وتعتبر
البلدان العربية اليوم من أكثر الدول تعرضاً للحرب الإعلامية، فقد تحالفت قوى
عديدة تلوح متنافرة بينها على ضخ موجة كبيرة من المواد الإعلامية للتضليل على
الواقع العربي واستحداث مصطلحات ومفاهيم عنه لا تنسجم وحقيقته، وتطالعنا يومياً
وسائل إعلام مختلفة بمواد تهدف لتزييف وعي المتلقي في الخارج والداخل بمفاهيم
مختلقة عنه وترسيخ مشاعر الخيبة والهزيمة في نفس المواطن العربي والتشكيك في أهمية
ماضيه وآفاق مستقبله.
وعادة ما تستخدم الدول الكبرى إعلام صناعة الأزمة والحرب النفسية كأسلوب لتنفيذ
استراتيجياتها الكبرى في الهيمنة والسيطرة
على العالم وتأكيد قوتها وفرض إرادتها وبسط نفوذها وتحقيق أهدافها الخفية طويلة المدى التي لا تستطيع الإعلان عنها، وهذا
ما فعلته الولايات المتحدة في العراق
التي كانت رائدة بإنشاء العديد من المراكز والهيئات المتخصصة في بحوث صناعة الأزمات، كما اتبعه هتلر قبل نشوب الحرب
العالمية الثانية عندما غزا بولندا، وقامت
عدة دول في الخمسينيات والستينيات مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا واليابان بإنشاء مراكز مماثلة.
تعتمد إدارة الأزمات السياسية المصنعة على تقنيات التضليل الإعلامي، وهو ما يطلق
عليه الخبراء عمليات الدعاية السوداء،
القائمة على ما يسمى بناء القوام التراجيدي، أي جعل السرديات أكثر تماسكاً وغير قابلة للافتضاح، وكذلك توظيف المعاناة،
بتضخيم المقاربات بشكل تحمل فيه
المستهدف بالدعاية السوداء المسؤولية عن المعاناة المفترضة، ويتم فيها أيضاً توظيف التباينات باستخدام عمليات التنميط
الإثني والقبلي والثقافي وغيرها، كما أنها
تستثمر التزوير بشكل واسع، سواء عن طريق المونتاج، أم من خلال المواد والوثائق المزيفة واستخدام شهود الزور، كما يؤكد
الخبراء، وكما يحصل في إدارة الإعلام المغرض لما يجري في الوطن العربي.
ولمعرفة هذه الحقيقة فإن من خططَ للسيطرة الاستعمارية على العالم العربي
بشكل خاص، وضع الإعلام في قمة أسلحته وفوق بقية الأسلحة الحربية المتنوعة،
لأن التحكم في ردود فعل
الرأي العام يشكل أحد شروط شن الحروب الكبرى لفرض الهيمنة
الصهيوأمريكية وتحقيق
رغبتهم الكبرى في شرق أوسط جديد وفق معايير الأصولية اليهودية
والتكفير الوهابي لمسح الآخر
والسيطرة على ثروات العالم.
ومن هنا تكمن العلاقة المأزومة بين نظام
عالمي قمعي وآخر، وبين تلك العلاقة التبادلية بين موت الأخلاق
وبؤس النظام العالمي
(المتحضر) الذي أدخل المجتمعات البشرية في دائرة الشك والفوضى
والعبث والدوران حول
قطب واحد، لأن القوة في القرن الواحد والعشرين لن تكون في
المعايير الاقتصادية أو
العسكرية، ولكنها تكمن في خزائن المعرفة، و خطورة الأمر يكمن فيمن يمتلك أدوات
هذه القوة لتحقيق مآرب وأهداف خاصة لنشر معلبات إعلامية جاهزة وغسل عقول البشر
للتحكم بهم واستغلالهم لأهداف اقتصادية أو سياسية أو آيديولوجية.
فمع نهاية القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين، تبلورت في الغرب آلية كاملة لتحول
وسائل الاتصال الاجتماعي، إلى مجمع أطلقت
عليه تسميات مختلفة، إلا أن أكثرها دقة تلك القائلة بوجود ''إمبريالية إعلامية'' مركزها الولايات المتحدة، ولها فروعها
في مختلف دول ومناطق العالم، وتتماهى هذه
الفروع مع المركز الأم لدرجة التطابق، إن كان في أساليب التضليل أو الأهداف، والفروع تخدم المركز، وأخطر تطور بهذا الصدد، أن
المجمع الصناعي العسكري الأميركي
الذي يشكل رأس المال اليهودي ما نسبته 25 في المائة من تمويله الإجمالي إضافة إلى ما تمثله الرأسمالية اليهودية من وسائل إعلام
متطورة في أميركا، تصل سيطرتها على نحو 72 في
المائة من مجمل وسائل الإعلام.
ولا تقل كثيراً هذه النسبة
في
أوروبا، واستخدم المجمع العسكري وسائله الإعلامية في الحرب ضد يوغوسلافيا وأفغانستان وكوريا الشمالية والعراق وضد ما يسمى محور الشر ـ إيران ـ
العراق ـ كوريا واستخدم بشكل واسع ضد سورية
بعد مقتل الحريري ويستخدم اليوم بطريقة جنونية ضد سورية عبر وسائله ووسائل فروعه في المنطقة العربية، وبخاصة الفضائيات
الناطقة بالعربية.
وتنفق أميركا على الدعاية الخارجية نحو 6 مليارات دولار سنوياً وتنظم
عملية الانفاق وكالة الاستخبارات المركزية
الأميركية وتمول مئات المجلات والصحف والفضائيات في مختلف أنحاء العالم وبأكثر من 20 لغة. وتقوم الدوائر والأجهزة
الإعلامية التابعة لمراكز القرار، بإيجاد صلات
نفعية ورشاوى وشراء ذمم صحفيين ومثقفين وقادة بعض الجمعيات واللجان التي تطلق على نفسها إما لجان حقوق الإنسان أو ''المجتمع
المدني'' وتنظيمات أخرى مكونه من ذوي
النفوذ في أحزاب ووسائل إعلام تقوم بعملية التأثير على المحيط الاجتماعي المحلي في البلدان النامية.
ويكوّن المركز مع الفروع إمبراطورية
إعلامية مترامية الأطراف جاهزة للعمل على مدار الساعة لخدمة المخططات العدوانية للبيت الأبيض والبنتاغون ومخططات الحركة
الصهيونية وإسرائيل المتغلغلة في أجهزة الإعلام
الأميركي على الساحة الدولية، ولتنفيذ هذه المخططات تعمل لتشويه والوعي، وإحلال بدائل وهمية مشوقة محل الوقائع الفعلية،
ودفع المجموعات المتأثرة أو المرتشية إلى
السلوك المطلوب ميدانياً، وخلقت من نمط التفكير والحياة الاستهلاكية إلى أن هؤلاء جاهزون للحصول على المال ولو كان ثمناً
للانتماء الوطني.
ومبتغى الكلام هنا أن هذا التطور
التكنولوجي والسعي الأميركي للتفرد أصبح ضرباً من العبث... لكن ينبغي أن ندقق أن
الولايات المتحدة قد سخرت هذا التطور في فضاء الهيمنة ومد الذراع العسكرية لها في
العالم بغية بقائها متحكمة بالقرار الاقتصادي وهي تفشل إلى حد كبير أمام النهوض
الاقتصادي العالمي... ولتخرج من دائرة الخناق الذي يضيق عليها فإنها تطل برأسها
متسللة لاقتناص ''بروباغاندا'' بقاء العالم تحت رهاب ''الإرهاب'' أو لنقل توسيع
دائرة التخويف المضلل لتبقى قادرة على تسويق أفكارها وحماية مصالحها وحلفائها.
فما هي الطرق التي تستخدمها وسائل
الإعلام الأمريكية للسيطرة على
الشعوب عبر وسائل الإعلام؟
للإجابة على هذا السؤال، لابد أن نستأنس بشهادة المفكر الأمريكي ''أفرام نعوم تشومسكي'' أحد فلاسفة هذا العصر المشهورين، وهو يهوديّ معارض بشدة للصهيونية العالمية، وله العديد من النظريات
العلمية التي تدرَّس في الجامعات، كما أنه
متفهم دون سواه من الفلاسفة الغربيّين لمشكلات شعوب العالم الثالث، وبالأخص منها مشكلة الشعب الفلسطيني الذي شرد من أرضه ووطنه من قبل الحركة
الصهيونية وكيانها الدخيل.
لقد اختزل المفكر الأمريكي ''تشومسكي'' الإجابة، وأجملها في تسع
استراتيجيات أساسية تلقي الضوء على
أساليب صناعة وعي الشعوب وإعادة هيكلتها، بحيث تسهّل عملية السيطرة عليها...
فما هي هذه الاستراتيجيات...؟
أولا: استراتيجية الإلهاء: وهي عنصر أساسي في التحكم بالمجتمعات، وتتجسّد في تحويل
انتباه الرأي العام عن طريق ضخ وابل من
الإلهاءات والمعلومات التافهة بشكلٍ متواصلٍ وكثيفٍ، لمنع عامة الناس من الاهتمام بالمعارف اللازمة على مبدأ يقول (حافظ على
تشتت اهتمامات العامة، بعيداً عن المشكلات
الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية، اجعل الشعب منشغلاً، دون أن يكون
له أي وقت أو أي قدرة على التفكير).
ثانياً: ابتكر المشكلات... ثم قدّم الحلول. هذه الطريقة تسمى أيضاً ''المشكل ـ ردّة
الفعل ـ الحل''. أي في البداية يتمّ ابتكار
المشكلة أو الموقف المتوقع بغرض إثارة ردة فعل معينة من قبل الشعب، وحتى يطالب هذا الشعب بالإجراءات المراد أن يقبل بها.
وعلى سبيل المثال: ترك العنف الحضري
يتنامى، أو تنظيم تفجيرات دامية، حتى يطالب الشعب بقوانين أمنيّة على حساب حريّته، أو ابتكار أزمة مالية حتى يتمّ تقبل التراجع
على مستوى الحقوق الاجتماعية وتردّي
الخدمات العامة كشرّ لا بد منه!
ثالثاً: استراتيجية التدرّج، بمعنى أنه لكي يتم قبول إجراء غير مقبول عادة، يكفي أن يتم
تطبيقه بشكل تدريجيّ، مثل أطياف اللون
الواحد (من الفاتح إلى الغامق)، وعلى فترة تدوم سنوات أو أشهراً أو أياماً!
وقد اعتمدت هذه الطريقة لفرض الظروف السوسيو ـ اقتصادية الجديدة بين الثمانينات
والتسعينات من القرن السابق: بطالة شاملة،
هشاشة، مرونة، تعاقد خارجي ورواتب لا تضمن العيش الكريم. وهي تغييرات كانت ستؤدي إلى ثورة شاملة لو تمَّ تطبيقها دفعة واحدة.
رابعاً: استراتيجية المؤجَّل: وهي طريقة أخرى يتم اللجوء إليها من أجل إكساب القرارات
المكروهة القبول لدى الناس، والإيحاء
على أنَّ تقديمها كدواء وكحلّ ''مؤلم ولكنه ضروري''، ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الوقت الحاضر على تطبيق شيء ما في
المستقبل، لأنّ قبول تضحية مستقبلية يكون
دائماً أسهل من قبول تضحية حينيّة، وذلك لأسباب أهمّها: أولاً ''كل شيء سيكون أفضل في الغد''، أو أنه سيكون بإمكانه تفادي
التضحية المطلوبة في المستقبل، وأخيراً يترك كل هذا الوقت للشعب حتى يتعوّد على فكرة
التغيير ويقبلها باستسلامٍ كاملٍ عندما يحين
أوانها.
خامساً: مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار: في هذا السياق تستعمل غالبيّة الإعلانات الموجهة
لعامة الشعب خطاباً وحججاً
وشخصيات ونبرة ذات طابعٍ طفوليّ، وكثيراً ما تقترب من مستوى التخلف الذهنيّ، وكأن المشاهد طفل صغير أو شخص معوَّق ذهنيّاً، حيث
كلما تمَّتْ محاولات مغالطة المشاهد،
كلما زاد الاعتماد على تلك النبرة. لماذا؟
يعلل أصحاب هذه الاستراتيجية ذلك بالمقولة التالية ''إذا خاطبتَ شخصاً كما لو
كان طفلاً في سنّ الثانية عشرة، فستكون لدى
هذا الشخص إجابة أو ردّة فعلٍ مجرّدة من الحسّ النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردّة فعل أو إجابة طفل من عمر الاثني
عشر عاماً''.
سادساً: استثارة العاطفة بدل الفكر: وهي تقنيّة كلاسيكية تستعمل لتعطيل التحليل
المنطقيّ، وبالتالي تعطيل الحسّ النقديّ
للأشخاص. كما أنَّ استعمال المفردات العاطفية يسمح بالمرور إلى اللاوعي حتى يتم زرعه بأفكار ورغبات ومخاوف ونزعات أو سلوكيات محدّدة.
سابعاً: إبقاء الشعب في حالة جهلٍ وحماقة: وذلك من خلال العمل بطريقة يكون خلالها الشعب
غير قادر على استيعاب التكنولوجيات
والطرق المُستعملة للتحكم به واستعباده، وذلك تنفيذاً لمقولة مفادها ''يجب أنْ تكون نوعيّة التعليم المُقدَّمة للطبقات الدنيا هي
النوعية الأفقر، وبطريقة تبقى على أثرها هوة
واسعة معرفيّة تعزل الطبقات الدنيا هذه عن الطبقات العليا، دون التمكن من فهم طريقة وأسلوب هذا العزل المتعمَّد من قبل
الطبقات الدنيا''.
ثامناً: تشجيع الشعب على استحسان الرداءة في كل شيء، بمعنى تشجيعه على أنْ يجد أنه من ''الرائع''
أن يكون همجيّاً وغبيّاً وجاهلاً
وبعيداً عن المعرفة العلمية والحضارة.
تاسعاً: تعويض التمرّد بالإحساس بالذنب. وتقوم هذه الاستراتيجية على جعل الفرد يظن
أنه هو نفسه المسؤول الوحيد عن تعاسته
وفقره وتخلفه، وأنّ السبب في تلك المسؤولية يعود إلى نَقصٍ في ذكائه وقدراته أو مجهوداته، وبالتالي عوضاً عن أنْ يثور على
النظام الاقتصادي، يقوم باحتقار
وبامتهان نفسه، ويحسّ بالذنب، الأمر الذي يولد عنده شعوراً بالاكتئاب يكون من آثاره الانغلاق وتعطيل التفكير والذهن وتعطل
أي تحرّك إيجابي.
وبطبيعة الحال، فإنَّ شلّ التفكير أو تعطيله وتعطيل أي إمكانية
للتحرك، كل ذلك يقود إلى الخنوع والذلّ
والقبول بالأمر الواقع مهما كان قاسياً، والوصول إلى التسليم بأنّ ''الشعب لا يستحق الديمقراطية'' بل يستحق أن يحكم
بالقوة وبالسيف كما يُقال.
هذا ومن خلال ما تقدّم عرضه من هذه الاستراتيجيات التسع، نرى أنها تطبق فعلاً على
الكثير من دول العالم الثالث، وبصورة خاصة
على منطقتنا العربية، لاسيما من حيث تركيز وسائل الإعلام الأجنبية والعربية الموالية لها على الكثير من النقاط
الواردة في هذه الاستراتيجيات.
فالملاحظ قبل كل شيء تحويل انتباه الرأي العام العربي عن مشكلة الأمّة، وتبديل هوية الصراع العربي الصهيوني ليصبح صراعاً عربياً عربياً،
ثم العزف على الوتر الطائفيّ، ثم
تشجيع الإرهاب في بعض الدول العربيّة عبر خلق بؤر إرهابية ومدّها بالمال والسلاح وتبرير إرهابها
تحت أبواب المطالبة بالحريّة والديمقراطيّة،
ومن ثم سياسة الإفقار المتّبعة من قبل العديد من الأنظمة العربية تجاه مواطنيها وتفشّي البطالة والفساد، هذا إلى جانب
الاستهتار بالشعوب واعتبارها غير
قادرة على تقرير مصيرها بنفسها أو التشكيك بقدرة الإنسان العربي على اقتراح الحلول لمشاكله عبر تصويره بأنه إنسان يفتقد
المبادرة والذكاء.
ومن واقع الادعاء بالحرص على الشعوب
والثورات التي حصلت في العالم العربي، تنظر أميركا إلى ما يحصل في الدول العربية
التي اجتاحها ''الصقيع العربي''، على أنه استجابة لما تطرحه من دعوات للديمقراطية
وفق ما جاء على لسان أحد المحللين السياسيين في صحيفة ''نيويورك تايمز''.
وبالطبع ترى واشنطن من زاوية هذا المنطق،
وإن كانت تخفي ذلك أحياناً أنها معنية في الوضع الداخلي العربي... وتسعى إلى ترميم
مواقعها التي انهارت بعد ما حدث من ثورات في مصر وتونس واليمن... لذا كانت ليبيا
مدخلاً للتدخل المباشر ونهب مقدرات النفط الليبية.
ومن ثمّ وتلاقياً مع أهدافها تسخر
التكنولوجيا ''الصورة'' ومن جانب واحد لتعرض لنا ما يخدم سياساتها وإستراتيجيتها
في المنطقة العربية والإسلامية. وتتقاطع مع من ينفذون هذه المخططات على الأرض عبر
مدّهم بكل وسائل التطور. ولنلحظ هنا أن من توفر لهم أميركا هذه الأجواء ومعها
بالطبع فرنسا وبريطانيا منغمسون إلى حد النخاع بمشروعها... وهم أصلاً بعيدون كل
البعد عن الواقع الحقيقي للشعوب العربية وتطلعاتها.
وبالطبع من الصعب أن تجد آثار الغزو اليومي تأثيرها دون توفر عنصر رئيسي وهو
وجود الجسور المحلية الإقليمية
والداخلية للغزو في البلدان الأخرى، فالأنظمة السياسية التابعة للمراكز الاستعمارية الغربية والأميركية، تقوم بعملية الترويج للغزو
الإعلامي وتصوغ مؤسساتها الإعلامية
والثقافية وفق مضمون الغزو الامبريالي الإعلامي، ووسائل الإعلام المحلية التي تقوم بعملية الضخ اليومي لبرامج المركز الغربي، تحاول
إعطاء وسائلها طابعاً ''محلياً'' وتدعي
الحيادية والموضوعية بهدف زيادة التأثير من خلال الاندماج والتماهي.
بينما نجد في برامجها
الإخبارية عملية تشويه الأحداث بصورة فظيعة، يمتزج فيها الكذب بالحقيقة وفي حالات معينة يكون الحدث صحيحاً وينقل بصورة
تشبه الحقيقة ولكنها تأخذ في مجمل الوضع
لتصبح مشوهة في نهاية الأمر وبالتالي يحصل المتلقي على معلومات غير صحيحة وكاذبة، المهم أن يدفع لسلوك منسجم مع المعلومات
المفبركة.
يقول أحد المنظرين الصينيين في علم الاتصال:'' الحرب الإعلامية هي فن النصر
دون حرب''. ولكن الحرب الإعلامية ليست سوى المقدمة الضرورية لتحقيق النصر، وإذا لم تجد في
تحقيق الهدف، على الإعلام أن يمهد المناخ
المناسب لشن الحرب العسكرية أملاً في تحقيق النصر.
ومن
واقع معرفتي بالمطبخ الصحفي العربي أدرك أن هذه المطابخ تبحث وتنقب عن خبر هنا
وهناك ومسيرة هنا وأخرى ربما لم تحدث... لتقول ما ترغب فيه وليس ما يرغب فيه
الشارع. وأعتقد أن بعض الإعلام العربي قد دخل في لعبة السياسة ودهاليز التآمر وكشف
عن أنيابه... معيداً إلى الأذهان ما قيل وكتب عن أهداف صُنعت لأجلها تلك المحطات...
وهذا ليس من ضروب الرومانسية أو المغالاة في القول... إنما يستند إلى معرفة علمية
تقرأ واقع التمويل لكثير من تلك المحطات التي تغزو العقل في مواد دسمة حيناً وأخرى
كالحية الرقطاء.
نعم نحن أمام حرب فضائيات عربية كشفت عن أنيابها بعد أن تسللت إلى غرف نومنا وأقنعتنا لزمن طويل أنها تنشد حرية الكلمة... ومن يعمل وعمل في تلك المحطات يعرف أكثر مني بحريتها التي أُلبست ثياباً من خداع وتضليل.
وقد
يطل علينا من يرغب في دحض أقوالنا ويقول نحن نتحدث من زاوية واحدة فقط دون النظر
إلى إنجازات هذا الإعلام العربي... وحضوره القوي ومهنيته التي لا يشق لها غبار...
ولكن أقول هنا علينا التفريق في قراءة ما يذهب إليه الإعلام الذي يقول عن نفسه إنه
مهني وحيادي وما يصنعه من فوضى إعلامية تبعده كل البعد عن جوهر الحقيقة...
فالحقيقة التي يجب أن يسعى إليها الإعلام خدمة للكلمة الحرة والرأي ليست بفتح
النار الإعلامية على كل من يختلف برأيه مع هذه المحطة أو تلك...
المهم أن الخطاب
العربي، الإعلامي وغير الإعلامي، لم
يتوجه حتى الآن بشكل قوي، ولم تمس مصالحه، ولم نجد تأثيراً
عربياً يجعله يشعر
بالأعباء التي يلقيها عليه تبني حكومته للصهيونية، وتجاهلها
لمصالحه لدى 300 مليون
من العرب، ولم تتوضح للأمريكي حقيقة الصراع في منطقتنا، ولم
تعرض له حقائق قضية
الشعب العربي الفلسطيني، وحقوقه، ومآسيه... وآلامه...
إن العرب
يملكون من الثروات الشيء الكثير، ولاسيما في مجال الطاقة التي تحتاجها كل دول العالم،
بما فيها أمريكا، الطاقة التي لا غنى لأية دولة عنها التي يمكن أن توفر كثيراً
من الثروة المالية التي لم يحسن العرب استثمارها حتى الآن.
وإن سحب مجموعة من أثرياء عرب أموالهم من بنوك أية دولة
غربية، كاف لتعريضها للأزمة،لكن
من
هي الدولة العربية التي فكرت باستخدام ولو جزء بسيط من أموالها النفطية لتسجيل
موقف سياسي يصب في خدمة قضايا العرب؟!
باختصار
نقول: لم يعد ممكناً ـ كما قلنا بداية ـ أن يخفى أصغر خبر... ولم يعد مستحيلاً أن
نكتشف ونقرأ عناوين الإرهاب الأميركي... والزعم بدعم التواقين للديمقراطية...
فديمقراطية أوباما خبرها أهل العراق ولبنان وفلسطين واليمن وسورية ومصر... والفلسطينيون
يشاهدون بالوقائع ديمقراطية أوباما على أرض فلسطين مجسدة بجدار الموت الصهيوني
والاستيطان والتهويد، وبالمجازر التي ترتكبها الآلة الحربية الإسرائيلية في غزة
المحاصرة.
هي
إذاً تكنولوجيا صناعة الموت والقتل... وقد خبرنا كغيرنا تلك الصورة البشعة... ولن
تبيضها كل أفلام هوليوود... فالعالم استيقظ ويصنع ثقافة كونية إنسانية بعيداً عن
الكاوبوي ورصاص مسدسه الذي لا يفرغ.
بقلم : مصطفي قطبي
إرسال تعليق Blogger Facebook