0
بسم الله الرحمان الرحيم :الحمد لله , و الصلاة و السلام على رسول الله , و آله و صحبه و من والاه , أما بعد 
أحبتي إخوتي أبناء المدينة الغالية " غرداية " , قلعة الإسلام و العروبة و الجزائر , منبت العلماء و العظماء , و منبع الأصالة الذي لا ينضب , و خزّان الرجال و الأبطال الذي لا يشحُ , يا من قاسمتمونا المرّ و الحلو , و قاسمتمونا حبنا الكبير للإسلام و العروبة و الجزائر , يا من نرتكز عليكم في ما نصبوا إليه من وحدة و نهضة و رقي لما رأيناه منكم من حماس و استعداد لحمل المشعل و استكمال الطريق الذي بدأه آباؤنا و أجدادنا بالثورة على المستعمر الغاشم , و التي أفضت إلى استرجاع الأرض بما فيها , أرض الجزائر الطاهرة الزكية , لكي نعيش فيها نحن بسلام و وئام و حرية و استقلال , و الذين ضحوا بالنفس و النفيس لأجل ما نتمتع به اليوم
شباب غرداية , إنني لا أتشدق عليكم بالثورة و التاريخ فأنتم أهلهما , و لا أكلمكم عن الإسلام فأنتم أعرف به منّي , و لا عن سماحته و صفحه فأنتم أهل لهما أيضا , و لا عن الأصالة فأنتم روادها , و لا عن تعاليم القرآن فأنتم حفظته حملتموه في قلوبكم و عقولكم , و أنا متيقن بأنكم تكنون للجزائر هي الأخرى مشاعر الوطنية الصادقة , لذا فيقيني كبير أيضا أن ندائي سيجد بينكم الآذان الصاغية ...
أحبتي إخوتي , إنّ الفتنة قد فعلت فينا فعلتها و اشتدت بيننا , و أقول فينا و بيننا لأنني أعتبر نفسي واحدا منكم و لأننا واحد , يسعدني ما يسعدكم و يحزنني ما يحزنكم , و إن هذه الفتنة العمياء أمر محزن , تسيل له الدموع حتى تجف العيون , و ما يزيدنا حزنا هو أن هذه الفتنة بين أبناء المدينة الواحدة , و الشعب الواحد , و الوطن الواحد , و إن من واجبنا التصدي لها , لذا فلنفتح أعيننا و ننتبه جيدا لمن لا يحبون لنا الخير , الذين هم يتربصون بنا و ينصبون لنا و هم وحدهم المستفيدون من كل هذه الأحداث الأليمة , و الكوارث الوخيمة , و لا شك أن هذه الأحداث من تدبيرهم و تخطيطهم , فلولاهم ما كان يقوم نزاع بين أبناء البيت الواحد , و الأهل و الإخوة ذوي الغيرة و النخوة , لذا فلندرس خطواتنا جيدا , و لنبذل ما بوسعنا لقطع دابر هذه الفتنة العمياء التي أتت على الأخضر و اليابس , و سوف تتفشى و تنتشر لتعم باقي الأرجاء و البقاع في هذا الوطن إن لم نسارع بقطعها ...
و إن هذا لن يكون إلا بنا نحن , فنحن الوحيدون القادرون على قطع دابرها , فاستمعوا إلى نصيحتي علها تنفعني و إياكم , عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " الدين النصيحة " قلنا لمن ؟ قال " لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم " رواه مسلم , و إنني أخوكم في الله جمال الدين الواحدي قد آلمني و مازال يؤلمني تألمكم , و تألم أمكم غرداية , و أنين أمّنا الكبرى "الجزائر" ,التي تبكي لما حدث و يحدث بين أبنائها الأحبة , فأنا أسمع أنينها كل ما فقدت واحدا منكم , ومواجعها كلما امتد النزاع بينكم , فأنتم أغلى الأبناء و الأولاد بالنسبة لها , و الإخوة الأحباب بالنسبة لنا , و نحن صدقا نتوجع لما يحدث بينكم , و إنه لأهون علي أن أزول و أموت على أن أراكم هكذا متفرقين متشتتين , و موتي أهون من موتكم , و إنني سأحارب الفتنة بكل ما أوتيت من قوة , و لن يجف لي حبر و لن يهدأ لي بال حتى أراكم مجتمعين متحابين كما كنتم , و لن أسكت من اليوم فصاعدا حتى تعود المياه إلى مجاريها , و تسود المحبة و الأخوة بينكم و بيننا جميعا نحن أبناء الجزائر , لذا فنصيحتي إليكم هي كالتالي :
- إنني أعلم أن نيران قلوبكم مشتعلة , لكنني متأكد بأنكم كلكم ستهبون لإخماد نار الفتنة , فقلوبكم البيضاء تلك منبع للتسامح و المودة و العفو و التآخي , و من هذا المنطلق أدعوكم إلى نبذ التفرقة و التسامح فيما بينكم , و لن تتحسن أحوالكم و أحوالنا إلاّ بخطوة مثل هذه , و التسامح و التصالح هما الوحيدان المخولان بإخماد نار الفتنة .
- إن الفتنة قد جنت علينا , فاختلطت علينا الأمور , فجعلت الأخ عدوا و العدوّ أخا , و الحبيب مكروها و الكريه حبيبا , و ولّدت الخراب بدل التحاب , و أعمت بصيرة الناس , و من المعروف أن أهل " غرداية " أصحاب بصيرة و عقول نيرة , و الفتنة لا تمر بهذه السهولة على عقولهم , لذا فنحن ننشد الهدنة , و أنتم أبناء مدينة واحدة , و إخوة و لو كره الحاقدون , و إنكم ستقهرون الأعداء و الحاقدين و تهزمونهم لو تتحابوا و تتآخوا من جديد .
- إن غرداية تناشدكم أن تتركوا الخلافات جانبا و تمدوا أيديكم إلى الصلح و الإخاء .
- إن المتضرر الأكبر من كل هذا هو أنتم , فأمهاتكم من يبكين , و آباءكم من يتألمون , و أمكم الكبيرة غرداية هي الأخرى قد تضررت , فكفاية , يكفينا من الفرقة , يكفينا من الشتات , يكفينا من كل الأحزان و الجراح , و هيا نمد أيدينا جميعا لتضميدها .
إن الشهداء في قبورهم يتألمون مما يحدث , و الأحياء في حياتهم يتألمون مما يحدث , و إن الذي لا يتألم لما يحدث لا قلب له , و لا شعور و لا إحساس و لا وطنية له , لو كان مفدي زكريا الذي خرج من عندكم من غرداية و أخرج من ثغره نشيدنا الوطني و المئات من الأشعار التي تماثله وطنية و إسلاما و عروبة حيًّا , لهجا كل من تسبب في الفتنة , و لو نطقت غرداية تلك باسمة المحيا و الثغر , لهجت كلّ من سبب آلامها و آلام أبنائها , لذا فلنعد التفكير , و لنحدّ من مثل هذه الأحداث , و لننساها و لنضع لها نهاية , تكون لقادم الأيام خير بداية , تحد من الجراح و الآلام و الإذاية , و هذه النهاية هي "المصالحة" , أجمل رواية , أجمل عنوان و خير راية , نخطها بأيدينا لأجل غرداية , و أهل غرداية , و ليصبح "الودّ" لمدينتكم كناية , نتمنى من أعماق قلوبنا أن يتجسد الصلح , و ينتشر العفو و الصفح , لأنها أخلاق المسلمين الحقيقية , لا الصراعات الطائفية التي تدعوا للتفرقة و التشتت , و أتمنى أن يستمع أبناء مدينة غرداية لندائنا و نداء غرداية كلها , و نحن الذين عهدناكم يا شباب غرداية آذانا صاغية للخير و أهله , و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ...

جمال الدين الواحدي

إرسال تعليق Blogger