0
بعد أن طرقنا جميع الأبواب , و قصدناها جميعها بحثا عن إكتناف لأحلامنا , و إحتضان لأفكارنا , خيرونا بين الرضوخ لطلباتهم و التخلي عن مبادئنا و توجيه أخلاقنا إلى الوجهة التي يريدونها , أو البقاء مثلما نحن هكذا , في كنف التهميش , و بين أحضان العراء الفكري بدون مأوى , تحيى أفكارنا على أزقة التهميش , و تكتب بحبر متواضع ليس على الأوراق , بل على أرصفة الهامش ...
سجل يا تاريخ : هذا ما علّق جمال الدين الواحدي , الشاب الجزائري المتعرضة مبادئه للإبتزاز و المساومة , غداة عرضوا عليه خيانة خطه الذي نشأ عليه , هكذا أرادوا ترويض قلمي الصادق , و هكذا أودوا بأفكارنا إلى الإنتحار , و هكذا أوانا الإنتحار نحن و أفكارنا , و هكذا و للأسف , إقتنعنا بأن الإنتحار وحده من فتح لنا أبوابه , فإما أن تكتب , أن تكتب ليس ما يمليه عليك ضميرك و فكرك و علمك و رأيك , بل ما يعجب هذا و يستحسنه ذاك , و إما أن يحال قلمك على التقاعد المسبق , قبل أن يبدأ مشواره في إعتلاء القمم , ممن يطالبهم الكلّ , صغيرا و كبيرا بالتقاعد , فيمررونه للشباب العازم و الحالم  ( و إفتحوا باب التأويل )  ...
 هكذا أُرغمت أفكارنا على الإنتحار , مثلما أُرغِم  قبلها الكثير من المغبونين و فاقدي الأمل , من المحبطين و اليائسين , هكذا نحروا أفكارنا , هكذا رسموا قبورنا , ثم سيأتون بعدها ليبكوننا بكاء زائفا مثل حروفهم , يبكون و يبكون ثم  يصبون  قارورات مياه بجوارنا , و بجوار قبورنا , و في نفس الوقت يحرمون العطشى منها  , و هكذا هم , تطلب التمرة في الحياة و التي هي حقّك , فيكابرون , و يبخسونك حقك , و لما تموت يسارعون بعرجون , بل حتى بعراجين لكي يعلــقوها فوق قبرك , و يتراقصون حولها كما رقصوا على أنغام صرخاتك , أو بنخيل ليزرعوها تماما فوق أفكارك المنتحرة , هكذا هم , بارعون في التزييف و وضع الأقنعة , و بارعون في التلفيق  , يصيرون الصادق كاذبا و الكاذب صادقا , و يصيرون الشريف العفيف رائدا من رواد الكذب و التزييف , لكنني اليوم أختار "الإنتحار" , كخيار , على أن أرضخ للمساومات , على الأقل بهذا الإختيار , سأخرج بأقل الأضرار , فأن أموت شريفا عفيفا , خير من أن أحيى مُزَيِّفا , و أن أنحر قلمي فيسيل حبره طاهرا زكيا على أرصفة الهامش , خير من أن أجرّه على أفرشة أوراقهم , أوراقهم البيضاء بياضا ملفقا , و خادعا للبصر , و أن تبقى كلماتي صادقة و عفوية و لو بسيطة و ركيكة , و مهمشة و غير مسموعة , خير من أن ترصّع كل الأوراق , مزدانة بحروف كاذبة , و أن تخرج الحروف من لبي ,  و من قلبي  ,       و  من صلبي لتحمل أحاسيسي لقارئها , خير من أن تخرج من حافة أناملي , خالية من الصدق , ملفقة و كاذبة, مرفوعة بالخيانة , مكسورة كما قلوب المغبونين , مضمومة عفوا "مذمومة" ...
 أما كلماتي  و أفكاري و نظرتي و نظرياتي  السياسية و الإجتماعية و الأدبية المنطلقة أساسا من مبادئي و قناعاتي و إستنتاجاتي , و التي لا تخرج عن إطارها الأصلي و الذي يجب أن يكون , و هو  الإطار "الإسلامي العربي الجزائري"  , هذه الثلاثية التي زرعها فينا الشيخ عبد الحميد إبن باديس و إخوته البشير الإبراهيمي و الفضيل الورثلاني و إلى غيرهم من العلماء الجزائريين الذين كرسوا فينا شعارهم : الإسلام ديننا , و العربية لغتنا , و الجزائر وطننا , 
, و التي يعيبونها و يعرضونها للمساومة , طبعا يعيبونها لأنها لا تخدم توجهاتهم و مصالحهم , لا لأنها ركيكة أو صبيانية أو ما شابه , فهي أفضل بكثير مما يأتي به بعض من الذين انساقوا وراء ابتزازاتهم , فأنا لا أعرضها للمساومة  و لن أتخلى عنها و لن أحيد عنها و لو كلفني ذلك الغالي و النفيس , لأنني مقتنع بها كما هي , و لأنها تحقق لي راحة الضمير , لا تَوافه ماديّة و دنيوية على حساب الأخلاق و الشيم الحميدة من قبيل الصدق و قول كلمة الحقّ, و هذا التشبث بأفكاري هو من سيصنع منّي رجلا , و هو من سيصنع لي إسما , و هو سيفي في وجه هاضمي حقي , الذين تناسوا أن الأفكار لا تموت , و أن الحقيقة تعلوا و لا يعلوا عليها , و أن الله ينصر المظلوم , ليهزم الظالم , و أن الكلمات المهمشة لما تكون صادقة و مقنعة وحدها من تخرج بنفسها إلى القراء , و أنها الأقرب إلى قلوب الشرفاء , و أنها لسان حال المهمشين و المهضومة حقوقهم ,  و أن التاريخ قد سجّل من قبل أسماء المهمَّشين الذين إنتصرت أفكارهم , و تناسى (كما تناسى هؤلاء) أسماء قامعيهم و ظالميهم و مهمِّشيهم , و أنا أرفع ندائي إلى كل الطبقة المثقفة ممن تجمعنا الكلمة , من إعلاميين و صحفيين و أساتذة و كتاب و مدونين شرفاء أن يدونوا هذا ,  و أن يساهموا في إحياء قلمي , قلمي المقدم على الإنتحار , و هو مرغم لا مخير , لأن الإنتحار ملاذه الوحيد أمام قسوة الأمر الواقع , و أمام خبث الأنذال الذين طفوا على الساحة في الوقت الراهن , و هو مرغم عن الإبتعاد عن هذه الساحة التي ضحى من أجلها الكثيرون , و على رأسهم الشرفاء , و التي و للأسف الشديد تطاولت عليها بعض الأيادي العفنة , سعيا منها لتلويثها , لكن يقيننا كبير بأن الإعلام الجزائري , إعلام شريف و لا مكان فيه إلاّ للشرفاء , و هذا لا يعني أننا سنستسلم , فقلمنا مازال قابلا للتراجع عن خياره , طبعا من باب أننا لن نترك الساحة الإعلامية الشريفة لهؤلاء لكي يعبثوا بها , فنحن مسلمون , و المسلم ينتصر أو يموت , و نحن نحمل في جيناتنا الثورة كجزائريين , و التهميش يستلزم منا الثورة , و من أوجه الثورة ثورة الأقلام , و هي الأنجع لمعالجة مثل هذه المواقف  ,
فلا تسمحوا لهؤلاء أن يدنسوا ساحتكم الشريفة , و لا تتركوهم يقضون على أقلام و أحلام الجزائر , و على أشبالها أبناء أسودها , و على براعمها و أملها  , و التي ستفقد بفقدانهم الكثير الكثير , و الذين قال فيهم الإمام عبد الحميد ابن باديس
يا نشأ أنت رجاؤنا              و بك الصباح قد إقترب
فلا تتركوا نجوم الجزائر المرتقبة , تأفل في بداية مشوارها , و لا تساهموا في إفشال بذور الجزائر , و التي تنتظر الجزائر ينعها و خروجها إلى العلن   ...
 هذه الكلمات و رغم بساطتها , قد يكون أثرها بالغا , و قد تكون خطوة منّي نحو الأمام , كما قد تكون  نهاية الطريق و آخر نقطة فيه , هكذا هي الطريق , و هكذا هي الأحلام , قد نحققها أو لا نحققها , قد ننجح أو يفشلوننا , أقول يفشلوننا , لأن كلمة الفشل لا وجود لها في قاموسنا , منذ مدة و فكرة "الإنتحار" تراودني  كما العديد من الشباب , و هي غير قابلة للتطبيق نظرا لمرجعيتي و لبنتي الإسلامية الخالصة , و التي تحارب مثل هذه النزعات و الحلول البائسة ,لكنها  تجوب خاطري كل ما يوصد باب من الأبواب في وجهي , و ها هي في طريق النيل من قلمي ب " انتحار قلم " , صبرت و صبرت و ها أنا صابر , و أحلامي تغتال كل يوم , و طريقي التي رسمتها لنفسي , تصل إلى طريق مسدود بفعل فاعل , المخزي في الأمر أن ذلك الذي يوصد الباب في وجهك هو من يردد على مسامعك عبارات المواساة , و ينصحك بالصبر , عجيب أمرهم ,  يضعون أقنعة على وجوههم , يرسمون عليها إبتسامات مزيفة , و يدونون فوقها عبارات رنانة , لتغازل الأعين , و يكتبون  التمثيليات و يمثلونها و يتخذون من رطامنا أرضية مسرح  , و ينشرون  الإبتسامات المسمومة , و الإبداعات الموهومة , في كل موضع و موقع ,  بينما أحلامنا تنحر , و أفكارنا تحتضر , و آمالنا تنتحر
 و لسان حالنا يقول نحن الشباب , ما ذنبنا ؟ إن لم نكن ذوي نفوذ و جاه , ما ذنبنا حتى تقتل أحلامنا في بداية مشوارها , ثم ما ذنبنا لأننا شرفاء في وقت لا مكان فيه للشرف ...
 و هكذا بين هذا و هذا
ضاعت أحلامنا ...
 بعد ما كان في جعبتنا
فيض من الأفكار و الأحلام
كانت الصدمة , و صدمنا
 بأنها كانت مجرد أوهام
و بعد الصدمة اصطدمنا
بجدار هدّام
كتب عليه :
 " أحلامكم صارت حطام "
 تحطمت و انتثرت
فمن ذا يلملم الحطام
و من ذا يعيد الأمل
لهذه الأقــــــــــلام
هكذا نطق ألمي , و أطلق الآهات قلمي , و هكذا يرنوا البعض لترويض عزمي لكن " عزمي يأبى حتى أدرك مطلبا"  , يا شباب يا مئات يا ألوف , هنا حقا نعاني من التهميش , لكن هذا لن يحرمنا من أن نعيش ...
هذه حال واحد من الشباب , بين الألوف , و الملايين , و هذه صرختي , و التي قد تكون الأخيرة ...
 جمال الدين الواحدي

إرسال تعليق Blogger