0

الإخوة الجزائريين ذاقو الأمرين من إرهاب الظلاميين. على إمتداد عشرة سنوات لم يبق حي ولا قرية لم تقطع فيها أوصال الأبرياء : قتلوا مثقفين، إعلاميين، ممثلين، فنانين، صحفيين، محامين، طلبة، نساء، أطفال، شيوخ، تجار، فلاحين، صنايعية، بطالين، أغنياء، فقراء، مهاجرين، أجانب، ضيوف، سواح، رعاة. كفروا المجتمع وسفكوا الدماء في كل ربوع البلاد. تم ذلك باسم الدين وباسم الجهاد !!!! أذلو الجزائر و وضعوها على ركبتيها أمام العالم ! قتلو في الجزائري نخوة التحرر الوطني وعزة الثورة .. ولهذا السبب هزم الشعب الجزائري الأفعى وقطع رأسها في الإنتخابات، لأنه يعرف أنهم خونة،يعرف أنهم صنيعة الإستعمار متسترين بالدين. الليبيون أيضا
، الليبيون لأنهم اكتووا بنار الآستبداد باسم الكتاب الأخضر ! قرروا ألا يعطوا رقابهم لاستبداد جديد أبشع باسم كتاب جديد ، جاعلين كتاب الله بعيدا عن أوساخ السياسة، و مطامع أهل الدنيا. وهذا جيد .. جيد لأن إسقاط الارهابيين المفترين على الله وعباده في الجزائر وفي ليبيا يمنع توسع الأفعى في تونس. و لكن في المقابل يجب الإنتباه إلى أن نجاح الشعب الجزائر والشعب الليبي في فرض حكم مدني، سيدفع بالأمريكي إلى مراجعة حساباته في التعامل مع تونس، و تقديم مزيدا من الدعم لحركة النهضة. فالغرب الآستعماري يعمل على إفساد نتائج الثورة بأن تصبح تونس معقلا للارهاب، للضغط على الدولة الوطنية الجزائرية ومقايضتها على استقلالها وعلى قرارها الوطني وعلى ثرواتها الطبيعية ! يريدون لتونس أن تكون "ماعون" المهمات القذرة في شمال إفريقيا وغرب الصحراء، مقابل إستمرار حركة النهضة في السلطة، و تعطيل الإنتقال الديمقراطي، لاطفاء جذوة الثورة التونسية وأريجها وامتدادها في العالم، وإستعادة الشعوب لثقتها في ضرب معاقل الرأسمالية الظالمة.  

 المطلوب من الشعب التونسي ، شعب الحرية, ونخبه الديمقراطية العصرية أن يقطعوا ذيل الأفعى، ثم رأسها، ثم إزالة أثار سمومها تصديا للمشروع الآستعماري العدواني القاضي بإفشال الثورة.


على الأحزاب والمنظمات الوطنية التقدمية المعنية بمدنية الدولة كحد أدنى وبتحقيق أهداف الثورة. أن تلتقي جميعها في جبهة وطنية ديمقراطية موحدة، يكون إتحاد الشغل سندها و ضمانة انتصارها. تستعد لخوض الانتخابات، و تنظم صفوفها لما بعد الإنتخابات . فهولاء الظلاميين يرفعون شعار الديمقراطية فقط للوصول للسلطة بمنطق (الغاية تبرر الوسيلة)، و لكنهم لا يؤمِنون بها للتنازل على الحكم !!! ويجب أن يدرك الجميع أنه ليس هنالك حركة أصولية سلمية في العالم مطلقا لأنها جماعات تتخذ أساليب قديمة و بدائيّة في حكمها وإدارتها لمجتمع عصري مختلف بشكل جوهري و حاسم على معطيات مجتمع الجزيرة العربية في القرن السابع ميلادي ( مثلا ). و لذلك نجحت حركة طالبان عبر العنف في وقت قياسي، في تدمير معالم الدولة الأفغانية بشكل تام، كما نجحت في تخريب المجتمع و تفكيك منظومة قيم التعامل المعاصرة, و معايير التواصل المدني. فالأصولية، بوصفها منفصلة عن العصر ، لا يمكنها الاستمرار دون أن تكون عنيفة، بل إن العنف أحد مٌكوّناتها المركزية في نشأتها وتكوينها وممارساتها، بدءا بجلد الرّضّعْ، و إغتصاب الأطفال .. وقطع الأطراف .. وصولا إلى جلد العشاق حتى الموت ! (طبعا تسمي الأصولية هذه الهمجية المرضية وهذا التطرف "جهادا في سبيل الله"). ولا شك أن هذا العنف الأعمى و البشع المتجلي حتى في لباس الجماعات المتطرفة ونمط حياة أفرادها الغريب عن العصر، ينبع من كون حركات الاسلام السياسي مجبرة على لَيِّ عنق التاريخ، و إجباره على الدخول في قالب أصغر منه ! أي إجبار المجتمع و الدولة على مغادرة العصر، و العودة الاستيهامية في الزمن أفواجا أفواجا ، وقوافلا قوافلا .. سيرا على الأقدام أو ركوبا على الإبل من الآن وال هنا (2012) إلى سنة (611) .

 و لئن كانت محاولات دفع المجتمع إلى الإرتداد ستفشل بحكم منطق التاريخ والتقدم الإنساني، فإن هذه الجماعات المرشحة للاندثار ستظل تحارب العصر وتفسد في الأرض وتسفك الدماء بكل ما أوتيت من أرواح خاوية وقلوب قاحلة. 


على شباب الثورة، الشباب الديمقراطي أن ينتظم في "خلايا حماية الثورة" ميدانيا ، لمنع الميليشيات السوداء من إرهاب المواطنين و فرض الإذعان عليهم، وإخراجهم من دائرة رفض الرِّدَّةْ .. إنهم عبارة عن كائنات تقيم خارج التاريخ لا مشترك بيننا و بينهم. و ليس هنالك أي خطاب يثنيهم عن توجيه البطش الخارج عن القانون ضد الأبرياء. ولذلك مطلوب مواجهتهم في الشوارع بلا رحمة إن هم واصلوا إعتداءاتهم على المواطنين. إنهم مجرد غيمة سوداء في سماء البلد !    

 لماذا فشل الإسلاميون الجزائريون في الفوز بالأغلبية خلال إنتخابات البرلمان (ماي 2012) ..

(تعقيب)


عبارة "النظام العسكري في الجزائر"، ليست عبارة دقيقة بالقدر الكافي . بالتأكيد ما زالت للمؤسّسة العسكرية دور مهم في المشهد السياسي من خلال أحزاب السلطة. ولكن يجب القول أيضا أن الرئيس بوتفليقة إستطاع تقليم أظافر الجنرالات بشكل كبير جدا. ولم يعد سلطانهم كاسحا، مقارنة بنفوذهم المطلق في الدولة، كما كانوا سابقا. والدليل على ذلك غياب أسماء كبيرة خلال السنين الأخيرة إما بالموت أو بالتقاعد أو بالازاحة. فأين هم الجنرالات الذين حكموا البلد بشكل فعلي إلى حدود الفترة الرئاسية الثانية لبوتفليقة ؟ أين (عصابة الـ 15) من كبار الضباط الذين أزاحهم الرئيس واحدا واحدا وقد سبق و وصفهم على الملأ باحتكار صفقات الفساد ؟ أين العربي بلخير و محمد لمين مدين (توفيق) واسماعيل العماري و حسين بلجلطي ورياض توفيق و خالد نزار و محمد تواتي وغيرهم ؟؟؟ لم يبق من "ضباط الجيش الفرنسي" (على حد تعبير الإخوة في الجزائر ) سوى البعض الذين ساروا في ركاب بوتفليقة وحزب جبهة التحرير وفق شروط الرئاسة وليس العكس مثل عبد المالك قنايزية و آخرون . هذا أولا. 



الباب الثاني، لا شك أن الإصلاحات الجوهرية الجارية منذ سنوات حكم بوتفليقة، تجعل الوضع السياسي مختلفا على الخريطة السياسية في تونس أو غيرها من بلدان الربيع العربي، رغم تشابه الأوضاع الإجتماعية . حيث تم التخلص من المديونية و تعزيز الوضع المالي على الصعيدين الداخلي والخارجي. مضاف إلى ذلك عودة السلم المدني وهو العمل الأكثر أهمية باعتباره شرط أساسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي،و يمكن أن يعتبر الإنجاز الأكبر للرئيس بوتفليقة وللدولة وللشعب الجزائري عموما خلال السنوات العشر المنقضية . فبعد عودة الاستقرار، استثمرت الجزائر بكثافة في البنية التحتية للموارد البشرية و الآن إمكانياتها قوية واقتصادها يسجل منذ عام 2000، متوسط نمو قدره 5 بالمائة في القطاعات غير النفطية ،كما انخفض معدل البطالة تحت عتبة الـ 15 بالمائة، وهذه كلها من نتائج برامج الاستثمار الضخمة التي سطرتها الدولة. وخلقت بذلك ديناميكية اقتصادية تركت مجالا كبيرا للشراكة الأجنبية المهمة. وشجعت المستثمر الجزائري على العمل في بلاده . وأنا شخصيا أعرف العديد من الذين عادوا للاستثمار في بلدهم، وهم سعداء بذلك ويشعرون بالامان وبأفق واعد لهم ولبلدهم على حد السواء .ودون الدخول في تفاصيل أكثر . كان لابد أن تصاحب الاصلاحات الادارية و الاقتصادية إصلاحات سياسية. الإصلاحات السياسية، صحيح لم تكن جذرية ولكنها مهمة جدا . ولعل مشاركة 44 حزبا في الانتخابات التشريعية الماضية (ماي 2012) دليل على الانفتاح السياسي الجاري منذ سنوات.كما أنه على اثر إندلاع الثورات العربية استعجلت الدولة اتخاذ إجراءات إيجابية مثل الإعلان عن إلغاء حالة الطوارئ والشروع في تخفيض أسعار المواد الأساسية ورفع الرواتب ... وبالنتيجة ساعدت هذه الخطوات في ارتفاع شعبية جبهة التحرير الوطني. فضلا على أن السنوات العشر السوداء التي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن المنصرم جعلت الأحزاب الإسلامية لا تحظى بترحيب بين الجزائريين مثلما حدث في دول مجاورة.. وخاصة النساء اللواتي شاركن في الانتخابات بنسب مذهلة هذه المرة. وبالمناسبة حصلت 148 إمرأة على مقعد في البرلمان من جملة 462 . منهن 3 نساء فقط للاسلاميين !

النقطة الثالثة ، إجابة على قول  أحد الأصدقاء : "وبالتالي لا يمكن القول ان الشعب الجزائري قد لفظ الاسلاميين وربما لو تتاح لهذا الشعب فرصة انتخابات حرة ونزيهة وعلى الاغلب بعد انتفاضة او ثورة سيختارون كغيرهم الاسلام السياسي". هنا، أذكر بمسألة مهمة للغاية ، يبدو أن البعض لا يعيرها  مكانتها الكافية في فهم الوضع السياسي للجارالجزائري: الإرهاب ، المذابح ، ال-150 ألف قتيل ! الآلاف المولفة من المفقودين ! ألم يكن للاسلامين ضلع في سنوات القتل والدم ؟إن دم الأبرياء الذي استبيح على إمتداد سنينا طويلة، ليس ماء غدران منسية ، بل إن ذلك الدم المراق قد تقدم للانتخابات هو الآخر وقال كلمته في رفض الأحزاب الاسلامية.

أذكر أيضا أن حركة مجتمع السلم أكبر حزب إسلامي في الجزائر، استطاع بوتفليقة جرها للمشاركة في الحكم. ولقد كان لها 52 مقعدا من إجمالي 389 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني قبل إنتخابات ماي 2012. كما تولى أربعة من أعضائها حقائب وزارية في الحكومة .. بحيث كانت جزءا من الائتلاف الحاكم بالجزائر. غير أنها أعلنت انفصالها بشكل إنتهازي -قبيل الانتخابات- عن الائتلاف الحاكم (الذي كان يضم أيضا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي). وشكلت حركة مجتمع السلم تكتلا إسلاميا تحت مسمى "الجزائر الخضراء" مع حزبين إسلاميين آخرين. وهذا الأنفصال كان انتهازيا، إذ تم في ضوء فوز الحركات الأصولية بالانتخابات في علاقة بالربيع العربي . أي أن جماعة (حمس) طمعوا في إنعكاس إنتصار الأصولية في المغرب وفي تونس على امكانيات الأصولية في بلدهم. ولذلك سارعوا بتجميع باقي الطيف الإسلامي في ما جبهة سموها "الجزائر الخضراء" .

 ملخص القول أن الشعب الجزائري خبر الاسلامين في نهر من الدماء ، وخبرهم وهم في الحكم ، وخبرهم وهم يقلبون "الفيستة" ظنا منهم أنهم حاصدون للاغلبية في البرلمان على إيقاع ما يجري في المحيط العربي .. فحصدوا نتيجة انقلابهم بعد أن فات الآوان. لكل هذا، لدي أكثر من سبب للقول أن الجزائر دولة وطنية لا يجب أن تعصف بها الاضطرابات التي تهدد بتمزيقها فيما لو وصلت جماعات إرهابية أو نصف إرهابية للحكم.. 


                                                عزالدين بوغانمي

إرسال تعليق Blogger