رغم أنّ الشّباب يشكّلون الجزء الأكبر من
تركيبة المجتمع الجزائري إناثا وذكورا غير أنّ لا أثر لهم في الحياة السّياسية
حتّى أضحت رؤية مدير صغير السنّ في مؤسّسة عمومية أو على رأس وزارة ما معجزة لا
يحلم بها أشدّ النّاس تفاؤلا،
والأمر نفسه في باقي مؤسّسات الدّولة باستثناء
المؤسّسة الأمنية التي لامسها الدّاء أيضا في رأسها ونخشى أن يمتدّ لباقي الجسد،ولا
يقتصر الأمر على مؤسّسات الدّولة فقط بل حتّى المجتمع المدني لا يقوم على هيئاته
إلاّ كبار السّن وهو مايجسّد حالة من
وصاية وأبوية الكبار على الصّغار تكاد
تأتي على البلاد بأكملها،ذلك أنّ الطبيعة لا تحتمل الفراغ وطاقات الشّباب إن لم
تُستغلّ لمصلحة البلاد سيأتي حتما من يستغلّها ضدّ تلك المصلحة وهو ما نشاهده في
عديد البلدان العربية التي سار مسؤولوها على نهج نظرائهم في الجزائر فسقطوا
وأسقطوا دولهم لأنّهم لم يٌعدّوا جيلا يخلفهم بسبب الرّعونة وسوء التّقدير الذي
يحملونه لكلّ فكر أو عمل تجديدي لاسيما إن صدر عمّن يعتبرونه صغيرا لا يفرّق بين
جمر وتمر.
إنّ حقيقة العلاقة التي تربط الشّباب
الجزائري بالعمل السّياسي اليوم تتراوح بين الرّغبة الجامحة في الإمساك بمقاليد
الحكم والمسؤولية من أدناها إلى أقصاها من جهة،و من جهة أخرى الإقصاء الذي يتعرّض
له الشّباب الواعي المثقّف من قبل المجتمع الذي يراه حالما ومتطلّعا أكثر ممّا يجب
بسبب تقليد سياسي واجتماعي رسّخ فكرة المسؤولية لكبار السّن فقط في ذهن الفرد
الجزائري كنتيجة لنصف قرن من الممارسة السّياسية ذات البعد التّسلّطي والفكر
الأبوي الذي واكبها وأيضا كنتيجة لإبعاد مراكزالبحث وإنتاج الفكر من جامعات ومؤسّسات تعليمية أخرى عن السّياسة
ما ولّد حالة من الإرتباك والضّبابية في الأوساط العلمية ولّدت هي الأخرى شعورا
بالعدائية تجاه كلّ ماهو سياسي.
الشّعور بالعدائية تجاه الفعل السّياسي يمكن
تلمّسه بسهولة في الأوساط الطلاّبية حيث ينأى الطّالب بنفسه عن السّياسة ويفرّ حتى
طالب الحقوق أو العلوم السّياسية من مناقشة الرّاهن السّياسي فرار الشّاة ذعرها
الذّئب بعدما ألقت "النخب المستقطبة" و أصحاب النّوايا الدنيئة من
إطارات الجامعات في روع الطّالب أن النّقد والمعارضة رذيلتان سياسيتان يحرّم عليه
مجرّد التّفكير فيهما،لهذا لم يعد مستغربا أن يجهل الشّاب المثقّف أسماء مسؤوليه
وسياساتهم فضلا عن ممارسة الفعل السّياسي،وهو ما يقودنا إلى القول بأنّ مناهج
التّعليم القائمة على التّلقين والحفظ اللّذان يحرمان المتعلّم من ممارسة التّفكير
النّقدي التي يتربّى عليها الفرد في مختلف
مراحل تعليمه ولا سيما الجامعي تعلّم الطّالب الجنوح إلى اللاّمبالاة
واللاّمسؤولية والتهرّب من العمل المجتمعي إن جازت التّسمية ممّا ترك المجال
لطائفة غير مؤهّلة للعمل السّياسي إلى ولوج مؤسّسات هامّة في الدّولة كالبرلمان
الذي غزاه الحرفيون والأثرياء الجدد من رجال الأعمال الفاقدين لأيّ تكوين علمي
وسياسي وهي معضلة أخرى ليس المجال للتوسّع فيها في هذه السّطور.
إضافة إلى سياسة التّخويف من العمل السّياسي
التي مارستها ولا تزال تمارسها السّلطة منذ بداية التعدّدية السّياسية بصفة خاصّة
الممزوجة بأفكار معلّبة بخصوص لاجدوى الوعي السّياسي التي تبثّها في المجتمع من
خلال وسائل الإعلام،والتّشنيع بكلّ الأنشطة السّياسية التي يكون مصدرها الشّباب
كما حدث قبل الرّئاسيات الأخيرة وجدت السّلطة في البيئة السّياسية مرتعا خصبا
للإقصاء عند الأحزاب خارج السّلطة ولا نقول المعارضة لانعدام هذه الأخيرة أو
تشتيتها في أحسن الأحوال حيث تسيّر بنفس منطق السّلطة؛فهي إمّا بعيدة عن القاعدة
الشّعبية وإمّا عاجزة عن اجتذاب الشّباب للإنضمام إليها بسبب تذبذب نشاطها
والارتكاز على العمل المناسباتي،وكذا سيطرة كبار السّن عليها وهو ما أدّى إلى نفور
الشّباب منها بالنّظر إلى وجود نفس الوجوه على رأسها وهو ما عقّد العلاقة بين
الشّباب والنّضال السّياسي أكثر وأفقد هذا الأخير مصداقيته ونكهته.
من
خلال العلاقة المتوتّرة بين الشّباب والسّياسية نخلص إلى القول أن هذه الحالة
المرضية لها دور كبير فيما وصلت إليه البلاد من عجز ووهن وفساد مسّ جميع المستويات
والقطاعات والهيئات وهو ما أدّى إلى صعوبة إحداث التّغيير اللاّزم من أجل رفع
مستوى الأداء السّياسي في الجزائر وتحقيق طموحات الشّعب الجزائري الراغب في تحقيق الرّقيّ الحضاري وبلوغ مستوى معيشي يليق
بإمكاناته ويساهم في إنجاز الطّفرة
المطلوبة لبلوغ ما تنشده كلّ مجتمعات العالم الثّالث من نهضة لا تجد سبيلا للوصول إليها لحدّ اليوم
لأنّ العماد الذي تقوم عليه هذه النّهضة مغيّب ومحتقر وسواعد الشّباب التي من
المفترض أن تبني البلاد مثقلة بقيود القهر والظّلم وليد البيروقراطية المقيتة و
الأبوية الجاثمة على صدور الشّباب.
بقلم:فيصل
عثمان*
إرسال تعليق Blogger Facebook