى قبل ان تعتبر أبواباً موصدة قبالة مواطن مستحق.

 وقد قرأت القول المأثور التالي عن الإمام جعفر الصادق(ع): ''من تولى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقاً على الله عز وجل أن يؤمن روعته يوم القيامة''. فلنعد النظر...!

إن الجزائر اليوم هي ورشة عمل كبيرة وفاعلة على المستويات كافة، يعمل فيها الجزائريون الشرفاء الأوفياء، بوحيٍ من انتمائهم لوطنهم، وإيمانهم بأنه فوق الجميع، لتجاوز سلبيات الماضي، والتأسيس للغد الذي تكون فيه الجزائر في المكانة المتميزة التي تستحقها، وأن الباب مفتوحٌ أمام الجميع للمشاركة الفاعلة، وأمّا العاجزون... فمكانهم خارج هذه المنظومة الفاعلة بكل تأكيد، طوعاًً أو كراهية.

بقلم: مصطفى قطبي
ليس بالضرورة  أن كل ما ينشر في هذا النطاق يعبر عن رأي الصحيفة

إرسال تعليق Blogger