0
قراءة في افكار بشير عمري
حول نقد خطاب الثورة
تحتّم القراءة في التاريخ نوع من التواصل مع مجرياته في راهنه ومكانه، لكن أيضا تتّضح القراءة أكثر حين تنفصل الذّات القارئة عن وقائعية التاريخ ومعطياته لحظة فحصه، فالمثقف على العموم يحاول نقد الخطاب الرّسمي وإنتاج خطاب مستقل انطلاقا من تحليل القرائن المتوفرة، وهو ذات ما حاوله الصحفي بشير عمري في قراءته الجادّة للتاريخ الوطني.

ينطلق الأستاذ بشير عمري من محاولة فك بعض تناقضات الرّاهن وهواجسه وقلقه، وعلى العموم مسار الرّاهن، انطلاقا من وقائعية وحركة الماضي الثوري، ولعله في خطاباتنا النقدية والتحليلية نستعمل مفاهيم الظلية، كحكومة الظل أو القوى الخفية، للتدليل على المحرك الفعلي للواقع أو للظاهرة، وبالنسبة للأستاذ بشير عمري، الماضي الثوري يشكل الذات الخفية التي تحرّك الراهن، والتاريخ كان مفصليا في حسم بعض القضايا التي ما زالت انعكاساتها السلبية مستمرّة في الوعي الوطني كمعطيات الحرية والتحرّر، الوحدة والتوحد (الواحدية).
يجعل الأستاذ بشير عمري بعض المصطلحات التي ينفرد في نحت معانيها انطلاقا من تجربته القرائية في تقابلات ليفكك بناها ويفتك منها ما يريد التدليل عليه، كترسيم حدود فلسفة الثورة مثلا، ضمن ما يعتقده في مدى صوابنا في إثبات هذا المفهوم.
الأستاذ بشير عمري في قناعاته النّابعة من قراءات عميقة في الأفكار المؤسسة للرؤية حول خطاب الثورة، عند العديد من الفاعلين المعرفيين كعباس فرحات، محمد حرب، أبو القاسم سعد الله وغيرهم، يرى بأن الثورة تفتقد لفلسفة، ويتركز هذا الإنفقاد حول افتقار الفاعل الثوري للمابعد، أي أن اعتمالات تحريك دواليب الفعل الثوري وتسهيم حركيته نحو التحرّر وتنظيم الفعالية الثورية في راهنها وتعبئة الجماهير للقيام بالواجب الوطني، كلها ساهمت في عدم تركيز الفاعل الثوري على رؤية المابعد، أو فكرة تشكيل المجتمع المتحرّر والساعي إلى الحرية كقيمة أو المستقل والطامح إلى انفكاكه من الأطر الواحدية التي فرضتها ضرورة التوحد لمواجهة الهيمنة الإستعمارية.
ينظر بشير عمري من خلال خارطة عمل فكرية تحليلية ليجمع عناصر الأحجية عبر تفتيشه في العناصر المتشابهة ونحت سياق اصطلاحاتها الخاصة، كما في "بركات 62 وبركات 2014"، بحثا عن الترابط الذي يفتقده السياق العام الذي يشمل حركة الوعي الوطني في سعيه لبرمجة الذات الوطنية التاريخية وفق نداءات الذات المناضلة من أجل الهوية الكونية، لا يسعى الأستاذ بشير عمري لسجن التاريخ وهوية الثورة ضمن انغلاقية التبجيل، بل يفتحها على النقدية كي تفتك من العالم والوجود قيمتها الإنسانية المزاحمة.
ينظر الأستاذ بشير عمري إلى تاريخ الحركة المناهضة للإستعمار في كليتها الشاملة التي انطلقت من المقاومة الشعبية، وتسمية الشعبية، يجد مبرراتها في في القبيلة المقاومة التي كانت تدافع عن الخطر الإستعماري الداهم الواقف عند حدود جغرافيتها، ولم تصل إلى مستوى الوعي الوطني الذي يتشكل ضمن اللحمة الجغرافية المعنية بحدود الوطن، لكن تطورها كان حتميا مع ظهور الحركات المطلبية في مرحلة تالية والتي سوف تتطور إلى جبهة النضال الوطني حيث يعي الفرد السياسي أهمية نضاليته الوطنية التي تتجاوز انتماؤه القبلي أو العروشي إلى فكرة الوطن الجامع.
    عبد الحفيظ بن جلولي 

إرسال تعليق Blogger