0
إن الآمال بإحداث نهضة سياحية جزائرية ليست مقتصرة على منطقة دون أخرى، فلقد أصبحت مطلباً وطنياً، يجب وضعه في صدارة اهتمام الدولة بمختلف مؤسساتها، وكشعب هو الأساس في إحداث تنمية مستدامة يعم خيرها على الجميع في كل ربوع الوطن الثري جداً بموروثه الحضاري وتنوعه الحيوي.
ويتعين الاهتمام بتطوير وتنمية المنتج السياحي والعمل على تطوير صناعة السياحة والسفر والاستفادة من فرص التنوع التي تزخر بها الجزائر... وفي نفس الوقت العمل على مجابهة التحديات الناشئة للسفر والسياحة على المدى الطويل للحفاظ على هذه الصناعة الفريدة بما يحقق ويعمل على تعزيز التنمية السياحية المستدامة والمتوازنة.

 ولتحقيق هذا الهدف لابد من ضوابط قانونية، تسهم في حماية الموروث الثقافي والتاريخي وحماية الآثار... والعمل على توظيف الموروث الثقافي المميز للجزائر، التوظيف الخلاق، بما يساعد على تطوير المنتج السياحي الجزائري باعتباره هدفاً مشتركاً، يجب أن تتماثل فيه دور الدولة ودور القطاع الخاص بشراكة متنامية.

 فالتنوع الحيوي يعتبر أحد أهم المقومات والقوى المحركة لصناعة السياحة، فالتنوع الثقافي والحضاري الغني للحياة على الأرض، يمثل في حد ذاته أهم مقومات صناعة السياحة مما يتيح لملايين من مختلف دول العالم السفر والسياحة كل عام.

 وصناعة السياحة الغنية والناجحة هي التي تعتمد في المقام الأول على التنوع والتعدد الوفير للموارد والنمو المستدام لكل أنماط السياحة بما يسهم في تحقيق نمو مضطرد للتمويلات المالية الكفيلة بالحماية والمحافظة على التنوع الحيوي، فالعائدات الإيرادية لمعظم الدول، ولا سيّما الأقل نمواً تُجبى غالباً من الاستمتاع بالتنوع الحيوي وتعد مصدراً للدخل والحصول على فرص عمل للمجتمعات المحلية.


فالإنسان الذي ليس له ثقافة، ليس له حضارة، وما أحوجنا اليوم إلى لحمة النفوس والمشاعر والحفاظ على الموروث الجزائري الحضاري الإنساني العظيم وتسخير السياحة لخدمة هذا الموروث!

لكن لابد من تحديد الهدف الأساسي من تبني مفهوم التنمية المستدامة وهو الوصول إلى معدلات مرتفعة من الأرباح في ضوء مراعاة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية من خلال اتباع سياسات بيئية تحد من الأضرار التي تتعرض لها بهدف الحفاظ على الإرث الطبيعي والثقافي وصون التنوع البيولوجي للأجيال الحالية والقادمة، ثم تأتي السياحة كهدف جوهري تعطي نتائج اقتصادية طيبة إذا تم تنظيمها والتخطيط الجيد والإدارة الرشيدة لمواردها التي تقوم عليها.

 وبتعريف واضح للتنمية السياحية البيئية المستدامة فإنها التنمية الحقيقية ذات القدرة على الاستقرار والاستمرار والتواصل من منظور استخدامها للموارد الطبيعية والتراثية التي يمكن أن تحدث من خلال إستراتيجية، تعتمد على المفاهيم السياحية وتتخذ التوازن البيئي كمحور ضابط لها.

وهذا التوازن يمكن أن يتحقق من خلال الإطار الاجتماعي البيئي الهادف إلى الارتقاء بمعيشة الأفراد من خلال النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحافظ على تفاعل الإطار البيئي باستخدام الأساليب العلمية والعملية التي تنظم استخدام الموارد السياحية بغرض التمتع المنظم بعناصر الجذب تلك وبوسائل وأشكال ودرجة انتفاع لا تؤدي إلى تدمير تلك العناصر أو تحول دون بقائها وتطورها وتجددها وانتقالها إلى الأجيال القادمة، مع ضرورة اشتراك المجتمع المحلي في الانتفاع والمسئولية والعمل على تنميتها في نفس الوقت.


وهذا يفرض ضرورة إشراك الفئات المستهدفة الرئيسية بشكل مباشر من المشروع وتعبئتها للعمل والتي تتضمن مالكي ومستأجري المساكن والمباني التراثية، وأصحاب العمل والعاملين في المناطق السياحية الأثرية، والمؤسسات المحلية والمجالس المحلية وغيرهم ممن يتأثرون بشكل مباشر من المشروع، بالإضافة لهم يجب إشراك الفئات المستهدفة الثانوية وتوسيع دورها ومنحها مجالاً لإبداء رأيها وحيزاً للتفاوض والنقاش، وقد تتضمن هذه الفئات الأفراد والقاطنين في محيط الأحياء التراثية والجامعات والمعاهد ومراكز البحوث، وجانباً من القطاع الخاص، لتعميم الفائدة والتجربة، بالإضافة إلى وضع خطط تشغيل ومتابعة لإدارة هذا التراث بما يكفل صون حقوق القاطنين وبنفس الوقت تحقيق جانب من المنفعة الاقتصادية لهم، ويكون مثلاً من خلال برامج للدعاية وبرامج تشغيلية أو تعليمية وخطط للإدارة السياحية. 



فالمشاركة الشعبية هي مطلب حتمي في مشاريع الحفاظ على التراث، لكن يبقى السؤال عن المساحة المتروكة للعامة للتفاعل وسبل تفعيل المشاركة الشعبية لتكون صادقة وبناءة، وهذا بحاجة إلى بناء ثقافة مجتمعية فيها تأكيد على دور الجماعة والمبادرة من جهة وتعزيز مفهوم المحافظة على التراث من جهة أخرى، بمعنى أنه في كلا الأحوال لنصل إلى أقصى درجات المشاركة أو الحصول على مشاركة حقيقية وفاعلية، يجب أن تكون نابعة من المجتمع المرتبط بالعملية أو على الأقل أن يكون هذا المجتمع مدركاً لأهمية دوره ووجوده وليس فقط كمنتفع أو متلق، هذا بالطبع دون إغفال تحقيق مجتمع مشارك ممتد من خارج الفئة المستهدفة من أفراد ومتخصصين وأكاديميين ومستثمرين وغيرهم في المشاريع الكبيرة نسبياً والتي تتيح هذا النوع من المشاركة لتعم الفائدة ونشر مثل هذا النوع من الثقافة. 



فالسياحة ليست هي التي تؤدي إلى التنمية فقط، وإنما التنمية العامة للبلد هي التي تجعل السياحة مربحة... فالسياحة ليست مجرد مظاهر احتفالية وعروض ترفيهية، بل تتعدى ذلك إلى المجال التجاري والاقتصادي والثقافي والديني وغيرها من المجالات بعد أن تحولت السياحة إلى صناعة وتسويق وترويج وإقامة استثمارات كبيرة تستقطب رؤوس الأموال لتوظيفها في القطاع السياحي... وبالتالي توفير فرص العمل المباشرة، وغير المباشرة، وتأمين العملة الأجنبية والموارد المالية، حيث يستفيد الجميع من الحركة السياحية النشطة وينتعش الاقتصاد، والتجارة وحركة التبادل التجاري والثقافي...


وهنا لابد أن ألفت انتباه القائمين على وسائل الإعلام المختلفة في الجزائر إلى أن السياحة تعتبر أحد المصادر المهمة للدخل الوطني للكثير من البلدان التي أصبحت سابقة لنا، مما يجعلنا نحاول أن نلحق بها مستفيدين من تجارب الآخرين ومن الإمكانات المتوفرة لدينا، وذلك من خلال استثمار الموارد والمقومات المتوفرة والاستفادة من التنوع الحيوي أي الحضاري والطبيعي والمناخي وبقية الميزات التي قلّما تتوفر في بلد من البلدان مثلما هي متوفرة في الجزائر.

 والإعلام له دوره الكبير في النهوض باقتصاديات البلد، فإنه من الجدير إبراز هذا الدور في إطار الترويج السياحي حيث بالإمكان القول إن مفهوم الإعلام السياحي هو مفهوم مبني على أسس فكرية وممارسات مهنية تقوم بها الجهات الإعلامية، الحكومية منها والخاصة، التي تقوم بتنشيط الصناعة السياحية، وتتضاعف أهمية الإعلام السياحي في ظل وجود طلب كامن على السياحة في المجتمع الجزائري من خلال تحويله إلى طلب نشاط باستخدام الاتصال التسويقي، وكذا الإسهام في دعم تسويق المنتجات السياحية، بمختلف أنواعها، حيث لا يمكن في ظل وفرة المنتجات السياحية وتقارب مستوياتها، الاقتصار على جودة هذه المنتجات...

 كما أن الاستثمار في مجال الإعلام السياحي يعد أحد أهم الفرص الاستثمارية المتاحة في صناعة السياحة، حيث تعد فعالية الإعلام السياحي ذات إسهام مهم في تنمية اتصالات العمل السياحي في الجزائر من خلال الكشف عن الفرص الاستثمارية في هذا المجال وبث روح التنافس بين المناطق السياحية والمستثمرين لتطوير منتجاتهم السياحية...

 فالمجتمع الجزائري أحد المجتمعات النامية التي يتم تداول المعلومات فيها بشكل كبير من خلال نمطي الاتصال الشخصي والجمعي، لذا تبرز أهمية استثمار وسائل الاتصال المختلفة للإسهام في إيصال المعلومات الصحيحة والدقيقة بحيث لا يُسمح بانتشار المعلومات المغلوطة التي قد تؤثر سلباً على صناعة السياحة... كما أن الممارسات الاتصالية والإعلامية السياحية المتخصصة تعد رافداً مهماً جداً لدعم التوجه الاجتماعي نحو استيعاب العمل السياحي وقبوله، نظراً لأن صناعة السياحة من الصناعات المستحدثة.


وانطلاقاً من طبيعة صناعة السياحة القائمة على التفاعل الاجتماعي والثقافي بين المجتمعات، تتعاظم أهمية الاتصال والإعلام السياحي لترسيخ القيم والمبادىء ودعم وحدة المجتمع من ناحية ومن ناحية أخرى تطوير قدرة المجتمع المحلي على استيعاب الثقافات العالمية وامتلاك المهارات اللازمة للتفاعل معها بما يقلل من التأثيرات غير الإيجابية لصناعة السياحة اجتماعياً وثقافياً.

 كل ذلك وغيره، يمكن تحقيقه من خلال إيجاد هوية واضحة ومحددة للإعلام السياحي لتسهم في تطوير الأداء المهني وإعداد الطاقات البشرية القادرة على تفعيل هذا النوع من الإعلام المتخصص وذلك من خلال ترسيخ البعد المؤسسي للإعلام السياحي في الجزائري.

 وحتى لا نفعل كالذي يحرث في الماء، فالخطاب الإعلامي مقسّم إلى ثلاثة أنواع، يمثل الخطاب التوعوي الخطوة الأولى للتعامل مع مختلف الجوانب ذات العلاقة بصناعة السياحة... يليه الخطاب التعريفي الهادف إلى التعريف بالمقومات والمرافق والمنتجات السياحية المتوافرة، وهذا النوع من الخطاب يمثل في كثير من جوانبه خصوصية مجتمعية جزائرية لا يدركها الكثير من أبناء الجزائر، وبعد ذلك تأتي مرحلة الخطاب الإقناعي الهادف إلى إقناع الجماهير بإيجابيات السياحة الداخلية، بغية دفعهم إلى اتخاذ اتجاهات سلوكية إيجابية نحوها وجميعها خطابات تستهدف المواطنين في ضوء اختلاف خصائصهم العمرية والتعليمية والجنسية، التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند صياغة الخطاب الإعلامي السياحي.

 فالسياحة الداخلية يمكن اعتبارها بمثابة المقدمة المنطقية للسياحة الخارجية، أي جذب السياح من خارج الوطن.

 وحتى يتمكن الإعلام السياحي الجزائري من تحقيق الهدف منه ينبغي توافر مجموعة من السمات، أبرزها  ـ الرسالة المتجانسة مع عادات وتقاليد وتاريخ وقيم وعادات المجتمع الذي تخاطبه، وأن يعتمد على الحقائق والبيانات الصادقة المعبرة فعلاً عن الخدمات التي سيتم تقديمها خلال البرنامج السياحي المعلن عنه بدون مبالغة، وأن يعبر فعلاً عما يتضمنه من المحفزات السياحية وعناصر الجذب السياحي التي تجذب السياح وتزيد من إنفاقهم وفي مقدمتها ''التنوع الحيوي''.


وأخيراً... ألا يركز في الغالب على المنطقة الرمادية في الدماغ، بقدر ما يعتمد على إثارة المشاعر وتهييج النفوس وتوقها للزيارة والسياحة، سواء المحلية من خلال السياح المحليين، أو العالمية الموجهة نحو السياح من خارج الجزائر.

 ولتشجيع الإعلام السياحي لكي يقوم بدوره في دعم السياحة من خلال التوعية بأهمية استثمار ''التنوع الحيوي'' الذي تتميز به الجزائر... لابد من إيجاد تحالفات بين الدول المتجاورة أو الشركات الدولية لتحقيق الجذب السياحي، ومواجهة المنافسة الشديدة عبر مؤتمرات واجتماعات رسمية لتفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة والإعلان المرئي والمسموع، بالإضافة إلى تطوير وسائل الإعلام كمصادر للمعلومات، تساعد على تنمية السياحة وتحقيق الجذب السياحي، وأن يكون الإعلام السياحي وفق خطة وطنية إعلامية شاملة، لرفع مستوى الوعي السياحي، ونشر الإعلام السياحي في المجتمع.

 أيضاً اضطلاع الهيئات السياحية المعنية بتأهيل نخبة من رجالات الإعلام تأهيلاً سياحياً، وذلك من خلال تنظيم الزيارات الميدانية التي تتيح لهم الاطلاع عن كثب على طبيعة ''التنوع الحيوي''  في مختلف أنحاء الجزائر... وتشجيع ودعم التجارب الإعلامية ذات الطابع السياحي (على تواضعها ومحدوديتها) واعتبارها لَبنات تأسيسية في هذا المضمار. 
بقلم: مصطفى قطبي

                                        
 

إرسال تعليق Blogger