0
بعد سنين وجيزة أفنيتها في القراءة و المطالعة و تتبع المشهد السّياسي في الجزائر خصوصا و العالم العربي قاطبة , تعرّفـت على فئة واسعة من الكتّاب و السّاسة و الإعلاميين و المثقفين و رجال الدّين و غيرهم  , و كنت ملما بكل أخبارهم و مُستجدّاتهم , و متابعا لآرائهم و أفكارهم ,
و كـقارئ بسيط تحمّست لهذا و تعصّبت لذاك , و أعجبت بهذا و اقتديت بذاك , و رسمت في مخيلتي قائمة طويلة لمن ظننتهم أخيار الناس من الذين أعجبتني في البداية آرائهم و مواقفهم , و كنت أتمنى السيرعلى نهجهم و أن أكون واحدا من بينهم , لكن مِن فضل الله عزّ وجلّ عليّ أن فضح نِـفاقهم أمامي  و أبان لي خداعهم , فوقـفت عليه بنفسي و رأيته بأم عيني , سقطت أقنعتهم و بانت عورتهم , و فضحهم الله و كشفتهم الأيام , و بدأت تسقط أسماءهم من قائمتي كما تسقط أوراق التوت ...
         و الحمد لله أنني عرفت السياسي من السمسار "البزناسي" , و الكاتب من المتكيتب الكاذب , و الإعلامي من المفتري الوهمي , و المثقف من المتثيقف المُتعجرف , و الكاذب من الصادق , و صاحب المواقف مِن المنافق , و الشجاع من الطماع , و عموم الصادقين من الكذبة المتزندقين , و أدركت بأنّ الجماهير المسكينة ما هي إلا ضحيّة لهؤلاء من الفئات الثانية السيئة , و لخداعهم و كذبهم و نفاقهم و بهتانهم و افترائهم , و أن فئة قليلة من بين الشرائح المذكورة أعلاه تخدم المصالح العليا للأمّة , و توجّه الجماهير و الشعوب بصدق , و أن الفئة الأخرى ما هي إلا شرذمة من المخادعين و الكذابين و المنافقين و السماسرة و الانتهازيين , أنعم الله عليهم فما اقتنعوا , فكذبوا و نافقوا و خدعوا , و أغنوا من الحرام فما شبعوا , همهم الوحيد جني الأموال , و تحقيق الأرباح الطائلة و كسب العُملات بالعمالة و العمولة و لو بالاحتيال  , و ممارسة التجارة في أبشع حالتها , تجارة القضايا و المواقف , حيث تُصبح المبادئ سلعة رخيصة , و تباع الثوابت أو تستبدل أو تُقايض حسب مقتضيات الحاجة , و تحاك المؤامرات ضد هذه الأمة , و تُعرض قضاياها للمُساومة , تمَاما كالسوق التجاري الكبير , هذا و قد أصبح مجالنا الفكري مسرحا طلقا لاستعراض أساليب "الكذب" , و ممارسة النصب و الخداع , تماما كما يفعل لاعب الخفة على المسرح , حيث يوهم الناس بخدعة أو حيلة   , و يكسب معاشه من تلك الحيل , و التي تستمتع بها الجماهير ظنا منها أنها حقيقة , فتدفع الدرهم لقاء الوهم ...
               لطالما خُدعنا بألاعيب و أكاذيب بعض هؤلاء من الصنف الثاني من الكتّاب و السّاسة و بعض من ندعوهم كذلك بالمثقفين و النخبة عموما , و صُدمنا لحقائق رهيبة تشوب عملهم , و اكتشفت و بمرور الوقت بأن الصورة اللامعة التي يظهرون عليها في الإعلام ما هي إلا رماد يذره هؤلاء في عيون الناس , لا وجود لها في الحقيقة , و أن حقيقتهم عكس ذلك تماما , و أن حقيقتهم سوداوية مظلمة ...
           و الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو تعرية الكذب , و ليس التشهير بهم أوِ التهجم عليهم , و من واجب كلّ إعلامي تعرية الكذب و خدمة الصدق , و نقل الحقائق للجماهير كما هي و دون خداع و كذب , و ما دفعني أيضا إلى كتابته هو تنبيه الغافلين إلى حقيقتهم و كشف أمرهم , و تنبيه الفئات الأشد حماسا لهؤلاء و خاصة الشباب لأنه و من واجبي تنبيههم إلى ما لم يروه في هؤلاء , و عندما اخترت هذه الفئات من الناس فهذا لا يعني أنني أعمّم على الجميع , بل على البعض منهم فقط , و سبب اختياري لهذه الكوكبة من الناس بالذات هو أنهم الأكثر تأثيرا على الجماهير و الشعوب , و سأروي لأحبتي القراء تجربتي الكاملة معهم , و لن أحيد عن خطي الإعلامي المعروف , بأن أكتفي في مثل هذه المواضيع بالتلميح بدال التصريح , حتى لا أظلم أحدا , و لأن النصيحة لا تكون في العلن و أمام الناس , أما الحقيقة فيجب أن تخرج للعلن , و الحقيقة هي مرادنا , و حتى لا نظلم هاته الفئات لا سيما و أن هذه الساحة لا تخلوا أبدا من الطيبين و الصادقين و الرجال الأحرار ذوي النخوة و الغيرة , و الوطنيين و النزهاء و الشرفاء و هم كثر وفقهم الله و سدد خطاهم , لكي لا يخلط الناس بينهم بسببنا , و لأن الفئات الثانية السلبية التي نحاربها تقف في وجه هؤلاء الرجال الذي صدقوا ما عاهدوا الله عليه , و تعكر صفوة عملهم و تعرقل دفعهم بأحوال الأمة إلى الأفضل ...
          قد يستغرب البعض كلاما مثل هذا و يتعجبون منه , لكن ما أقوله للأسف الشديد حقيقة وقفت عليها بنفسي , و رأيتها بأم عيني كما ذكرت , فبعض الساسة , قد باعوا مبادئهم في سوق النخاسة , و مقصودي  من هذه الشريحة لا يقتصر على فريق دون آخر , فقد استوى في ذلك بعض المعارضين و المُوالين  على حدٍّ سواء , بتعدد توجهاتهم و اختلاف مشاربهم , و إذا اعتبرنا أن العلمانيين و التغريبيين قد عُهد عليهم ذلك , فالمُصيبة حلت أيضا ببعض المتأسلمين المتحيفظين , و لا سيما بعض من يدعون أنفسهم بالمعارضين بالذات , و يتسترون بهذا الستار , و يتشدقون صباحا مساءا بالمعارضة , و يدّعون الصلاح و يُجرّمون كل من لا يوافقهم الرأي و يخوّنونه , ظنا منهم بأن الجماهير و الشعوب , ما زالت تنطلي عليها الحِيلُ القديمة ...
       و أكثر الأشياء التي أدهشتني فيهم و التي تعجبت جراها , تغيّرهم بين عشية و ضُحاها , و سأستشهد في هذا المقال ببعض العينات و النماذج , الذين تغيرت مبادئهم بطريقة عجيبة , و الناظر إلى بداياتهم سيكتشف ذلك بكل سهولة , فواقعهم اليوم يختلف عمّا كانوا عليه تماما , بدءا بأحوالهم المادية و إلى توجهاتهم  العلمية , فرب مثقف باع ثقافته بأثمان بخسة و غيّر التوجه و المشرب جراء مرتب أو منصب ,  و رب كاتب تخلى عن أبجديات الكتابة و مبادئها و تحوّل إلى كتابة ما يرضي هذا و ذاك , و إلى كيل المدح لهذا و الثناء على ذاك كما تقتضي مقتضيات جمع الأموال , يبيع كتاباته بالدنانير و الفيلات و السيارات و غيرها , و يقبض العُملات الصعبة نظير خدماته التي يقدمها "بالقلم" لهذا و ذاك , و كم من سياسيّ غـيّـر كل مبادئه و آرائه  و توجهاته لذات السبب , و كم من عالم دين أيضا لم يخرج عن سرب هؤلاء و باع دينه لأجل عرض من الدنيا قليل , و أفتى فتاوي على المقاس لم يُنزل الله بها من سلطان , و خطها و أخلط من أجل المكاسب و الهدايا , فما جنا إلا الخسران و الخطايا , و كم من مفكر خان قيم الفكر , و اتصف بصفة هؤلاء و باع الفكر بأثمان بخسة  , و الكثير من المهازل التي تحدث على أعلى مستويات الفكرية و الثقافية و العلمية و الدينية في أمتنا جمعاء , فكيف بعد هذا نلوم العامة من الناس ؟
          هناك مثل شعبي جزائري يقول عن عديم المبادئ و الذي يجري وراء المصالح و المكاسب و الأموال و يتغير بحسبها , أن "الريح التي تأتي يأتي معها" , و أنه يلهث مثل الكلب , و هذا ما حدث بالفعل لهؤلاء , لكن حتى الكلب ذلك المخلوق و الحيوان الذي خلقه الله لا يميز و لا يعقل , شيمته الوفاء فلا يغدر الصحب و الأهل , و لا يتنكر لليد التي أطعمته , و لا يبيع المشرب و المأكل و المنهل , فما قد ترى الكلب يأكل العشب , حتى لو رُصع له بالمال و الذهب , بينما بني البشر , يصادقون و يُفارقون , و يصاحبون و يغدرون , و ينافقون و يتآمرون , و يتغامزون و يلمزون , و ينصبون و يحسبون , و يبيعون كل شيء لأجل المادة , و لأنني من وجهة نظري الخاصة أحكم على الشخص من بداياته , فقد صدمت لبدايات البعض , لأنها نقيض أعرافهم الآن , و سأنقل لكم بعض العينات ...
           كاتب جزائري شهير ذاع صيته  بالأمس و اليوم يدعي في كلّ موضع أنه يعارض لأجل المستضعفين و الفقراء و المساكين ,  كان مجرد ضابط صغير في جهاز من أجهزة الدولة , ثم هرب و ترك الجزائر لمّا كانت في أمس الحاجة إلى أبنائها و نفذ بجلده و لم يُعر لهؤلاء اهتماما , فلم يدفع الضريبة لما دفعها الشعب الجزائري كله , و اختار على ذلك الهروب إلى القصور و المنتجعات , و راح يدعي أنه يفضح النظام و ما إلى ذلك , لكنه في الحقيقة , ارتمى في حضن أعداء بلده و المتشمتين فيه , و كان يجمع الدنيا من أطرافها , و يُتاجر بقضايا المستضعفين و الأبرياء , و المراهقين سياسيا و " الزواولة " بالمصطلح الجزائري ممن لا يعرفون حقيقته , و مما تأكد لديّ بأن أبناءه في مثل سنّي يعيشون حياة الرفاهية و البذخ و الأمن في كبريات الدول و العواصم الغربية التي يدعي أيضا معارضتها , بينما يحرضني و إخوتي من الشباب على الانتفاضة و الغليان و غيرها من خلال كتاباته , و يدعي أن العنف هو سبيلنا الوحيد نحو حقوقنا , بينما يُحنط أبناءه بالأمن و الأمان في منتجعات أوروبا و أمريكا , و يمنعهم حتى من قراءة كتاباته , و الأدهى في الأمر أن هؤلاء لما يكونون في المسؤولية و السلطة لا تسمع لهم سوى المدح و الثناء , و لما يصل به المطاف إلى طريق مسدود , و يجدون أنفسهم خارجها إما لارتكابهم مخالفات أو خروقات , أم لقضايا أخلاقية في الغالبية , يُسارع هذا الحثالة و يغير عباءته و  يدعي "المعارضة" و الممانعة و المقاومة و الشجاعة , العنوان الأفضل لمن يُريد الشهرة على ضوء القاعدة التي تقول "خالف تعرف" , و لو اقتضى ذلك أن تكذب و تزيف ...
        و أما عن الإعلام , فالأمر يندى له الجبين , و يجعلنا نتصبب عرقا حياءا مما يفعل بعض الزملاء من خروقات للأخلاقيات , و انتهاكات لأصول المهنة , و نفاق و تزندق , و تزييف و تكييف و تحريف , و بيع و شراء و تجارة بالقضايا و المواقف , و آخر ما قلته فيهم " لكل إعلامي خطوط و مناهجٌ يسير عليها , و لكل إعلامي معالمه الإعلامية , و مبادئه و قناعاته , و أفكاره و توجهاته , قد يُضَّحي بكل شيء للحفاظ عليها و لا يحيد عنها مهما كلّفته , و قد يُضحّي بها في أوّل فرصة , و يبيعها بعرض من الدنيا قليل , أو يبدلها بمنصب أو راتب أو غيرها من المُغريات , و يقلب المعطف في أول منعطف , فيخيب في دنياه , و يخيب في آخرته , لأن مثل هذه السلوكات خيانة و كذب و أكل لأموال الحرام و نفاق , و هذا ما نراه اليوم للأسف الشديد في السّاحة الإعلامية الجزائرية و العربية من بعض أشباه الإعلاميين , و الذين شوهوا الإعلام , فـيُمسي الواحد منهم على نهج , و يصبح على نهج آخر, و يظل على فكرة و يبيت على أخرى تناقضها , يبيع كل شيء و كل فكرة و كل رأي , و يُمارس كل أنواع الكذب و الافتراء و الاحتيال و النصب على الجماهير المستضعفة , و التي أنهكها مثل هؤلاء التجار , تجار المبادئ , فصارت تخلط بين الصادق و المنافق ...
أنساهم الطمع مبادئهم فاتسموا بصفة الحرباء , يغيِّرون ألوانهم بتغيّر الظروف المُحيطة , دون أدنى حشمة و لا حياء , و اتسموا بالنِّـفاق في أبشع حالاته , يقولون ما لا يفعلون و يفعلون ما لا يقولون , و يكذبون على الناس بكل وقاحة , و ينصبون و يخدعون و يخونون , لكنّ الذي يعرف دينه و يخاف ربّه يقول ما يعتقد بدون نفاق و تزلف , و لا يبيع مبدأه و لو بكنوز الدنيا كلها , و هؤلاء الصنف من الإعلاميين هم الأنجح على مرّ التاريخ رغم كل الصعاب و المشاق التي تعترض طريقهم" .
        و قد تعجبك شجاعة شخص ما و تنخدع بقدرته على النقد اللاذع و تسمية الأمور بمسمياتها و عدم خشيته من أحد , بينما هو في الحقيقة قائم على خديعة كبرى , و ينال التزكية و الحماية من جهة ما , لذلك دائما ما تجده يسلط اللسان على جهة دون البقية و يمسح فيها سكينه , و هذا ما نقول لأجله أن هناك " فرق كبير بين "الحصانة" و الشجاعة " ...
       واحد منهم لا يفوت فرصة إلّا و دعا إلى الخروج و الانتفاضة و التكسير و القتل و غيرها , بينما يستمتع هو بالعيش الفاخر في عاصمة كبرى من عواصم الغرب الذي يعارضونه بالطبع في توجهاتهم , و الذي فهم يفهمنا كيف يعارضونه و يعيشون في أراضيه , بل في أفخر أراضيه و بأجود عملاته , و كيف هربوا إليه إن كانوا يعارضونه ؟ و لماذا يعيشون بأقواته ؟ ثم أي معارضة هذه خارج المسرح ؟ حيث يعارض نظاما و يعيش في كنف آخر , إذ ليس من أعراف المعارضة النزال في مسرح غير مسرح المعركة , و " قول كلمة حق عند سلطان جائر " كما حدثنا النبي صلى الله عليه و سلم , و لا تكون أبدا عند سلاطين مشركين و كفار و بعيدا عن أرض الديار , و كيف هي المعارضة التي يتضرر منها أبناء الناس و ينتفع بها أبناءه ؟ و كيف يدعوني أنا مثلا الشاب البسيط المسالم كغيري من الشباب الجزائري  إلى الدماء , بينما أبناءه يعيشون الرفاهية و البذخ و الترف المحرم ؟ هذا طبعا لا ينطلي على أحد , فليس الشباب الجزائري بالإمعة الذي لا يميز و لا يُدرك الأمور ...
             نعم هي حقيقة , بعض المعارضين , يعارضون الأنظمة و يعبئون الناس ضدها , و لا يفوتون فرصة إلا و يحرضون الناس على الاقتتال فيما بينهم , و العجيب في الأمر أنهم يعارضون من خارج الأوطان , أي أنه مثلا يعارض النظام الجزائري من بريطانيا أو فرنسا أو حتى من واشنطن و السويد و ألمانيا و دول الخليج , أو يعارض النظام المغربي من هولندا , و النظام التونسي من بريطانيا , ثم يتشدق بأنه يسعى لتحقيق الديمقراطية في الدول العربية ؟!
           عالم كبير ! طالعت بعض كتبه و رسائله و فتاويه , فكانت أغلبها في البدايات تُعارض الغرب , و تحرم التعامل معه و ائتمانه و وضع الثقة فيه , أو الإلمام بعلومه و استعمال صناعته , اكتشفت مؤخرا بأن أبناءه تمدرسوا كلهم في الجامعات الأمريكية , و أن منهم حتى التي لا تضع الخمار الذي كان يدعو بالأمس لإكراه من لا تضعه , قائلا ما لا يفعل , أم فاعلا عكس ما يقول , و الأدهى و الأمر أنه أصبح يُطلق الفتاوى تلو الفتاوى , يُكفر و يُؤثم و يُجيز القتل لمن يشاء و لمن لا يشاء , بينما كان بالأمس يُعادي التكفير و التأثيم , و دخل القلوب و نال المراتب على أنه وسطي معتدل , واحد من العلماء المسلمين المسالمين الذين لا يتسببون في سيل قطرة دم واحدة , و في آخر المطاف , أصبح يتسبب في سيل الدماء , و يُطبق فتاويه على الآخرين , بينما يُبطل حكمها لما يتعلق الأمر به و بحاشية أميره , و بعض المتفيقهين و الكاذبين الذين يدعون الشرعية بالقول باسم الإسلام و الإسلام منهم بريء , يتآمرون على إخوانهم و يتخندقون في صف فراعين العصر , و لأن صفة العلماء تسقط عن هؤلاء , سأذكر مواقفهم كاملة , فواحد كان ينادي بضرورة محاربة الغرب و الدائرين في محيطه , و يصدع الرؤوس صباحا مساءا بمقاومة الطغيان ووضع حد لطغيانهم , و يدعوا أمريكا بالطاغية الأكبر , كان في طلائع القافلة التي انقلبت على محاربي الطغيان الصهيو – أمريكي في المنطقة , و الذين كانوا قد افتتحوا الطريق لتحرير الأمة من الجهل و الطائفية , و توجيهها نحو قضاياها المصيرية , و كان أيضا يصور الدول الغربية على أنها شيطان الزمان و و يلعنها و ينادي بضرورة محاربتها و  رجمها و مقاطعتها , كان يكفّر كل من يتعامل معها و يضعه في خانة من ناصر الكفار و المشركين و والاهم , لكنه لا يتوانى في بعث أبنائه للدراسة عندهم هو الآخر و البحث لهم عن مناصب شغل مرموقة , و لا يتوانى في تلبية الدعوات "ليُحاضر" هناك و يصول و يجول عواصمها في آخر المطاف , و يحث على الحوار مع الغرب الذي بالأمس قُتل كثيرون مستندين لفتاويه السابقة المعادية له , أحد هؤلاء , كان يفتي بضرورة تطهير الشوارع و المصانع من الأمَة المسلمة و المرأة متحجبة كانت أم متبرجة , إذا بابنته لا تضع الخمار أصلا و تدير شركاته و رحلاته الدعوية التي تركت الدعوة إلى الله , و أصبحت تدعوا للتعايش بين العلمانيين و المسلمين و كل الأطياف , في سبيل إرضاء الأمير و الحاكم العظيم رعاه الله , لأنه لو نستند نحن أيضا لفتاويه السابقة , لكفر و أثّم إثرها الحاكم ولي الأمر الذي منحه القصر الفاخر و الشقق الفاخرة لأبنائه و الحرس و الحشم و الخدم , و كفر بقية المسلمين الذين لهم و لو رأي مخالف في موضوع بسيط , و هو ما لا يرضاه طبعا الآن , إضافة إلى علماء السلطان و البلاط الذين تعج بهم الساحة , و الذي قصروا الدين الحنيف , و الرسالة المحمدية الشاملة لكل نواحي الحياة , في تقليم الأظافر و تحليق الشعر و التزين و التعطر و تعدد الزيجات و جمع الأموال و أكل ما طاب و غيرها , بينما أغفلوا بقية الأمور العقائدية و المصيرية و الهامة جدا , فاللهم أصلح علماءنا , اللهم أصلح علماءنا , و قدرهم على تأدية الأمانة على أكمل وجه , يا حليم يا عليم , و ارزقنا حسن الخاتمة ...
      إن النصيحة التي أوجها لكل علماء الأمة و إعلامييها و لعامة الناس على حد سواء , من أراد الإصلاح فليبدأ من بيته و ليبدأ بأهله و أبنائه , و إن نجح فمرحب به بأن يطبق نظرياته و أطروحاتها علينا ينفعنا بها و ينفع الأمة ...
       واحدة راحت هي الأخرى تنادي بالانتفاضة , بينما هي في بريطانيا تُدرس و تقبض , و تُعلم أبناء المشركين و تقوي إدراكهم , فاختارتهم على أبناء المسلمين , و خصتهم بجهودها دون أبناء المسلمين , فيا معارضينا ما هذا ؟ و أي معارضة هذه التي تمارسونها ؟ و أي معارضة إسلامية هذه ؟ و إلى صالح من ؟ هل لأمتكم أم ضدها ؟ نُريد أجوبة جزاكم الله ...
        و البون شاسع بين صورة هؤلاء التي يسوقونها للعلن و حقيقتهم التي رآهم عليها شهود عيان و من بيوتهم أيضا , فالمشاكل تملأ بيوتهم , و تمثيلياتهم انكشفت حتى مع أبنائهم الذي اكتشفوا أن تطبيق آبائهم بعيد جدا عن أقوالهم ,  , كيف لا و بعضهم أباءٌ فاشلون لم ينجحوا حتى في تربية ثلاث أو أربع أولاد , أخرجوهم منحرفين فاسدين , فكيف بهم يُربّون و يُصلحون الأمة ؟! و نحن نأسى و نرأف لأحوال أبنائهم الذين اكتشفوا خللا و شرخا في شخصية آبائهم فدفعهم هذا إلى النقم عليهم و الانحراف كطريقة لانتقام غير مباشر منهم , و نحثهم على العودة إلى طريق الصواب و محاولة تنبيه آبائهم إلى ما لم ينتبهوا إليه عسى أن يتفكروا و يعودوا الى جادة الصواب .
         و من أمثلة ذلك أن إنسانا رأيته يُعادي التهميش , و ينادي بتكافؤ الفرص , يستعمل نفوذه لتشغيل ابنه و الحصول له على عمل رغم علمه بأن ابنه لا يستوفي الكفاءات التي تخوله لشغل ذلك المنصب , و آخر كان يتهكم على جيل برمته و هو جيلي و يتهمنا مسبقا بالخذلان و الفشل و الخيانة و الفساد بينما أبناؤه حدث و لا حرج , و لا تكفي المجلدات لذكر أحوالهم و وصفهم بصفاتهم , و آخر ينادي بضرب أعناق شاربي الخمور بينما أولاده يتصدرون السكارى , و ذينك يدعو لقطع يد اللصوص بينما أبناءه لم يتركوا لهم شيئا , و هذا ينادي بمحاربة الفساد و هو لم يستطع حتى ردعه في بيته , و هلم جرا ...
          أما المصيبة الأكبر و الحقيقة المؤسفة جدا , هي أن يسقط بعض أبناء الحركة الإسلامية ممن كانت بداياتهم في القمة لهذا القدر من الكذب و النصب على الجماهير , و السمسرة بقضايا الأمة , و تحقيق الأرباح الطائلة على حساب الجماهير المسكينة , كالوزراء منهم و المسؤولين الذين لم يطبقوا أي شيء مما زكاهم الشعب لأجله , و أن يصبحوا هم أيضا و الذين توجست فيهم الشعوب خيرا ضحية للذات الدنيا و أهواء أنفسهم , فيخيبون و أبناؤهم من الزقوم و أكله .
    آخر كان يدعي دفاعه عن الشباب , فامتطى ظهور الشباب كما تمتطى الحمير , و وصل إلى المناصب , و في الأخير راح يقول لي بالحرف الواحد , لن أترك لهم مكاني و لو على جثتي ...
        و هم في الحقيقة كثيرون من هذا الصنف و من هذه الأمثال قد ينساق وراءهم المواطن البسيط , و الشابّ المُقبل على الدنيا ببراءة , لأنهم يدغدغون جيدا مشاعر الجزائريين , و مشاعر المستضعفين و الفقراء و الفئات البسيطة و البائسين و اليائسين لأن لديهم خبرة كبيرة في النصب و الاحتيال و التلون , فإن كانت هناك قاعدة تقول , إذا كنت تصدق كل ما تقرأ فلا تقرأ , فأنا أقول إذا كنت تصدق كل من يَكتب فلا تقرأ , و تَأمن كل من يكتب فلا تقرأ , و إذا كنت تصدق كل ما تُشاهد فلا تُشاهد , و كل من تُشاهِد فلا تُشاهد , و إذا كنت تثق في كل من يُفتي فلا تستفتي , و تسمع لكل من يتكلم فلا تسمع ؟!
        طرحت الموضوع على مواطن بسيط فقال لي " أن أرى الذي في النظام بعيوبه الكاملة صريحا و طالحا , خيرٌ من أن أرى هذه العيوب في من ظننته صالحا " , و يبقى الله عز وجل هو الوحيد المخول بمحاسبة العباد أولا و أخيرا , و الوحيد الذي يعرف ما في صدورهم , و ما يخفون و ما يبدون , و كما قد سلطنا الضوء على هذه الأصناف , هناك الطيبون و اللطفاء و الصادقون , الذين يستحقون الثناء و التقدير على ما يبذلونه في سبيل الأمة , و على ثباتهم و نزاهتهم و كفاءتهم , فنسأل الله الثبات لنا و لهم ...
                                                       
                                                                                                             جمال الدين الواحدي

إرسال تعليق Blogger