بعد أن طرقنا جميع الأبواب , و قصدناها
جميعها بحثا عن إكتناف لأحلامنا , و إحتضان لأفكارنا , خيرونا بين الرضوخ لطلباتهم
و التخلي عن مبادئنا و توجيه أخلاقنا إلى الوجهة التي يريدونها , أو البقاء مثلما
نحن هكذا , في كنف التهميش , و بين أحضان العراء الفكري بدون مأوى , تحيى أفكارنا
على أزقة التهميش , و تكتب بحبر متواضع ليس على الأوراق , بل على أرصفة الهامش ...
سجل يا تاريخ : هذا ما علّق جمال الدين
الواحدي , الشاب الجزائري المتعرضة مبادئه للإبتزاز و المساومة , غداة عرضوا عليه
خيانة خطه الذي نشأ عليه , هكذا أرادوا ترويض قلمي الصادق , و هكذا أودوا بأفكارنا
إلى الإنتحار , و هكذا أوانا الإنتحار نحن و أفكارنا , و هكذا و للأسف , إقتنعنا
بأن الإنتحار وحده من فتح لنا أبوابه , فإما أن تكتب , أن تكتب ليس ما يمليه عليك
ضميرك و فكرك و علمك و رأيك , بل ما يعجب هذا و يستحسنه ذاك , و إما أن يحال قلمك
على التقاعد المسبق , قبل أن يبدأ مشواره في إعتلاء القمم , ممن يطالبهم الكلّ ,
صغيرا و كبيرا بالتقاعد , فيمررونه للشباب العازم و الحالم ( و إفتحوا باب التأويل ) ...
هكذا
أُرغمت أفكارنا على الإنتحار , مثلما أُرغِم
قبلها الكثير من المغبونين و فاقدي الأمل , من المحبطين و اليائسين , هكذا
نحروا أفكارنا , هكذا رسموا قبورنا , ثم سيأتون بعدها ليبكوننا بكاء زائفا مثل
حروفهم , يبكون و يبكون ثم يصبون قارورات مياه بجوارنا , و بجوار قبورنا , و في
نفس الوقت يحرمون العطشى منها , و هكذا هم
, تطلب التمرة في الحياة و التي هي حقّك , فيكابرون , و يبخسونك حقك , و لما تموت
يسارعون بعرجون , بل حتى بعراجين لكي يعلــقوها فوق قبرك , و يتراقصون حولها كما
رقصوا على أنغام صرخاتك , أو بنخيل ليزرعوها تماما فوق أفكارك المنتحرة , هكذا هم
, بارعون في التزييف و وضع الأقنعة , و بارعون في التلفيق , يصيرون الصادق كاذبا و الكاذب صادقا , و
يصيرون الشريف العفيف رائدا من رواد الكذب و التزييف , لكنني اليوم أختار
"الإنتحار" , كخيار , على أن أرضخ للمساومات , على الأقل بهذا الإختيار
, سأخرج بأقل الأضرار , فأن أموت شريفا عفيفا , خير من أن أحيى مُزَيِّفا , و أن
أنحر قلمي فيسيل حبره طاهرا زكيا على أرصفة الهامش , خير من أن أجرّه على أفرشة أوراقهم
, أوراقهم البيضاء بياضا ملفقا , و خادعا للبصر , و أن تبقى كلماتي صادقة و عفوية
و لو بسيطة و ركيكة , و مهمشة و غير مسموعة , خير من أن ترصّع كل الأوراق , مزدانة
بحروف كاذبة , و أن تخرج الحروف من لبي , و من قلبي , و من صلبي
لتحمل أحاسيسي لقارئها , خير من أن تخرج من حافة أناملي , خالية من الصدق , ملفقة
و كاذبة, مرفوعة بالخيانة , مكسورة كما قلوب المغبونين , مضمومة عفوا
"مذمومة" ...
أما
كلماتي و أفكاري و نظرتي و نظرياتي السياسية و الإجتماعية و الأدبية المنطلقة أساسا
من مبادئي و قناعاتي و إستنتاجاتي , و التي لا تخرج عن إطارها الأصلي و الذي يجب
أن يكون , و هو الإطار "الإسلامي
العربي الجزائري" , هذه الثلاثية
التي زرعها فينا الشيخ عبد الحميد إبن باديس و إخوته البشير الإبراهيمي و الفضيل
الورثلاني و إلى غيرهم من العلماء الجزائريين الذين كرسوا فينا شعارهم : الإسلام
ديننا , و العربية لغتنا , و الجزائر وطننا ,
, و التي يعيبونها و يعرضونها للمساومة , طبعا يعيبونها لأنها لا تخدم
توجهاتهم و مصالحهم , لا لأنها ركيكة أو صبيانية أو ما شابه , فهي أفضل بكثير مما
يأتي به بعض من الذين انساقوا وراء ابتزازاتهم , فأنا لا أعرضها للمساومة و لن أتخلى عنها و لن أحيد عنها و لو كلفني ذلك الغالي
و النفيس , لأنني مقتنع بها كما هي , و لأنها تحقق لي راحة الضمير , لا تَوافه
ماديّة و دنيوية على حساب الأخلاق و الشيم الحميدة من قبيل الصدق و قول كلمة الحقّ,
و هذا التشبث بأفكاري هو من سيصنع منّي رجلا , و هو من سيصنع لي إسما , و هو سيفي
في وجه هاضمي حقي , الذين تناسوا أن الأفكار لا تموت , و أن الحقيقة تعلوا و لا
يعلوا عليها , و أن الله ينصر المظلوم , ليهزم الظالم , و أن الكلمات المهمشة لما
تكون صادقة و مقنعة وحدها من تخرج بنفسها إلى القراء , و أنها الأقرب إلى قلوب
الشرفاء , و أنها لسان حال المهمشين و المهضومة حقوقهم , و أن التاريخ قد سجّل من قبل أسماء المهمَّشين
الذين إنتصرت أفكارهم , و تناسى (كما تناسى هؤلاء) أسماء قامعيهم و ظالميهم و
مهمِّشيهم , و أنا أرفع ندائي إلى كل الطبقة المثقفة ممن تجمعنا الكلمة , من
إعلاميين و صحفيين و أساتذة و كتاب و مدونين شرفاء أن يدونوا هذا , و أن يساهموا في إحياء قلمي , قلمي المقدم على
الإنتحار , و هو مرغم لا مخير , لأن الإنتحار ملاذه الوحيد أمام قسوة الأمر الواقع
, و أمام خبث الأنذال الذين طفوا على الساحة في الوقت الراهن , و هو مرغم عن
الإبتعاد عن هذه الساحة التي ضحى من أجلها الكثيرون , و على رأسهم الشرفاء , و
التي و للأسف الشديد تطاولت عليها بعض الأيادي العفنة , سعيا منها لتلويثها , لكن
يقيننا كبير بأن الإعلام الجزائري , إعلام شريف و لا مكان فيه إلاّ للشرفاء , و
هذا لا يعني أننا سنستسلم , فقلمنا مازال قابلا للتراجع عن خياره , طبعا من باب
أننا لن نترك الساحة الإعلامية الشريفة لهؤلاء لكي يعبثوا بها , فنحن مسلمون , و
المسلم ينتصر أو يموت , و نحن نحمل في جيناتنا الثورة كجزائريين , و التهميش
يستلزم منا الثورة , و من أوجه الثورة ثورة الأقلام , و هي الأنجع لمعالجة مثل هذه
المواقف ,
فلا تسمحوا لهؤلاء أن يدنسوا ساحتكم الشريفة
, و لا تتركوهم يقضون على أقلام و أحلام الجزائر , و على أشبالها أبناء أسودها , و
على براعمها و أملها , و التي ستفقد
بفقدانهم الكثير الكثير , و الذين قال فيهم الإمام عبد الحميد ابن باديس
يا نشأ أنت رجاؤنا و بك الصباح قد إقترب
فلا تتركوا نجوم الجزائر المرتقبة , تأفل في
بداية مشوارها , و لا تساهموا في إفشال بذور الجزائر , و التي تنتظر الجزائر ينعها
و خروجها إلى العلن ...
هذه
الكلمات و رغم بساطتها , قد يكون أثرها بالغا , و قد تكون خطوة منّي نحو الأمام ,
كما قد تكون نهاية الطريق و آخر نقطة فيه
, هكذا هي الطريق , و هكذا هي الأحلام , قد نحققها أو لا نحققها , قد ننجح أو
يفشلوننا , أقول يفشلوننا , لأن كلمة الفشل لا وجود لها في قاموسنا , منذ مدة و
فكرة "الإنتحار" تراودني كما
العديد من الشباب , و هي غير قابلة للتطبيق نظرا لمرجعيتي و لبنتي الإسلامية
الخالصة , و التي تحارب مثل هذه النزعات و الحلول البائسة ,لكنها تجوب خاطري كل ما يوصد باب من الأبواب في وجهي ,
و ها هي في طريق النيل من قلمي ب " انتحار قلم " , صبرت و صبرت و ها أنا
صابر , و أحلامي تغتال كل يوم , و طريقي التي رسمتها لنفسي , تصل إلى طريق مسدود
بفعل فاعل , المخزي في الأمر أن ذلك الذي يوصد الباب في وجهك هو من يردد على
مسامعك عبارات المواساة , و ينصحك بالصبر , عجيب أمرهم , يضعون أقنعة على وجوههم , يرسمون عليها إبتسامات
مزيفة , و يدونون فوقها عبارات رنانة , لتغازل الأعين , و يكتبون التمثيليات و يمثلونها و يتخذون من رطامنا أرضية
مسرح , و ينشرون الإبتسامات المسمومة , و الإبداعات الموهومة , في
كل موضع و موقع , بينما أحلامنا تنحر , و
أفكارنا تحتضر , و آمالنا تنتحر
و
لسان حالنا يقول نحن الشباب , ما ذنبنا ؟ إن لم نكن ذوي نفوذ و جاه , ما ذنبنا حتى
تقتل أحلامنا في بداية مشوارها , ثم ما ذنبنا لأننا شرفاء في وقت لا مكان فيه
للشرف ...
و
هكذا بين هذا و هذا
ضاعت أحلامنا ...
بعد
ما كان في جعبتنا
فيض من الأفكار و الأحلام
كانت الصدمة , و صدمنا
بأنها كانت مجرد أوهام
و بعد الصدمة اصطدمنا
بجدار هدّام
كتب عليه :
" أحلامكم صارت حطام "
تحطمت و انتثرت
فمن ذا يلملم الحطام
و من ذا يعيد الأمل
لهذه الأقــــــــــلام
هكذا نطق ألمي , و أطلق الآهات قلمي , و هكذا
يرنوا البعض لترويض عزمي لكن " عزمي يأبى حتى أدرك مطلبا" , يا
شباب يا مئات يا ألوف , هنا حقا نعاني من التهميش , لكن هذا لن يحرمنا من أن نعيش
...
هذه حال واحد من الشباب , بين الألوف , و
الملايين , و هذه صرختي , و التي قد تكون الأخيرة ...
جمال الدين الواحدي
إرسال تعليق Blogger Facebook