0
قدمت التجربة التونسية نموذجا ثوريا مشرقا اذا قورن بدول الربيع العربي الاخرى التي تعثرت مسيرتها نحو الديمقراطية بصراعات بين قوى سياسية او تدخل قوى اقليمية او الجيش ،
ومن عوامل نجاة تونس هي اولا انها دولة صغيرة لا تثير اطماع القوى الكبرى ولا الدول الاقليمية فهي ليست الدولة التي يمكن ان تغير موازين القوى بجنوحها الى اي فريق ،ثانيا كونها دولة متجانسة لا توجد فيها اثنيات او تعددية ثقافية يمكن ان تثير اي نوع من القلاقل او الفتن ، ثالثا القوى السياسية استثمرت في ادارتها للازمات المختلفة التي عصفت بالبلاد خبرتها والدروس المستفادة من التجارب العربية الاخرى فبدت مرنة مستعدة للتفاوض والمساومة والتنازل ، رابعا الجيش التونسي بقى محايدا ولم يتدخل بشكل مباشر او غير مباشر لحسم الخلافات بين القوى السياسية المدنية كما لا يمكن ان ننسى في الاخير دور المجتمع المدني الذي عمل كصمام امان حافظ على التوازن ولعب دور الحكم لضمان عدم الالتفاف على الثورة .
وفي هذه الفترة تونس مقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية في فترة متقاربة ، ستكون بمثابة امتحان جديد لتونس من ناحية مدى تجاوب التونسيين وإقبالهم ومشاركتهم في الانتخابات وكيفية تشكيل الاحزاب الائتلافات وإدارة حملاتهم الانتخابية ومدى نزاهة العملية الانتخابية ، كل هذه الامور ستكون مؤشرات ستدلل ما اذا كانت التجربة التونسية تسير في الاتجاه الصحيح ام لا رغم ان الانتخابات لوحدها لا تكفي لتحقيق الديمقراطية إلا ان السير الحسن للانتخابات يعد شرطا ضروريا لذلك ، و لأنه من المبكر الحديث عن نتائج هذه الانتخابات يكفي الحديث عن كيفية سير التحضيرات الاولية و بعض الظواهر غير المشجعة التي رافقتها مثل :
_ الفوضوية في الترشيح بالنسبة للانتخابات الرئاسية فان ذلك يعود الى غياب معايير متشددة ادت الى تقدم عدد من المترشحين ذوي خلفية غير ملائمة حتى ذهب بعض المراقبين الى ان منصب الرئاسة فقد هيبته ، بالطبع تم حل هذه الاشكالية لاحقا عندما تم الاعلان عن القائمة النهائية للمترشحين المقبولين لكن حتى هذه القائمة اثارت جدلا بسبب تضمنها لأسماء تعد من اقطاب نظام بن علي بعضهم تولى مناصب رفيعة خلال فترة حكمه وهو ما زاد من تذمر الشارع وفقدان اهتمامه بعض الشيء بالانتخابات فقد رصدت عدد من الاستطلاعات عدم تأكد شريحة واسعة من المواطنين التونسيين ما اذا كانوا سيقومون بالمشاركة بالانتخابات ام لا مع العلم ان الانتخابات الرئاسية قد غطت تماما على الانتخابات البرلمانية ، نفس الامر ينطبق على للانتخابات البرلمانية اذ ان عدد اللوائح ضخم نسبيا حوالي 1327 قائمة موزعة على 33 دائرة انتخابية .
_ الاصطفاف الرئيسي للاحزاب وتشكيلهم لائتلافات يرجع الى اعتبارات تتعلق بالانتماء الى العلمانية او الاسلامية فالحزبين الاساسين المتنافسين في الانتخابات البرلمانية هما حزب النهضة و حزب نداء تونس والأول يمثل الاخوان المسلمين في حين الثاني يمثل تجمعا لقوى علمانية من مشارب مختلفة لا يجمعها شيء سوى القيادة المؤثرة و معارضة الاسلامين لذلك فقد تنبأ بعض المحللين بان الحزب لن يستمر طويلا خصوصا مع ظهور خلافات داخلية ادت الى تأجيل المؤتمر العام للحزب ، بالطبع هناك احزاب اخرى تملك بعض الحظوظ مثل حزب الجبهة الشعبية الذي يمثل ائتلافا لقوى يسارية تم انشاؤه عام 2012 ، إلا ان الحزبين الاساسين هما حزب نداء تونس والنهضة لان تونس مثل باقي الدول العربية لم تتجاوز فكرة الصراع السياسي على اساس الهوية الى صراع على البرامج وهو الامر الذي سينعكس لاحقا على ادارة قضايا شائكة مثل الاقتصاد والأمن وبناء المؤسسات .
_ رغم ان الحملة الانتخابية ما تزال في بدايتها إلا انه ظهرت تصرفات سلبية من قبل بعض الاحزاب مثل استمالة الطبقات الفقيرة عن طريق المساعدات المالية واستخدام خطاب شعبوي وتعد هذه الممارسات ابعد ما يكون عن الاحترافية وهذا يدل على انه هناك طريق طويل للأحزاب عليها اجتيازه لتغيير سلوكها السياسي خلال الحملات من اجل رفع كفاءتها .
_ استطلاعات الرأي تظهر ان حظوظ حزب نداء تونس اعلى من حظوظ حزب النهضة في الانتخابات البرلمانية بسبب تذمر التونسيين من الوضع اداء حزب النهضة اثناء فترة حكمة لكن نفس الاستطلاعات تظهر ان فوز حزب نداء تونس لن يكون كاسحا وعلى الارجح سيحتاج الى تشكيل ائتلاف ، و اذا حدث هذا الامر فان هناك احتمالين اما ان يصل الحزبين الى صيغة توافق او ان يؤدي ذلك الى استمرار الصراع الامر الذي سيؤدي الى التأثير على اداء الحكومة وعرقلتها .
كل ما سبق لا ينتقص من حقيقة ان تونس تكاد تكون الدولة العربية الوحيدة التي تخوض انتخابات حقيقية ليست محسومة النتائج مسبقا ، لكنه يبين ان الامتحان الانتخابي التونسي صعب فعلا والأيام المقبلة ستبرز المزيد عن اداء الاحزاب في الحملات وبناء البرامج ومدى نزاهة الانتخابات وحضور الشباب وتمثيل المرأة
ايمان موسى النمس

إرسال تعليق Blogger