بعد سنين وجيزة أفنيتها في القراءة و المطالعة و تتبع
المشهد السّياسي في الجزائر خصوصا و العالم العربي قاطبة , تعرّفـت على فئة واسعة
من الكتّاب و السّاسة و الإعلاميين و المثقفين و رجال الدّين و غيرهم , و كنت ملما بكل أخبارهم و مُستجدّاتهم , و
متابعا لآرائهم و أفكارهم ,
و كـقارئ بسيط تحمّست لهذا و تعصّبت لذاك , و أعجبت
بهذا و اقتديت بذاك , و رسمت في مخيلتي قائمة طويلة لمن ظننتهم أخيار الناس من
الذين أعجبتني في البداية آرائهم و مواقفهم , و كنت أتمنى السيرعلى نهجهم و أن
أكون واحدا من بينهم , لكن مِن فضل الله عزّ وجلّ عليّ أن فضح نِـفاقهم أمامي و أبان لي خداعهم , فوقـفت عليه بنفسي و رأيته
بأم عيني , سقطت أقنعتهم و بانت عورتهم , و فضحهم الله و كشفتهم الأيام , و بدأت
تسقط أسماءهم من قائمتي كما تسقط أوراق التوت ...
و الحمد لله أنني عرفت السياسي من السمسار "البزناسي"
, و الكاتب من المتكيتب الكاذب , و الإعلامي من المفتري الوهمي , و المثقف من
المتثيقف المُتعجرف , و الكاذب من الصادق , و صاحب المواقف مِن المنافق , و الشجاع
من الطماع , و عموم الصادقين من الكذبة المتزندقين , و أدركت بأنّ الجماهير
المسكينة ما هي إلا ضحيّة لهؤلاء من الفئات الثانية السيئة , و لخداعهم و كذبهم و
نفاقهم و بهتانهم و افترائهم , و أن فئة قليلة من بين الشرائح المذكورة أعلاه تخدم
المصالح العليا للأمّة , و توجّه الجماهير و الشعوب بصدق , و أن الفئة الأخرى ما
هي إلا شرذمة من المخادعين و الكذابين و المنافقين و السماسرة و الانتهازيين , أنعم
الله عليهم فما اقتنعوا , فكذبوا و نافقوا و خدعوا , و أغنوا من الحرام فما شبعوا
, همهم الوحيد جني الأموال , و تحقيق الأرباح الطائلة و كسب العُملات بالعمالة و
العمولة و لو بالاحتيال , و ممارسة
التجارة في أبشع حالتها , تجارة القضايا و المواقف , حيث تُصبح المبادئ سلعة رخيصة
, و تباع الثوابت أو تستبدل أو تُقايض حسب مقتضيات الحاجة , و تحاك المؤامرات ضد
هذه الأمة , و تُعرض قضاياها للمُساومة , تمَاما كالسوق التجاري الكبير , هذا و قد
أصبح مجالنا الفكري مسرحا طلقا لاستعراض أساليب "الكذب" , و ممارسة النصب
و الخداع , تماما كما يفعل لاعب الخفة على المسرح , حيث يوهم الناس بخدعة أو
حيلة , و يكسب معاشه من تلك الحيل , و
التي تستمتع بها الجماهير ظنا منها أنها حقيقة , فتدفع الدرهم لقاء الوهم ...
لطالما خُدعنا بألاعيب و أكاذيب بعض هؤلاء من الصنف الثاني من الكتّاب و
السّاسة و بعض من ندعوهم كذلك بالمثقفين و النخبة عموما , و صُدمنا لحقائق رهيبة
تشوب عملهم , و اكتشفت و بمرور الوقت بأن الصورة اللامعة التي يظهرون عليها في
الإعلام ما هي إلا رماد يذره هؤلاء في عيون الناس , لا وجود لها في الحقيقة , و أن
حقيقتهم عكس ذلك تماما , و أن حقيقتهم سوداوية مظلمة ...
و الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو تعرية الكذب
, و ليس التشهير بهم أوِ التهجم عليهم , و من واجب كلّ إعلامي تعرية الكذب و خدمة الصدق
, و نقل الحقائق للجماهير كما هي و دون خداع و كذب , و ما دفعني أيضا إلى كتابته هو
تنبيه الغافلين إلى حقيقتهم و كشف أمرهم , و تنبيه الفئات الأشد حماسا لهؤلاء و
خاصة الشباب لأنه و من واجبي تنبيههم إلى ما لم يروه في هؤلاء , و عندما اخترت هذه
الفئات من الناس فهذا لا يعني أنني أعمّم على الجميع , بل على البعض منهم فقط , و
سبب اختياري لهذه الكوكبة من الناس بالذات هو أنهم الأكثر تأثيرا على الجماهير و
الشعوب , و سأروي لأحبتي القراء تجربتي الكاملة معهم , و لن أحيد عن خطي الإعلامي المعروف
, بأن أكتفي في مثل هذه المواضيع بالتلميح بدال التصريح , حتى لا أظلم أحدا , و
لأن النصيحة لا تكون في العلن و أمام الناس , أما الحقيقة فيجب أن تخرج للعلن , و
الحقيقة هي مرادنا , و حتى لا نظلم هاته الفئات لا سيما و أن هذه الساحة لا تخلوا
أبدا من الطيبين و الصادقين و الرجال الأحرار ذوي النخوة و الغيرة , و الوطنيين و
النزهاء و الشرفاء و هم كثر وفقهم الله و سدد خطاهم , لكي لا يخلط الناس بينهم
بسببنا , و لأن الفئات الثانية السلبية التي نحاربها تقف في وجه هؤلاء الرجال الذي
صدقوا ما عاهدوا الله عليه , و تعكر صفوة عملهم و تعرقل دفعهم بأحوال الأمة إلى
الأفضل ...
قد
يستغرب البعض كلاما مثل هذا و يتعجبون منه , لكن ما أقوله للأسف الشديد حقيقة وقفت
عليها بنفسي , و رأيتها بأم عيني كما ذكرت , فبعض الساسة , قد باعوا مبادئهم في
سوق النخاسة , و مقصودي من هذه الشريحة لا
يقتصر على فريق دون آخر , فقد استوى في ذلك بعض المعارضين و المُوالين على حدٍّ سواء , بتعدد توجهاتهم و اختلاف
مشاربهم , و إذا اعتبرنا أن العلمانيين و التغريبيين قد عُهد عليهم ذلك ,
فالمُصيبة حلت أيضا ببعض المتأسلمين المتحيفظين , و لا سيما بعض من يدعون أنفسهم
بالمعارضين بالذات , و يتسترون بهذا الستار , و يتشدقون صباحا مساءا بالمعارضة , و
يدّعون الصلاح و يُجرّمون كل من لا يوافقهم الرأي و يخوّنونه , ظنا منهم بأن
الجماهير و الشعوب , ما زالت تنطلي عليها الحِيلُ القديمة ...
و أكثر
الأشياء التي أدهشتني فيهم و التي تعجبت جراها , تغيّرهم بين عشية و ضُحاها , و
سأستشهد في هذا المقال ببعض العينات و النماذج , الذين تغيرت مبادئهم بطريقة عجيبة
, و الناظر إلى بداياتهم سيكتشف ذلك بكل سهولة , فواقعهم اليوم يختلف عمّا كانوا
عليه تماما , بدءا بأحوالهم المادية و إلى توجهاتهم العلمية , فرب مثقف باع ثقافته بأثمان بخسة و
غيّر التوجه و المشرب جراء مرتب أو منصب ,
و رب كاتب تخلى عن أبجديات الكتابة و مبادئها و تحوّل إلى كتابة ما يرضي
هذا و ذاك , و إلى كيل المدح لهذا و الثناء على ذاك كما تقتضي مقتضيات جمع الأموال
, يبيع كتاباته بالدنانير و الفيلات و السيارات و غيرها , و يقبض العُملات الصعبة
نظير خدماته التي يقدمها "بالقلم" لهذا و ذاك , و كم من سياسيّ غـيّـر
كل مبادئه و آرائه و توجهاته لذات السبب ,
و كم من عالم دين أيضا لم يخرج عن سرب هؤلاء و باع دينه لأجل عرض من الدنيا قليل ,
و أفتى فتاوي على المقاس لم يُنزل الله بها من سلطان , و خطها و أخلط من أجل
المكاسب و الهدايا , فما جنا إلا الخسران و الخطايا , و كم من مفكر خان قيم الفكر
, و اتصف بصفة هؤلاء و باع الفكر بأثمان بخسة
, و الكثير من المهازل التي تحدث على أعلى مستويات الفكرية و الثقافية و
العلمية و الدينية في أمتنا جمعاء , فكيف بعد هذا نلوم العامة من الناس ؟
هناك
مثل شعبي جزائري يقول عن عديم المبادئ و الذي يجري وراء المصالح و المكاسب و الأموال
و يتغير بحسبها , أن "الريح التي تأتي يأتي معها" , و أنه يلهث مثل
الكلب , و هذا ما حدث بالفعل لهؤلاء , لكن حتى الكلب ذلك المخلوق و الحيوان الذي
خلقه الله لا يميز و لا يعقل , شيمته الوفاء فلا يغدر الصحب و الأهل , و لا يتنكر
لليد التي أطعمته , و لا يبيع المشرب و المأكل و المنهل , فما قد ترى الكلب يأكل
العشب , حتى لو رُصع له بالمال و الذهب , بينما بني البشر , يصادقون و يُفارقون ,
و يصاحبون و يغدرون , و ينافقون و يتآمرون , و يتغامزون و يلمزون , و ينصبون و يحسبون
, و يبيعون كل شيء لأجل المادة , و لأنني من وجهة نظري الخاصة أحكم على الشخص من
بداياته , فقد صدمت لبدايات البعض , لأنها نقيض أعرافهم الآن , و سأنقل لكم بعض
العينات ...
كاتب
جزائري شهير ذاع صيته بالأمس و اليوم يدعي
في كلّ موضع أنه يعارض لأجل المستضعفين و الفقراء و المساكين , كان مجرد ضابط صغير في جهاز من أجهزة الدولة ,
ثم هرب و ترك الجزائر لمّا كانت في أمس الحاجة إلى أبنائها و نفذ بجلده و لم يُعر
لهؤلاء اهتماما , فلم يدفع الضريبة لما دفعها الشعب الجزائري كله , و اختار على
ذلك الهروب إلى القصور و المنتجعات , و راح يدعي أنه يفضح النظام و ما إلى ذلك ,
لكنه في الحقيقة , ارتمى في حضن أعداء بلده و المتشمتين فيه , و كان يجمع الدنيا
من أطرافها , و يُتاجر بقضايا المستضعفين و الأبرياء , و المراهقين سياسيا و
" الزواولة " بالمصطلح الجزائري ممن لا يعرفون حقيقته , و مما تأكد لديّ
بأن أبناءه في مثل سنّي يعيشون حياة الرفاهية و البذخ و الأمن في كبريات الدول و
العواصم الغربية التي يدعي أيضا معارضتها , بينما يحرضني و إخوتي من الشباب على
الانتفاضة و الغليان و غيرها من خلال كتاباته , و يدعي أن العنف هو سبيلنا الوحيد
نحو حقوقنا , بينما يُحنط أبناءه بالأمن و الأمان في منتجعات أوروبا و أمريكا , و
يمنعهم حتى من قراءة كتاباته , و الأدهى في الأمر أن هؤلاء لما يكونون في
المسؤولية و السلطة لا تسمع لهم سوى المدح و الثناء , و لما يصل به المطاف إلى
طريق مسدود , و يجدون أنفسهم خارجها إما لارتكابهم مخالفات أو خروقات , أم لقضايا
أخلاقية في الغالبية , يُسارع هذا الحثالة و يغير عباءته و يدعي "المعارضة" و الممانعة و
المقاومة و الشجاعة , العنوان الأفضل لمن يُريد الشهرة على ضوء القاعدة التي تقول
"خالف تعرف" , و لو اقتضى ذلك أن تكذب و تزيف ...
و أما عن
الإعلام , فالأمر يندى له الجبين , و يجعلنا نتصبب عرقا حياءا مما يفعل بعض
الزملاء من خروقات للأخلاقيات , و انتهاكات لأصول المهنة , و نفاق و تزندق , و
تزييف و تكييف و تحريف , و بيع و شراء و تجارة بالقضايا و المواقف , و آخر ما قلته
فيهم " لكل إعلامي خطوط و مناهجٌ يسير عليها , و لكل
إعلامي معالمه الإعلامية , و مبادئه و قناعاته , و أفكاره و توجهاته , قد يُضَّحي
بكل شيء للحفاظ عليها و لا يحيد عنها مهما كلّفته , و قد يُضحّي بها في أوّل فرصة
, و يبيعها بعرض من الدنيا قليل , أو يبدلها بمنصب أو راتب أو غيرها من المُغريات
, و يقلب المعطف في أول منعطف , فيخيب في دنياه , و
يخيب في آخرته , لأن مثل هذه السلوكات خيانة و كذب و أكل لأموال الحرام و نفاق , و
هذا ما نراه اليوم للأسف الشديد في السّاحة الإعلامية الجزائرية و العربية من بعض
أشباه الإعلاميين , و الذين شوهوا الإعلام , فـيُمسي الواحد منهم على نهج , و يصبح
على نهج آخر, و يظل على فكرة و يبيت على أخرى تناقضها , يبيع كل شيء و كل فكرة و
كل رأي , و يُمارس كل أنواع الكذب و الافتراء و الاحتيال و النصب على الجماهير المستضعفة
, و التي أنهكها مثل هؤلاء التجار , تجار المبادئ , فصارت تخلط بين الصادق و
المنافق ...
أنساهم الطمع مبادئهم فاتسموا بصفة الحرباء , يغيِّرون ألوانهم بتغيّر الظروف المُحيطة , دون أدنى حشمة و لا حياء , و اتسموا بالنِّـفاق في أبشع حالاته , يقولون ما لا يفعلون و يفعلون ما لا يقولون , و يكذبون على الناس بكل وقاحة , و ينصبون و يخدعون و يخونون , لكنّ الذي يعرف دينه و يخاف ربّه يقول ما يعتقد بدون نفاق و تزلف , و لا يبيع مبدأه و لو بكنوز الدنيا كلها , و هؤلاء الصنف من الإعلاميين هم الأنجح على مرّ التاريخ رغم كل الصعاب و المشاق التي تعترض طريقهم" .
أنساهم الطمع مبادئهم فاتسموا بصفة الحرباء , يغيِّرون ألوانهم بتغيّر الظروف المُحيطة , دون أدنى حشمة و لا حياء , و اتسموا بالنِّـفاق في أبشع حالاته , يقولون ما لا يفعلون و يفعلون ما لا يقولون , و يكذبون على الناس بكل وقاحة , و ينصبون و يخدعون و يخونون , لكنّ الذي يعرف دينه و يخاف ربّه يقول ما يعتقد بدون نفاق و تزلف , و لا يبيع مبدأه و لو بكنوز الدنيا كلها , و هؤلاء الصنف من الإعلاميين هم الأنجح على مرّ التاريخ رغم كل الصعاب و المشاق التي تعترض طريقهم" .
و قد
تعجبك شجاعة شخص ما و تنخدع بقدرته على النقد اللاذع و تسمية الأمور بمسمياتها و
عدم خشيته من أحد , بينما هو في الحقيقة قائم على خديعة كبرى , و ينال التزكية و
الحماية من جهة ما , لذلك دائما ما تجده يسلط اللسان على جهة دون البقية و يمسح
فيها سكينه , و هذا ما نقول لأجله أن هناك " فرق كبير بين "الحصانة"
و الشجاعة " ...
واحد منهم
لا يفوت فرصة إلّا و دعا إلى الخروج و الانتفاضة و التكسير و القتل و غيرها ,
بينما يستمتع هو بالعيش الفاخر في عاصمة كبرى من عواصم الغرب الذي يعارضونه بالطبع
في توجهاتهم , و الذي فهم يفهمنا كيف يعارضونه و يعيشون في أراضيه , بل في أفخر
أراضيه و بأجود عملاته , و كيف هربوا إليه إن كانوا يعارضونه ؟ و لماذا يعيشون
بأقواته ؟ ثم أي معارضة هذه خارج المسرح ؟ حيث يعارض نظاما و يعيش في كنف آخر , إذ
ليس من أعراف المعارضة النزال في مسرح غير مسرح المعركة , و " قول كلمة حق
عند سلطان جائر " كما حدثنا النبي صلى الله عليه و سلم , و لا تكون أبدا عند
سلاطين مشركين و كفار و بعيدا عن أرض الديار , و كيف هي المعارضة التي يتضرر منها
أبناء الناس و ينتفع بها أبناءه ؟ و كيف يدعوني أنا مثلا الشاب البسيط المسالم
كغيري من الشباب الجزائري إلى الدماء ,
بينما أبناءه يعيشون الرفاهية و البذخ و
الترف المحرم ؟ هذا طبعا لا ينطلي على أحد , فليس الشباب الجزائري بالإمعة الذي لا
يميز و لا يُدرك الأمور ...
نعم
هي حقيقة , بعض المعارضين , يعارضون الأنظمة و يعبئون الناس ضدها , و لا يفوتون
فرصة إلا و يحرضون الناس على الاقتتال فيما بينهم , و العجيب في الأمر أنهم
يعارضون من خارج الأوطان , أي أنه مثلا يعارض النظام الجزائري من بريطانيا أو
فرنسا أو حتى من واشنطن و السويد و ألمانيا و دول الخليج , أو يعارض النظام
المغربي من هولندا , و النظام التونسي من بريطانيا , ثم يتشدق بأنه يسعى لتحقيق
الديمقراطية في الدول العربية ؟!
عالم
كبير ! طالعت بعض كتبه و رسائله و فتاويه
, فكانت أغلبها في البدايات تُعارض الغرب , و تحرم التعامل معه و ائتمانه و وضع
الثقة فيه , أو الإلمام بعلومه و استعمال صناعته , اكتشفت مؤخرا بأن أبناءه
تمدرسوا كلهم في الجامعات الأمريكية , و أن منهم حتى التي لا تضع الخمار الذي كان يدعو
بالأمس لإكراه من لا تضعه , قائلا ما لا يفعل , أم فاعلا عكس ما يقول , و الأدهى و
الأمر أنه أصبح يُطلق الفتاوى تلو الفتاوى , يُكفر و يُؤثم و يُجيز القتل لمن يشاء
و لمن لا يشاء , بينما كان بالأمس يُعادي التكفير و التأثيم , و دخل القلوب و نال
المراتب على أنه وسطي معتدل , واحد من العلماء المسلمين المسالمين الذين لا
يتسببون في سيل قطرة دم واحدة , و في آخر المطاف , أصبح يتسبب في سيل الدماء , و يُطبق
فتاويه على الآخرين , بينما يُبطل حكمها لما يتعلق الأمر به و بحاشية أميره , و
بعض المتفيقهين و الكاذبين الذين يدعون الشرعية بالقول باسم الإسلام و الإسلام
منهم بريء , يتآمرون على إخوانهم و يتخندقون في صف فراعين العصر , و لأن صفة
العلماء تسقط عن هؤلاء , سأذكر مواقفهم كاملة , فواحد كان ينادي بضرورة محاربة
الغرب و الدائرين في محيطه , و يصدع الرؤوس صباحا مساءا بمقاومة الطغيان ووضع حد
لطغيانهم , و يدعوا أمريكا بالطاغية الأكبر , كان في طلائع القافلة التي انقلبت
على محاربي الطغيان الصهيو – أمريكي في المنطقة , و الذين كانوا قد افتتحوا الطريق
لتحرير الأمة من الجهل و الطائفية , و توجيهها نحو قضاياها المصيرية , و كان أيضا يصور
الدول الغربية على أنها شيطان الزمان و و يلعنها و ينادي بضرورة محاربتها و رجمها و مقاطعتها , كان يكفّر كل من يتعامل
معها و يضعه في خانة من ناصر الكفار و المشركين و والاهم , لكنه لا يتوانى في بعث
أبنائه للدراسة عندهم هو الآخر و البحث لهم عن مناصب شغل مرموقة , و لا يتوانى في
تلبية الدعوات "ليُحاضر" هناك و يصول و يجول عواصمها في آخر المطاف , و
يحث على الحوار مع الغرب الذي بالأمس قُتل كثيرون مستندين لفتاويه السابقة
المعادية له , أحد هؤلاء , كان يفتي بضرورة تطهير الشوارع و المصانع من الأمَة
المسلمة و المرأة متحجبة كانت أم متبرجة , إذا بابنته لا تضع الخمار أصلا و تدير
شركاته و رحلاته الدعوية التي تركت الدعوة إلى الله , و أصبحت تدعوا للتعايش بين
العلمانيين و المسلمين و كل الأطياف , في سبيل إرضاء الأمير و الحاكم العظيم رعاه
الله , لأنه لو نستند نحن أيضا لفتاويه السابقة , لكفر و أثّم إثرها الحاكم ولي
الأمر الذي منحه القصر الفاخر و الشقق الفاخرة لأبنائه و الحرس و الحشم و الخدم ,
و كفر بقية المسلمين الذين لهم و لو رأي مخالف في موضوع بسيط , و هو ما لا يرضاه
طبعا الآن , إضافة إلى علماء السلطان و البلاط الذين تعج بهم الساحة , و الذي
قصروا الدين الحنيف , و الرسالة المحمدية الشاملة لكل نواحي الحياة , في تقليم
الأظافر و تحليق الشعر و التزين و التعطر و تعدد الزيجات و جمع الأموال و أكل ما
طاب و غيرها , بينما أغفلوا بقية الأمور العقائدية و المصيرية و الهامة جدا , فاللهم
أصلح علماءنا , اللهم أصلح علماءنا , و قدرهم على تأدية الأمانة على أكمل وجه , يا
حليم يا عليم , و ارزقنا حسن الخاتمة ...
إن النصيحة
التي أوجها لكل علماء الأمة و إعلامييها و لعامة الناس على حد سواء , من أراد
الإصلاح فليبدأ من بيته و ليبدأ بأهله و أبنائه , و إن نجح فمرحب به بأن يطبق
نظرياته و أطروحاتها علينا ينفعنا بها و ينفع الأمة ...
واحدة راحت هي الأخرى تنادي بالانتفاضة
, بينما هي في بريطانيا تُدرس و تقبض , و تُعلم أبناء المشركين و تقوي إدراكهم ,
فاختارتهم على أبناء المسلمين , و خصتهم بجهودها دون أبناء المسلمين , فيا
معارضينا ما هذا ؟ و أي معارضة هذه التي تمارسونها ؟ و أي معارضة إسلامية هذه ؟ و
إلى صالح من ؟ هل لأمتكم أم ضدها ؟ نُريد أجوبة جزاكم الله ...
و البون شاسع بين صورة هؤلاء التي يسوقونها للعلن و
حقيقتهم التي رآهم عليها شهود عيان و من بيوتهم أيضا , فالمشاكل تملأ بيوتهم , و
تمثيلياتهم انكشفت حتى مع أبنائهم الذي اكتشفوا أن تطبيق آبائهم بعيد جدا عن
أقوالهم , , كيف لا و بعضهم أباءٌ فاشلون
لم ينجحوا حتى في تربية ثلاث أو أربع أولاد , أخرجوهم منحرفين فاسدين , فكيف بهم
يُربّون و يُصلحون الأمة ؟! و نحن نأسى و نرأف
لأحوال أبنائهم الذين اكتشفوا خللا و شرخا في شخصية آبائهم فدفعهم هذا إلى النقم
عليهم و الانحراف كطريقة لانتقام غير مباشر منهم , و نحثهم على العودة إلى طريق
الصواب و محاولة تنبيه آبائهم إلى ما لم ينتبهوا إليه عسى أن يتفكروا و يعودوا الى
جادة الصواب .
و من أمثلة ذلك أن إنسانا رأيته يُعادي التهميش
, و ينادي بتكافؤ الفرص , يستعمل نفوذه لتشغيل ابنه و الحصول له على عمل رغم علمه
بأن ابنه لا يستوفي الكفاءات التي تخوله لشغل ذلك المنصب , و آخر كان يتهكم على
جيل برمته و هو جيلي و يتهمنا مسبقا بالخذلان و الفشل و الخيانة و الفساد بينما
أبناؤه حدث و لا حرج , و لا تكفي المجلدات لذكر أحوالهم و وصفهم بصفاتهم , و آخر
ينادي بضرب أعناق شاربي الخمور بينما أولاده يتصدرون السكارى , و ذينك يدعو لقطع يد
اللصوص بينما أبناءه لم يتركوا لهم شيئا , و هذا ينادي بمحاربة الفساد و هو لم
يستطع حتى ردعه في بيته , و هلم جرا ...
أما
المصيبة الأكبر و الحقيقة المؤسفة جدا , هي أن يسقط بعض أبناء الحركة الإسلامية
ممن كانت بداياتهم في القمة لهذا القدر من الكذب و النصب على الجماهير , و السمسرة
بقضايا الأمة , و تحقيق الأرباح الطائلة على حساب الجماهير المسكينة , كالوزراء
منهم و المسؤولين الذين لم يطبقوا أي شيء مما زكاهم الشعب لأجله , و أن يصبحوا هم
أيضا و الذين توجست فيهم الشعوب خيرا ضحية للذات الدنيا و أهواء أنفسهم , فيخيبون
و أبناؤهم من الزقوم و أكله .
آخر كان يدعي
دفاعه عن الشباب , فامتطى ظهور الشباب كما تمتطى الحمير , و وصل إلى المناصب , و
في الأخير راح يقول لي بالحرف الواحد , لن أترك لهم مكاني و لو على جثتي ...
و هم في
الحقيقة كثيرون من هذا الصنف و من هذه الأمثال قد ينساق وراءهم المواطن البسيط , و
الشابّ المُقبل على الدنيا ببراءة , لأنهم يدغدغون جيدا مشاعر الجزائريين , و
مشاعر المستضعفين و الفقراء و الفئات البسيطة و البائسين و اليائسين لأن لديهم خبرة
كبيرة في النصب و الاحتيال و التلون , فإن كانت هناك قاعدة تقول , إذا كنت تصدق كل
ما تقرأ فلا تقرأ , فأنا أقول إذا كنت تصدق كل من يَكتب فلا تقرأ , و تَأمن كل من
يكتب فلا تقرأ , و إذا كنت تصدق كل ما تُشاهد فلا تُشاهد , و كل من تُشاهِد فلا
تُشاهد , و إذا كنت تثق في كل من يُفتي فلا تستفتي , و تسمع لكل من يتكلم فلا تسمع
؟!
طرحت الموضوع على مواطن بسيط فقال لي " أن
أرى الذي في النظام بعيوبه الكاملة صريحا و طالحا , خيرٌ من أن أرى هذه العيوب في
من ظننته صالحا " , و يبقى الله عز وجل هو الوحيد المخول بمحاسبة العباد أولا
و أخيرا , و الوحيد الذي يعرف ما في صدورهم , و ما يخفون و ما يبدون , و كما قد
سلطنا الضوء على هذه الأصناف , هناك الطيبون و اللطفاء و الصادقون , الذين يستحقون
الثناء و التقدير على ما يبذلونه في سبيل الأمة , و على ثباتهم و نزاهتهم و
كفاءتهم , فنسأل الله الثبات لنا و لهم ...
جمال الدين الواحدي
إرسال تعليق Blogger Facebook