هذا الحوار الافتراضي عبارة عن أجوبة لأسئلة
عديدة جاءتني من الإخوة على صفحات الفيس بوك , سأردّ عليها كاملة , كما أن معظم
التعاليق هي للإخوة على الصفحات و لا دخل لي في تزكيتها أو تأكيدها أو نفيها , فقط
ما يخصنا من هذا الحوار هو الأجوبة و
التركيب ...
هو شابٌّ طموحٌ و حالم , دائم الابتسامة و ذو حسّ مرح , يخوض حربه مِن
أجل الأمل في هدوء , بنظرته الغامضة التي نصفها
غموض و نصفها الآخر طموح و أمل , و بلغته العربية الفصحى المَمزوجة بالحسرة على لغة
العروبة , و بتواضعه و ابتسامته العريضة ,
و بين أحلام الماضي و ذكرياته , و طموحات المُستقبل و تحدياته , يجول بنا جمال
الدين , و عن الواقع الراهن المُرّ -على حدّ تعبيره- يحدثنا , عن أحلام أترابه من الشباب , عن الهموم الحضارية
و الثقافية , عن الهموم السياسية و الفكرية , " جمال الدين الواحدي" , أحد
أصغر الإعلاميين و الكتاب في العالم العربي , واحد من متعدّدي المواهب , و كاتب
الشَّباب الأول , بعد حصار إعلامي طويل فرضه على نفسه , كان لنا معه هذا الحِوار ...
-
كيف هي أحوال جمال الدين ؟
الحمد لله نحمده و نشكره و نستعينه , الحمد
لله على كل حال , و في كل زمان و مكان .
-
ما سرّ هذا الغياب ؟ لم نَعد نسمع عنك شيئا ,
و لا حتى نقرأ لك ؟
الفعل هاهنا ليس غِـيابا , بل هو تغييب فُرض
علينا نحن الشباب في الساحة الأدبية و الإعلامية , لكنّني أحضّر عودة قوية , أعود
بها إلى السّكة بإذن الله ...
-
من هو جمال الدين الواحدي ؟
-
جمال الدين الواحدي , هو شاب جزائري مُبدع ,
ولد و ترعرع بين أحضان الجزائر العميقة , ولاؤه الأول للإسلام , ثم العروبة و
الجزائر , ثلاثية عبد الحميد بن باديس و البشير الإبراهيمي و رفقاؤهما رحمة الله
عليهم جميعا , ناشئ من نشء جمعية العلماء المُسلمين , يسير على درب شباب الثورة
الجزائرية المُباركة , العربي بن مهيدي و طالب عبد الرحمن و محمد بوراس و بوزيد
شعال و كل الشهداء الجزائريين رحمهم الله , جزائري حتى النخاع , فخور كل الفخر بكونه
مسلما عربيا جزائريا , ثم سيرتي الذاتية و مسيرتي الإعلامية , فلن أتحدث عنها , فما زلت بعد في
بداية الطريق و المشوار ...
-
أعطنا لمحة فقط ؟
اسمي الكامل هو جمال الدين الواحدي , من
مواليد سنة 1997 في مدينة عين آزال بسطيف , لعائلة مشهورة بحفظ القرآن و تدريسه
تنحدر من قرية الحامة المتواضعة , حفظت جزء يسيرا من القرآن الكريم في الزاوية
الواحدية التي أسسها أجدادي بذات القرية , درست المرحلة الإبتدائية و المتوسطة
بمدينة عين آزال , و هنا ظهرت بوادر الإبداع .
-
أين كانت البداية ؟
البداية وحدها قصة طويلة ..
-
اروها لنا إذن ؟
كانت بحُلم , ولد في طفولتي , و كبُر معي و
مازال يلازمني إلى اليوم منذ أن كنت طفلا صغيرا , و بالضبط في ابتدائية محمد البتش
المُتواضعة و في حصة التعبير الكتابي , الأحب إلى قلبي آنذاك , بدأت أكتب عن عبد الحميد
بن باديس , و عن الشهداء رحمهم الله و الشخصيات الجزائرية , و لا أفوّت فرصة إلّا
و كتبت فيها , و أعبِّر بطريقة أعجبت الجميع
بمن فيهم المعلمون و الطاقم الإداري , كنت محل إشادة المُعلم , هو من اكتشف مواهبتي
في سنٍّ مبكرة , و هو من بث فيّ الثقة ...
إبن عائلة مُثقفة و بسيطة , لا أخفي
عليكم أنها وفرت لي محيطا رائعا ساهم بقسط كبير في إنماء قدراتي , لذلك تربيت في مناخ علمي
, أناقش مواضيعا أكبر من سنّي بكثير , و السّبب ملازمتي للجرائد و المجلات , و
المُطالعة التي أخذت الحيز الأكبر من اهتمامي و ووقتي , هي صديقي الأول , و رفيق
دربي إلى اليوم , المطالعة ثم المُطالعة, لم يكن هناك شيء يضاهي في نظري المُطالعة
, متعتها الفريدة و الخاصة أبدلتني متعة اللعب , فلم أكن أصرف دنانيري الصغيرة في
الحلويات مثل أقراني , بل في شراء الجرائد و قصص الأنبياء و المجلات , و كنت ألازم
التلفزيون الجزائري كذلك في غالب الأحيان , و لا سيما البرامج التثقيفية و
التنافسية كبرنامج آخر كلمة لنافع الجندي , و خاتم سليمان و ساعة من ذهب للأستاذ
سليمان بخليلي , كما أنني كنت متأثرا بقناة الجزيرة و برامجها , و لا سيما "الاتجاه
المعاكس" ل"فيصل القاسم" و الشريعة و الحياة للشيخ الدكتور يوسف
القرضاوي ...
-
دعنا نعد إلى " الصحافة " المكتوبة
, و بالضبط إلى المراحل الأولى من عمرك , كيف كانت علاقتك بالصحافة ؟
كنت مولعا بالصحافة منذ صغري , و كثيرا ما
كنت أقرأ من صحيفتين إلى ثلاث يوميا مع بعض الكتب الدينية و المتنوعة ,هذه العوامل
صنعت حلمي الإعلامي ...
-
كيف اكتشفت قدراتك بالضبط ؟
سأروي لك القصة من أولها , لم تكن حصة تستهويني
مثل حصة التعبير الشفهي و الكتابي , ذات يوم طلب منّا المُعلّم أن نعلق على مباراة
في كرة القدم , و لما حان دوري رفعت صوتي بصيحة اولالالا الشهيرة لحفيظ دراجي حيث
أنني كنت معجبا به و بمهاراته في التعليق , بُهر المعلم و صفق لي كثيرا , ومن ذلك
اليوم و أنا ألقب "بالمعلق الصغير" و ازداد تعلقي بالإعلام الرياضي و
صنعت لنفسي طريقة خاصة , كما كنت ألقي عليهم وقفات من التاريخ , و ألقي على
مسامعهم الأناشيد الوطنية , و من الطرافة أنني في أيام الصغر كثيرا ما كنت أتحدث بالحكم
و الأمثلة و المواعض , حتى لقبت ب"الفيلسوف" الذي مازال يلازمني إلى
اليوم , فأنا كما تعلم تربيت بين الكتب بعدها انتقلت إلى متوسطة قرة إبراهيم بذات
المدينة , هنا كانت بدايتي مع مقالات في إنتقاد الموضة , العولمة , الغزو الثقافي ,
هندام التلاميذ و غيرها من المواضيع التي تعني التلميذ , ثم بعدها في مواضيع تاريخية
و سياسية , و هنا كانت الإرهاصات الأولى ,
و هنا كثرت مقالاتي , و كنت أحرر عديدا من المجلات الدراسية , كبر حلمي , و توسعت مواهبي و بالضبط مع الخواطر
, كانت مواضيعي الأولى في الشعر و الخواطر ك"خربشات تلميذ " , و التي تتركز
مواضيعها عن الفقراء و اليتامى , و القدس و قضيته , و غزة الجريحة في تلك الأيام ,
و إلى غيرها من المواضيع ...
صُقلت موهبتي على يد أساتذة المتوسطة , و
خاصة أساتذة المواد الأدبية , ثم بعدها كانت بداية أخرى , مع المسرحيات و
"المونولوغ" , كتبت العديد من المسرحيات و المونولوغ , و هنا كانت بداية
تعدد المواهب...
-
ما هي مواهبك بالضبط ؟
-
أولا الإعلام , و لأنني كنت ألازم التلفزيون
كما أخبرتك , فزت منه ببعض المواهب الأخرى , كالشعر , تقليد الأصوات , المسرح ,
الرياضة , التعليق الرياضي , و الفكاهة , هذه المواهب كلها تصب في خانة إنجاح حلمي
الإعلامي , كما أن السياسة هي شغلي الشاغل , فعلت كل شيء للابتعاد عنها , لكنني لا
أستطيع , السياسة حلمي الثاني , و أنا طموح جدا في الجانب السياسي , و الإعلام علق
في ذهني منذ الصبا , و هو حلمي الأول , و سأبذل ما بوسعي لبلوغ هذين الحلمين ...
-
أين تجد نفسك أكثر ؟
-
في الشعر , النثر , الكتابة , التأليف ,
التعليق الرياضي ...
-
و ما المقصود بطموحٍ جدا في الجانب السياسي ؟
-
تسوقني إلى الحديث عن السياسة , لن أجاهر
بأحلامي و أفكاري فقد قطعت عهدا , و سأحتفظ بأحلامي و أفكاري السياسية لنفسي , و
لما يحين دورها , سأخرجها إلى العلن في إطار حزب سياسي ...
-
و متى يحين دورها ؟
-
الحاجز أمامها هو السِّن , أنا صغير في السن
, و ما إن أبلغ السن القانوني سأنطلق مباشرة في تحقيقها , دعنا لا نستبق الأطوار , و لنبق في البداية
...
-
جمال الدين , ألم تنخرط في الكشافة ؟
-
انخرطت لكن لفترات وجيزة , لم
أكن أميل إليها كثيرا في صغري , لكنني أحببت الكشافة الإسلامية الجزائرية , و أحيي
من هذا المنبر كل القائمين عليها و كل الأشبال , و أحث جميع الأسر على تسجيل
أبنائهم في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية , لدورها التربوي الكبير , و مازلت
لحد الساعة أتعامل مع الحركة الكشفية بكل سرور ...
-
لماذا لم تنخرط فيها و تداوم عليها ؟
-
بصراحة , لأن نظرتي كانت أكبر من الكشافة و
حلمي و وعيي كانا أكبر بكثير منها , لم أجد نفسي في الكشافة , لكن الكشافة تبقى
مدرسة بأتم معنى الكلمة , خرج مِن رحمها العديد من أسود الوطن ...
-
لماذا أفل نجمك بعد هذه البداية القوية ؟
-
طرأت بعض التغيرات على حياتي الشخصية , و
بدأت بعدها مشاكلي تتوالى , و وجدت نفسي حبيس واقع مرّ كبح اندفاعي و حطم بدايتي
القوية و نسف كل شيء , فمن القمة إلى التقهقر , و هنا نشأت قصتي مع قضايا الشباب ,
قضايا الواقع المرِّ و التهميش , التي أخذت الحيز الأكبر من كتاباتي ...
-
التهميش , كثيرا ما تذكره , هل اعترض طريقك
لهذه الدرجة ؟
-
عشت بسببه أحلك أيامي , فلحد
اليوم لم تحتضني أي جهة ثقافية أو إعلامية , عمومية هنا و لست أتحدث عن الجهات
الخاصة التي لي قصتي معها هي الأخرى , همشتني الجهات العليا لما كنت في أمس الحاجة
للدعم و التشجيع , و أنا التلميذ الذي كنت أكنى ب"المثقف الصغير" و "الناقد
الصغير", التهميش طالني , و الظلم حاقني , من هذه الجهات للأسف الشديد , هنا
وُلدت المأساة , و هنا تغيرت الأمور.
-
ماذا جرى ؟
-
حتى أنا لم أعرف ما جرى , فجأة , سُرقت
أحلامي , أطبق الإقصاء قبضته علي , تعرَّضت لظروف قاسية , وقفت عائقا في وجهي , و
كادت أن تحطمني إلى الأبد , و كابدتها و ما زلت أكابد , و أفضل أن لا أعود إليها
...
- و منها تحولت إلى مُعارض و كاتب ينتقد بشدة واقع
الشَّباب الجزائري ؟
-
تلك أرائي و رؤاي كما أراها أنا , و أنا أنتقد
نقدا أخلاقيا لا خلفيات من ورائه , أقول ما أعتقد , و حتى الذين أعارضهم لم
يعترضوا , و لسنا نحن الشباب من أخطأنا في حقهم , هم الذين همشونا , و بخسونا
حقوقنا , و أوصدوا الأبواب في أوجهنا , لذا فكل آهاتنا نتيجة لواقعنا المُرّ الذي
فرضوه علينا ...
-
إذن أنت نموذج عن صراع الأجيال ؟
-
لا , هذا غير صحيح , أنا لا أدعم صراع
الأجيال , بل لطالما دعوت لحوار الأجيال , فلا نفع في أن نصرف نظرة أجيالنا عن
قضاياها المحورية و نشغلها بالتفاهات و تضييع الوقت ..
و مع من نتصارع ؟ مع آبائنا ؟ هذا خطأ , يجب أن
نبرّ بهم , فالإسلام أوصى الشباب خيرا بالوالدين و الأصول و الأكبر سنا , و أعطاهم
القيادة و ألزمنا باستشارتهم لأنهم الأعرف بهذه الحياة منا نحن صغار السن , و أنا
أفضل أن نضع اليد في اليد آباء و أبناء للنهوض بواقعنا و واقع أمتنا , و لست أبدا
ممن ينادون بالعقوق و الثورة على الأجيال السابقة , بل بالعكس , أنا أدعوا إلى
الأصالة و التشبث بمبادئ الأمة , و الشيوخ و العجائز و الآباء و الأمهات الجزائريون
يقدّرون الشباب الجزائري , و يفكرون فيه و يخشون على مصيره , و هم من كابدوا
الصعاب و ناضلوا لأجله , يجب أن لا نجحد فضل آبائنا , بل نحن فقط نطالب بفرصنا ,
هذا كل ما في الأمر ...
-
التلفزيون الجزائري و الإعلام الجزائري , لك
علاقة قوية بهما , و يظهر تعلقك بهما , ألم تكن لك فُرصة الظهور فيهما ؟
-
للأسف الشديد , التهميش و الإقصاء حاقني أيضا
من الإعلام الجزائري بكل أطيافه , و كيف تكون لي فرصة الظهور و لم يسلم من انتقاداتي
حتى التلفزيون كآلة , و ما بالك هيئات و قنوات , و كيف تكون لي فرصة الظهور و أنا
أنتقد الصحافة المكتوبة المشوبة بنقائص كثيرة في الجزائر و العالم العربي قاطبة ؟
انتقاداتي جعلتني محل سخط و غضب القائمين رغم أنني في حياتي لم أفعل ما يستدعي هذا
, و دفعت الثمن , ناهيك على أنني من الجزائر العميقة التي يعاني أبناؤها الأمرين ,
و الأمور عندنا تختلف , و الفرص قليلة , بل تكاد تنعدم ...
لكن فضل التلفزيون الجزائري علي كبير , هو
من صنع حلمي , و هو من صقل مواهبي , و الإعلام الجزائري مدرسة إعلامية رائدة في
العالم العربي , و أفتخر لأنني تتلمذت فيها و مازلت , لكن و للأسف الشديد لم يسبق لي أن ظهرت في التلفزيون
الجزائري , و كنت قريبا من ذلك لكن الظروف القاهرة التي حدثتك عنها حالت بيني و
بين مرادي , أما الإعلام الجزائري و الصحافة الوطنية فلم أبرز على ساحتهما بعد , و
أنا من تسبب في ذلك لربما , بطيشي و انتقادي اللاذع , لكن لا تنسى أنني صغير في السن , و أن الأبواب
مازالت مفتوحة على مصراعيها أمامي , و أنا في بداية الطريق , التي كنت أعلم منذ
البداية أنها لن تخلو من المشاق و المتاعب ...
-
لكن جمال الدين الواحدي , إسم لا يعرفه
كثيرون و حتى الشباب الجزائري الذي لطالما كتبت عنه لا يعرفك , إسم غير معروف , و حتى
في الإعلام الجزائري , فإننا لم نجد لك أي أثر رغم أنك تنام على إمكانيات كبيرة ,
ألا ترى أنه من الواجب أن تسعى لحضور إعلامي أكبر ؟
-
في ما يخص سؤالك , فستكون الإجابة وافية بإذن
الله
أولا , أنا غير معروف لسبب معروف , هو
التهميش و الإقصاء الذي تُقابل به المواهب الجزائرية , و المشاكل التي تعترض
طريقها , و الشباب الجزائري عامة في كل المجالات يُعاني من مثل هذه المشاكل , و
التي نناضل لأجل التخلص منها , "عقبات" , "تحديات"
"تهميش " "تحطيم نفسي" , سمّها مثلما شئت , و لست الوحيد الذي
يعاني مِن التهميش ...
و
كما قال المُقاوم العربي اللليبي "عمر المختار" رحمه الله , نحن ننتصر
أو نموت , أي أن شمسنا بإذن الله ستشرق رغم كيد الكائدين و حقد الحاقدين , و لو
وضعوا في طريقنا كل العقبات , لذا سنبقى نناضل حتى الرمق الأخير ...
ثانيا , أنا لا أريد أن أكون معروفا , أريد
أن تُعرف أفكاري و إبداعاتي , فهي التي تستحق أن تُعرف , أو تستحق نظرة على الأقل
, ثم أنا لا أريد أن أُعرف بقدر ما أريد أن تُعرف أفكاري و تصل رسائلي , المُنافِحة
عن الشباب , النَّـاقلة لانشغالاته , المُعبرة عن نظرته ...
ثالثا , أنا لا أبحث عن الشهرة , فليست الشهرة هي من تصنع المُبدع , بل
الشهرة تأتي كنتيجة للإبداع فقط , تبعث الكِبر في نفس المُبدع و العياذ بالله ,
تُعيق فكره , و قد تحطمه , و قد تضره قبل ما تنفعه , و تبعث فيه حب الظهور و حب
الأضواء , و هي لا تساعدني بتاتا على تقديم كل ما لدي , ثم أي شهرة , هل هي الشهرة
الكاذبة الذي يتمتع بها بعض الإعلاميين ؟ شهرة على حساب المبادئ , شهرة "الذل"
, أنا لا يشرفني ذلك أبدا , و كنت قادرا على الظفر بها منذ سنوات عديدة , لكنني
اخترت مبادئي , و لست مستعدا لأن أتخلى عن
مبادئي و لو استلزم ذلك أن أستقيل من عالم الإعلام و الإبداع , قبل أن أبدأ حتى ,
و تذكر أيضا هذه المقولة من جمال الدين الواحدي " ليس كلّ مشهور بخير"
أي أن هناك خلفيات للشهرة لا يعرفها الرأي العام
...
نحن
ولجنا عالم الإعلام ليس بحثا عن المآرب الشخصية , و الإنجازات الفردية , و ليس من
أجل اصطناع سيرة ذاتية مزيفة و كاذبة , أو لربّما مرصعة بالتآمر على الأمّة وهي حال بعض الإعلاميين , نحن عكس ذلك تماما ,
ولجناه لخدمة الدين , الأفكار , المبادئ , ولائي الأول للأمة العربية الإسلامية , و
للجزائر دون سواها , لا لرئيس و لا لمرؤوس ...
و لجنا الإعلام لأنه مهنة كل مُبدع , كل مثقف
, كل مميّز , كل من له وعي بقضايا الأمّة , و حبنا له و للجزائر هو من يدفعنا
للإبداع , و كذلك للوقوف في وجه المُهَمّشين , و إلى جانب المظلومين و المُهَمشين ,
فالإعلام صوت الفئات المحرومة , و أملها الوحيد , هدفنا بعث مشاريع طويلة الأمد ,
و تمثيل الجيل الجديد أحسن تمثيل , لا خدمة لمصالحنا الشخصية , و لو اخترت مصلحتي
الشخصية , لكنت اليوم أطلُّ عليكم ليس من الإعلام الجزائري فقط , بل من كبريات
القنوات العربية , و كان ذلك ليكون من زمان , لكن لا مكان في قلبي إلا للجزائر, نفسي
لا تطيق تركها , و لو إقتضى ذلك أن أعيش مهمّشا فيها , أو كما أطلق عليها في كتاباتي :
"أروقة الهامش" التي أنشط فيها بكثرة , أن أؤجل حلمي إلى حين , خير مِن
أن يتحول إلى كذبة ...
-
وضح لنا أكثر :
-
أخي , أنت قلت أنني غير معروف في الأوساط
الإعلامية , و أنا أشاطرك الرأي , و هذا ليس عيبا , فالعيب ليس فينا , بل في
المنظومة الإعلامية .
-
كيف ؟
-
بعض الإعلاميين يفتحون الأبواب للمُغنين و
الفاسدين و أصنافهم و أراذل القوم إن صحّ التعبير, و يلصقونهم بالشباب و ينصبونهم على
عرشه , و يدعون أن هذه الأصناف هي الممثل الرسمي
للشباب , بينما يوصدونها في أوجه المثقفين و المبدعين و المفكرين و الشعراء و
السياسيين و الإعلاميين الشباب و كل المتفوقين في مجالاتهم العلمية و الفكرية ,
فقط أبوابهم حكر على دولاب هؤلاء ...
ثقافة "الشطيح و الرديح " كما نطلق
عليها بالعامية هي السبب , و سياسات تنويم الشعوب هي العطب , هم يحبذون الناهقين المُراهقين
, و إعلام مثل هذا ليس غرضه خدمة الأمة , بل تحييدها و إلهاؤها و صرفها عن قضاياها
الكبرى , أين هي " القدس " من إعلامنا , أين هي النهضة , أين هي المواهب
الفكرية و العلمية و أين مكانتها في إعلامنا , بل أين هي المِهنية , أين هي
الأفكار , المصداقية , الصدق , الحياد ...
؟!
كل هذه العناوين حبر
على ورق في إعلامنا للأسف الشديد , فإعلامنا أصبح مرتعا لكل أنواع النصب و
الاحتيال على المُتتبِّع , و التزييف و التكييف , و الكذب , أقول للأسف الشديد ...
إعلام مِثل هذا يكرس النكبة , و يهمش النخبة ,
و هو في حد ذاته مُغالطة , و الغرض منه تمييع المجتمع , تشويه صورة الشباب و
تنويمه , و إلهاؤه عن قضاياه , و من يتكلم كلام مثل هذا , ليس من الغريب أبدا أن يُهمش
في السَّاحة الإعلامية , و كلمة الحق دائما منبوذة , لأنها تفضح الانتهازيين و
المُفترين , و هذا هو السبب , و الدافع وراء إقصائنا ...
و لعلمك أخي أننا نحن الشباب , سنصنع فرصنا
بأيدينا , و بما أنني شاب , فسأصنع فرصتي بنفسي , و بمبادئي و فِكري , و سيحتضنني الشباب
الجزائري , لأنني أعبّر عنه , و أنقل انشغالاته , و أسعى لخدمة قضيته و أناضل
لأجله , و هذا ما يهمني حاليا , و أنا لا أجامل أحدا , و لا أمدح أحدا , و ولائي
للأفكار وحدها لا لغيرها , و أعبر عن ما يجوب خاطري بصراحة قد لا يتقبلها الكل , و
لا أرى و أمدح إلا الإنجازات الحقيقية المجسّدة على أرض الواقع , لذا فمن الطبيعي
كل ما حدث لي , و ستُشرق شمسي بإذن الله
عز وجل دون اللجوء إلى أي أحد , و النصر يأتي من عند الله تعالى .
-
كيف و أنت تنتقد حتى الإعلام ؟
-
لا يا أخي أنا لا أنتقد الإعلام كافة , لا
تأول كلامي تأويلا خاطئا , أنا أنتقد الإعلام المزيف , أما الإعلام الحقيقي ة
الإعلام الشريف فأرفع له القبعة , ثم لِماذا لا أنتقد الإعلام إن حاد هذا الإعلام
عن دوره و تحول إلى المُغالطة و التزييف , الإعلامي يجب أن ينتقد الإعلام , عندما
لا يؤدي هذا الإعلام دوره على أكمل وجه , لماذا ننتقد نحن الإعلاميون الآخرين لمَّا
لا نتقبل الانتقادات في قرارة أنفسنا ؟ الغرض من
انتقاداتي هو النهوض بنتاجنا الإعلامي , و الإعلاميون الشرفاء يقفون معي في
هذه النقطة , و الإعلام مهنة النقد البناء , عندنا نقول " أصابع اليد تختلف " , كذلك المنابر
الإعلامية , و الإعلاميون , و كذلك جلة الناس , عندما ننتقد الأداء الإعلامي , لا
يعني هذا أننا نعمم على جميع الإعلاميين , بل إن الإعلاميين , لا يختلف اثنان بأن الإعلام قسمان , إعلام
صالح و إعلام فاسد , نحن ننتقد ما يجب انتقاده , كما نراه صوابا يخدم الإعلام , و
لا نحتكر الرأي , و من لديه نظرة أخرى فليتفضل...
-
أين وصلت في مؤلفاتك التي دائما ما تؤجلها ؟
-
ما زالت رهينة دور النشر و التماطل , و الوقت
مازال عدوي الأول ...
-
ماذا ترى في فتح مجال الإعلام السمعي بصري في
الجزائر , و ماذا ترى في القنوات الفضائية الجديدة التي تدعمت بها الساحة الوطنية
؟
أنا لي نظرتان , كإعلامي و كمشاهد , فأي
منهما تختار
-
الإثنان معا ؟
-
كمشاهد هِي ناجحة إلى حد بعيد , و تغطي
الحاجة , و تحقق المرجو منها و لاسيما بعض العناوين المحايدة و الموضوعية , و التي
تتحرى الصدق و تعمل باحترافية كبيرة , و فتح المجال السمعي البصري بادرة خير علينا
كإعلاميين و مشاهدين و مواطنين لأن المعلومة ستتداول بيننا كثيرا...
أما كإعلامي , فهي دون القدر المطلوب , نُريد
إعلاما حقيقيا و مستقلا و مهنيا و احترافيا , يفتح الباب للجميع بدون استثناء , و
لا يستند لسلطان النفوذ و المال , بل إلى القوانين و الأخلاقيات و الأعراف
الإعلامية , و يخدم المصلحة العليا للبلاد و العباد , لكنّ الإصلاحات الأخيرة و
الإجراءات و القوانين التي اعتمدت مؤخرا تجعلنا نتوجس خيرا في مستقبل الإعلام
الجزائري الذي يتطور كل سنة , بل كل شهر و كل أسبوع و يوم , و بالمقارنة مع الدول
على المستوى الإقليمي فالإعلام الجزائري رائد , لكننا نُريد الوصول به إلى ركب
الإعلام العالمي , فكثيرون هم الإعلاميون الجزائريون الذين صنعوا نجاح القنوات و
المنابر الإعلامية في الخارج لما تهيأت لهم الظروف , و من الواجب أن تستفيد منهم
الجزائر أولا و تستغلهم و هذا بفتح الآفاق لهم في وطنهم و السير بالإعلام الجزائري
نحو الإحترافية ...
-
ماذا عن حرية التعبير ؟ كيف ترى حالتها في
الجزائر ؟
-
أفضل بكثير من أحوالها في الدول العربية
الأخرى , حرية التعبير في الجزائر هي الأخرى تتطور كلّ يوم , ففي الجزائر لك
الحرية لأن تقول ما تشاء و تعبر بالطريقة التي تُريد , و شهادة لله , طوال حياتي و
أنا أنتقد , و أحيانا بطريقة لاذعة , و لا أحد من المعنيين وقف في طريقي أو ضيق
عليّ و الحمد لله , و هناك من ينتقد أكثر مني بكثير , و يعيش بكرامة و حرية , لكن
الحسّاد و الحاقدين هم أصل مشكلتي , و هم من وقفوا في طريقي و طريقنا نحن الشباب ,
و هم من ضيقوا علينا ...
-
ماذا ترى في إعلام اليوم الذي تنتقده , و في
إعلام الغد الذي تدافع عنه ؟
يبدو أن كلامي قد حز في نفسك , أخي إعلام
الغد سيكون امتدادا لإعلام اليوم لكن بتصحيح بعض الأخطاء للمُضي قدما , إعلام
اليوم فيه بعض النقائص و أغلبها في الجانب السياسي , و أنا لا أنتقد من أجل
الانتقاد , أنتقد لأنني أريد أن أرى إعلاما حقيقيا يكرس ما حارب لأجله مؤسسوه في
الجزائر , كعبد الحميد إبن باديس و البشير الإبراهيمي و عمر راسم رحمهم الله و
غيرهم , و يُشرّف من صنعوا اللبنة الأولى للإعلام الجزائري , عيسى مسعودي و
الآخرون ...
و
الإعلام الجزائري الذي خرج من مدرسة جمعية العلماء المُسلمين التي أنتمي إليها يستحق
أفضل بكثير من حاله التي هو عليها , لذا فمن الطبيعي أن أسعى لترميمه و لا أبخل
عليه بوجهات نظري ...
الإعلام العربي الذي أسس له جمال الدين
الأفغاني و محمد عبده رحمهم الله و غيرهم
ممن أسسوا لإعلام حقيقي في البدايات كان له دوره في تحرير الأمة الإسلامية من
الجهل أولا و من قيود التجهيل و الرقي بفكرها و تقويم حالة الإنسان , و من تخليصها
ثانيا من الاستعمار و تبعاته و ألعابه و مخططاته , و يمكنه أن يقوم بنفس الدور في
الرقي بأمتنا اليوم , و رفع مستوى العقول و القيام بواجبه لكي يصل بها إلى مصاف
الأمم الكبرى , لذلك من حقي أن أنتقده إن رأيته لا يؤدي ما عليه ...
كما
أنني لا أنكر أن إعلام الغد و الجيل الجديد للإعلام هو أيضا لا يخلوا من النقائص ,
فأغلب الإخوة من يشاطرونني الأحلام و الأفكار لنا نقائصنا , و لا سيما في الجانب
التاريخي و الفكري , فبعضهم يميل إلى الفكر الغربي و يفتتن به و يستند إليه في
الوقائع التاريخية و الفكرية و هذا خطأ جسيم لا أنصح به الإعلاميين الشباب لأنهم
سيسقطون ضحية غسل دماغي , و البعض الآخر لا يراعي المصداقية و المهنية و ينحاز
انحيازا مفضوحا إلى ذوي السلطة , و غيرها من النقائص الموجودة فعلا في إعلام الغد
الذي أمثله و التي أحاول بصدق أن أدفعه للتخلص منها , لكن نحن مازلنا نتعلم و
سنبقى نتعلم , و الأمور تسير إلى الأفضل , و من واجبكم أن تُرشدونا و تأخذوا
بأيدينا و تقفوا بجنبنا و تفتحوا الأبواب لنا , و خلاصة القول أن الإعلام السابق و
الحالي أدى ما عليه في بعض المواضع فأصاب , و أخطأ في أخرى و قصّر كثيرا , أما
الغد , فأرى في إعلام الغد جيلا إعلاميا جديدا و واعدا , و أرى أن الأمور معه
سائرة إلى الأفضل بعون الله , و لا خوف على الإعلام الجزائري في الأجيال المقبلة ,
مادام هناك جيل إعلامي جديد واعد يُنذر بنقلة نوعية في الإعلام , سأكون أحد رواده
بإذن الله ...
كما أتمنى
أن تتحسن أحوال الإعلام في العالم العربي , و تتحسن أحواله في شتى الميادين الأخرى
, نحن لا نريد شيئا , فقط نريد رؤية أمتنا تلحق بركب الأمم المتطورة ...
- ما هو الحلم الذي اتفقت عليه مع الشباب
الجزائري ؟ و ما واجبكم تجاهه ؟
- حلمي
الأول و حلم جميع الشباب الجزائري هو أن نرى الجزائر في مصاف الدول الكبرى , و
واجبي هو الدفاع عن حلمي , و العمل لأجل تحقيقه , و السعي الجاد لتحقيقه , على
الأقل في مهنتي المُستقبلية بإذن الله عز و جل و التي اخترتها منذ صغري ...
- في البداية كنت ضد مواقع التواصل
الاجتماعي , ثم أصبحت تستعملها بحذر شديد لماذا ؟
- لأنها مُراقبة من جهات خارجية , و أنصح
المفكرين بأن لا يَعرضوا كل أفكارهم و مخططاتهم و أن يحتفظوا بها لنا و للعالم
العربي المسلم , و أن يستعملوا هذه المواقع مثلي فقط للعلاقات الشخصية , ببساطة لم
تكن لنا يد في صنعها , فلا نثق فيها ثقة مطلقة ...
-
من خلال ما تنشره على مواقع التواصل الاجتماعي
نستنتج انك تستهدف فئة معينة ، فهل لك ان توضح لنا ذلك ؟
-
أما الفئات التي أستهدفها فهي الشباب , و أما التي أستهدفها
"بالمعاني" و التلميحات , فهي الجهات الإعلامية التي وقفت في وجهي , و
في طريقي , و حاولت كسر شوكتي و ترويضي لما تُحب و ترضى , لا إلى ما يرضى الله و
يُحب , و راحت تبتزني و تحاول شراء ذمتي ...
-
هل تلقيت مساومات من إحدى الجهات من اجل الحصول على الشهرة و بالمقابل
تتنازل عن أفكارك و مبادئك التي تتبناها ؟
-
نعم , و كثيرة ما هي , واحدة تُريد أن أكيل المدح لأشخاص معينين
, و أخرى تريدني أن أثني عليها و أعرج على دورها -المزعوم- و أخرى تُريد أن تَحد
من أقوالي و تقصرها و تضع لها خطوطا محددة , و أخرى تُريد مني الأموال لكي أظهر
على قناتها , و أخرى ترغبني و تعدني بالبزنس و اقتسام الكعكة التي تطبخها على حساب
المُشاهد و المتتبع و المواطن البسيط , و الكثير من المساومات التي لم أرضخ لأي
منها في حياتي , أنا مبادئي واضحة كوضوح الشمس ...
-
بعض هذه المبادئ ؟
-
مثلا على كل قناة تُريد استضافتي أو التعامل معي أن تقبل بشروطي , و
هي كالتالي :
-
لا إساءة للمشاهد , و يجب إحترام الذوق العام , أن يكون الوقت كافيا ,
فأنا أعتبر أفكاري أهم بكثير من أفكار الفنانين و المغنين الذين يظفرون بأغلب
أوقات العرض و في أوقات الذروة أيضا , لا ظهور مع المتبرجات , و إن تصادفت
استضافتي مع استضافة ضيفة متبرجة فلا ظهور لي معها في نفس المشهد , في ما
يخص المواهب الأخرى أيضا لا تمثيل مع الجنس الآخر , لا إساءة للناس , و غيرها من
الشروط التي تتماشى مع تكويني و شخصيتي و مبادئي , فأنا أمثل مبادئي و إن أخطأت
تُحسب عليها ...
-
لكن كثيرون من يقولون بأنك تريد إعطاء انطباع على أنك شخصية مثالية ؟
-
هم أحرار فيما يقولون , أنا بشر , لي أخطائي و لست ملاكا , و صحيح
أنني لست على هذا القدر من التدين و المثالية , لكن أحاول أن أكون مُحترما , أن
أكون صادق التطبيق فيما أقول , و لا أقصد إهانة من يُخالفونني السلوكات و الآراء و
التوجهات , لكنها شروط مقبولة إلى حد بعيد , و ترمز إلى الأصالة و المروءة , و لا
أفرض على أحد قبولها , لكن من يقبل بها يتفضل ..
-هل أنت على
علاقة جيدة بالإعلاميين الجزائريين ؟
-
أنا يا أخي تربطني علاقات جيدة بكل الناس , و
علاقات وثيقة بالفكر و المفكرين و العلم و العلماء و الدين و رجاله لأنني طالب علم
, و بالجزائريين كلهم لأن انتمائي للشعب الجزائري هو فخري , و الشعب الجزائري هو الأحب
إلى قلبي من دون الناس كلهم , و لا أعادي أحدا و لا أبغض و لا أمقت أحدا و ليس
الإعلاميين فقط , لكنني أتفادى الذين لا يُقاسمونني المبادئ و هذا ما يفسره البعض
بأنني متعصب و رجعي و غيرها , أما بخصوص سؤالك فلي علاقات متشعبة مع بعض
الإعلاميين لكن الرّابط بيني و بينهم رابط فكري بحت , و مازلت أربط علاقات من هنا و هناك ...
-
و من أين تستمد مواردك و مصاريفك ؟ هل من
عندهم ؟
-
في الحقيقة أنا لا أفكر بهذه الطريقة و لا
تستهويني الأموال و المصالح الشخصية أبدا و لا الماديات رغم نها كانت الهاجس و
الحاجز و العائق , تخيل أنني لحد الساعة لم أقبض دينارا واحدا على أي جهة إعلامية
أو سياسية أو أي كانت , و لا عن كل نتاجي الأدبي و مقالاتي و أشعاري , أنا ولائي
للأفكار و فقط , أرتبط لأجل الأفكار , و أساند لأجلها , و أعارض لأجلها ...
-
ما سر ارتباطك بالشباب الجزائري ؟
- الشباب
الجزائري الذي أنا منه و فيه , و الذي لطالما دافعت عنه , هو فئتي التي أنصرها
ظالمة أو مظلومة , ظالمة بأن أحاول إرشادها و هذا هو هدفي الآن , و أطلب منها هي
الأخرى أن تنصرني ظالما أو مظلوما , ظالما بأن ترشدني و تنبهني إلى أخطائي لكي
أتخلص مِنها , و مظلوما بأن تحتضن أفكاري وأن تكمل الطريق الذي بدأته حتى بدوني ,
وعدت الشباب الجزائري بأن أذود عنه و أدافع عنه بقلمي و فكري و شعري و نثري , و من
إخوتي الشباب من قدروا نضالي لأجلهم , تخيل أن شبابا جزائريا لم يكن يعرفني مِن
الأصل , هو من يفتح لي الأبواب الآن , و يقف بجنبي , أنا أستمد من الشباب الجزائري
طاقتي , و عندما أفكر فيه أنطلق مندفعا بلا خوف ...
- كتاباتك و نبرتك شديدة اللهجة و جريئة جدا بالنسبة لسنك لماذا ؟
الجزائري حرّ بطبعه , جريء بفطرته , و كتاباتي
الحديثة أصبحت أكثر جرأة لمَّا زاد بعض الحاقدين من وتيرة تهميشي و إقصائي , و
نبرتي هذه وليدة الإقصاء و الظلم و التهميش و الواقع المر الذي يكابده الشباب
الجزائري , وفي الحقيقة هي ليست شديدة اللهجة , هي عادية جدا , بل بالعكس , أنا
أتغاضى عن ما يجوب خاطري , فلو صدحت بكل ما يخالجني نتيجة للتهميش و الإقصاء لكان
ذلك وخيما علي و عليهم , لكنني لا أنتقد لأجل النقد و فقط , نقدي بناء كما أسلفت
الذكر , فأنا في حياتي لم أذكر مسؤولا بالإسم , و لم أجرح أو أحرج أي شخص في
كتاباتي , و إن ذكرت فيكون باستشارة المعني و إعطائه فرصة التفنيد أو التأكيد ,
أنا فقط أتهكم على الواقع المُرّ , و الواقع الثقافي , و أنقم على الأوضاع التي
آلت إليها شتى الميادين في بلادنا و غيرها مِن البلاد العربية , أنتقد الطغيان , و
أنتقد الحكام الفاسدين مهما كانت درجة حكمهم و مسؤولياتهم , و أحارب لأجل كلمة
الحق , هل في هذا عيب ؟ و هناك كثيرون من يفوقونني جرأة و صراحة , أرى في كلمة
الحق طريقي إلى الجنة , و الإعلام في أصله هو قول كلمة الحق , و الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر , و هذا هو أصل الإعلام الإسلامي الذي أنتمي إليه ...
-
يصنفك كثيرون كأصغر مُعارض جزائري , هل هذا
صحيح ؟
-
مئة بالمئة , لكن معارضة مختلفة , أخلاقية
بالدرجة الأولى , تُراعي المصلحة العُليا للوطن , أساسها التربية و النقد البناء
الهادف , و سلاحها الكلمة الطيبة و النصيحة الصادقة , و قول كلمة الحق مهما كلّف
ذلك و لو أشلائي .
-
ألا تخاف من بعض منتقديك ؟
-
مما أخاف ؟ و على ماذا ؟ الدزائري لا يَخاف
صديقي , فهو حفيد الشهداء الذين لو خافوا و خنعوا لما طردوا الإستعمار , الأرزاق , الأعمار , الأنفس ... و كل شيئ بيد
الله تعالى , ممن أخاف , و مما أخاف , و ماذا فعلت لكي أخاف , القانون الجزائري
يكفل لي حرية التعبير , حرية الاختيار السياسي , أنا لم أفعل شيئا لكي أخاف , يخاف
الذي يُفسد , و الذي لا يخاف الله , أنا مُطالب بأن أخاف الله فقط , و أخاف على
ديني و أمتي و وطني , لا أن أخاف كلمة الحق , و قول الحق , و الوقوف مع الحق , و
من قال لكم أن المعارضة تستدعي الخوف في الجزائر , المعارضة بحال جيدة في الجزائر
, أما أنا فمعارض صغير السن و التجربة , و ما زالت أفكاري قابلة للتغيير , لذلك
أقول لمن لا أعجبهم , حاولوا إقناعي بالحجج و الأدلة , لا بالسوط و العقاب لأن هذا
لا نفع له معي ...
-
مَن وراءك ؟
-
هههه , سؤال جميل و مُحرج , لا أحد , ورائي
أفكاري , ماضيّ , أحلامي , طموحاتي , آمالي , و هي من تدفعني للبذل و الإندفاع , و
لا يقف ورائي أحد , الحمد لله شفاف بطبعي , صريح و صادق ...
-
ما سبب تهكمك الدائم على الفنانين و محاربتك
لهم ؟
-
أنا لا أتهكم على الفنانين و لا أحمل أي حقد تجاههم , و لا أحاربهم جميعهم
, أحارب فقط من يخدشون الحياء سواء مطربين أو من كل الأصناف الأخرى أنا أنتقد
المُميّعين , الذين يخدشون حتى الحياء , و يخلون بالذوق العام , أما البقية
فبالعكس , نتعاون معهم , و لا ضير عندي في فنانين ملتزمين ممن ينشطون في الفن
النظيف , هناك أناس خدموا الإنسانية بالفن , و كرسوا فنهم لخدمة الفئات المحرومة ,
و لإضفاء البهجة على نفوس الناس , كم من فنان رأيناه يلبي نداءات المرضى و الأطفال
و الأيتام , و يساهم في الأعمال الخيرية , كم من فنان رأيناه يبعث برسائل في قمة
التربية في أعماله , في الجزائر , هناك فنانون خدموا الجزائر أكثر من بعض
المُثقفين الذين جنوا الأرباح الطائلة من المتاجرة بقضايا الناس , و من الابتزاز و
عقد الصفقات على حساب الجماهير المسكينة و تركوا الجزائر وقت الحاجة , بينما لم
يتركها الفنانون , هناك فنانون أكثر وطنية من بعض السياسيين , هناك فنانون في قمة
التربية و الوطنية , يحبون الوطن , و يخدمون العَلم , كم من فنان أعلن توبته و كرس بعدها وقته لخدمة
الناس و إرشادهم و إبعادهم عن طريق الانحراف و غيرها من الأعمال الطيبة , و بعض
الفنانين طيبون , متواضعون , مُحترمون , بعضهم يمثّل رسالة الشباب , بعضهم يُدافع
عن الجزائر , بل بالعكس علاقاتي جد طيبة مع هؤلاء من هاته الأصناف ...
و بالجهة المُقابلة أنا أرأف على حال
بعضهم من الفئة الأولى , فقد قادتهم
ظروفهم الصعبة لدخول تلك الميادين المتعفنة , و بعضهم ضحية لواقع مرّ و مُتعفن ,
فأغلبيتهم شباب اتبعوا أهواءهم و انساقوا وراء لذات الدنيا الزائلة , و أنت تعرف
علاقتي بالشباب , و أغلبيتهم كانوا ضحايا لظروفهم المحيطة , و ندموا بشدة على ولوج
ذلك العالم , و هم يريدون العودة إلى جادة الصواب , لكن بعض العقبات تقف في طريقهم
, و هم قابلون للإصلاح ما إن وفرنا لهم ذلك فقلوب كل الجزائريين طيبة و قابلة
للإصلاح , كما نسأل الله الهداية لنا و لهم , أعجبتني هاهنا وقفة بعض الفنانين ,
تركوا الشهرة و الأضواء التي تبعث الإعجاب في نفس الفرد و تلقي به إلى التهلكة , و
أدوا مناسك الحج و العمرة و عزموا على مفارقة تلك الميادين العفنة ...
أنا لا أحارب الفنانين ماداموا لا
يضرون بالناس , لكنني أنتقد بشدة أن يولي شبابنا الفن كامل انشغاله و طاقته ووقته
على حساب قضايا الأمة و العلم و النهضة و غيرها , و أن يقتدي ببعض الفنانين الذين
اتبعوا الشهوات و انشغلوا بالتوافه , أنا كنت أكتب مسرحيات و أقدّمها , و لا سيما
المونولوغ , لا ضير عندي في ذلك مادمت أبعث برسالة , كما عُرضت علي العديد مِن
الأعمال , و ليس من المُستبعد أن تراني ذات يوم أساهم في فيلم مسرحي أو غيرها ,
شريطة أن يُمرر رسالة , كأن يكون عن الثورة الجزائرية مثلا , أو في الدعوة إلى
الله مثلا , مِثل هذا الفن مُرحب به , و هو في خدمة الثقافة .
-
لماذا لا تستعمل حسك الفكاهي بدرجة أكبر , فأنت
كما نلاحظ مرح جدا ؟
-
أخي العزيز , المُشكلة في الجمهور , الجمهور
يشاهد , يضحك , ثم ينتقد , قد تعرضني مثل هذه التجربة إلى مضايقات عديدة في محيطي
الأسري و المدرسي , أنا في غنى عنها , أخبرتك أنني لا أريد الشهرة , لكن أريد
إيصال رسالتي بكل الطرق , حلمي هو أن أقدم فيلما عن جمعية العلماء المسلمين , و
آخر عن محمد العربي بن مهيدي رحمه الله لأن ملامحي تشبه ملامحه قليلا ...
-
ثلاثة أشياء تكرهها ؟
-
التهميش , الإقصاء , الجهوية ...
-
ثلاثة أشياء تحبها ؟
-
الإسلام , العروبة , الجزائر ...
-
هل صحيح أنك كنت قريبا من قناة الجزيرة
للأطفال ؟
-
كنت من معجبيها في طفولتي , و خاصة البرنامج
الترفيهي "الدرب " , و من الطرافة أنني كنت دائما ما أصيب في الأجوبة في
المسابقات التثقيفية ولولا سني الصغير جدا
آنذاك لحصدت عديد الجوائز , و كنت قريبا منها ثلاث مرات , أولى في برنامج
"الدرب" و حال بيني و بين ذلك العوائق و الحواجز , و ثانية كمقدم برنامج
في نفس القناة و لم أوفّق في ذلك لذات السبب , و ثالثة كموهبة فريدة في روبورتاج
على قناة الجزيرة الإخبارية في أوج عطائها الإعلامي , و حال بيني و بين ذلك صعوبات
إدارية إذ أن القناة لم تكن تملك مكتبا في الجزائر , كما أن هناك عاملا مهما
تعرفونه جيدا حال بيني و بين الجزيرة و بين العروض المقدمة من الخارج ...
-
ما هو ؟
-
تعلقي الشديد بالجزائر , لطالما كنت فخورا
بأنني لم أستنشق في حياتي غير هواء الجزائر و نسيمها , و أن رجلاي لم تدبا على أرض
غير أرضها الطاهرة , و كنت منذ صغري أبدأ مقالاتي بهذا الإهداء :
" إلى التي فاق حبها كل شعور إلى أن
أصبحت شعوري و لا شعوري , و يقظتي و نومي , إلى التي لم أستنشق في حياتي هواء غير
هوائها , و لم أطأ ترابا غير ترابها , إلى الحبيبة الغالية الجزائر ..." ترك
الجزائر كان ليفقدني هذه الميزة , و كنت سأضطر إلى أن أقول ذات يوم , البلد الفلاني
بلدي الثاني , لكن الجزائر بلدي الأول و الأخير , ليس بعده ثان و لا ثالث و لا
رابع , و الجزائر تعني لي الكثير , لا بل هي تعني لي كل شيء , لذا فتركها صعب جدا
, و أنا لا أنافق أي بلد آخر حتى و إن أحببت كل البلاد الإسلامية و العربية التي
أحبها جدا , و لست من النوع الذي يتظاهر بالوطنية ثم يفضل مصلحته الشخصية على حساب
وطنه و مبدأ حب الوطن ...
-
كيف ؟
-
أنا في كتاباتي أعارض الهجرة إلا النافعة
منها , فكيف إذن أهاجر أرض الجزائر و في بداية مشواري أيضا , أنا عانيت في الجزائر
و ما زلت أعاني الأمرين , غير أن هذا لن يدفعني لتركها , الجزائر بؤبؤ عيني , و لو
أترك هواءها سأغدو مثل الذي قطع عنه الأكسجين , أموت بمضيّ الوقت , أنا لا أقول
شيئا و أطبق آخر , قلنا للشباب الجزائري لا للهجرة , فكيف بنا نتصدر القافلة إذن
...
-
ألم تقل بأنك ترجو أن يصبح العالم الإسلامي
وطنا واحدا , إذن كيف تعتبر ترك الجزائر و لو لبلد عربي أو إسلامي هجرة ؟
-
نعم أنا أرجوا أن يصبح العالم الإسلامي وطنا
واحدا يجمعه الدين الإسلامي و اللغة العربية و التاريخ المشترك , لكن هذا غير
متوفر حاليا , و أنا لم أقل أنّ ترك الجزائر و قصد الأقطار العربية هجرة بمفهومها
الكامل , لكنني أحارب هجرة العقول التي عانت منها الأمة الإسلامية عموما و الجزائر
خاصة معاناة كبيرة , فراحت تفقدنا الكثير من الطاقات و الكفاءات , كما أن أغلب
الهجرة تكون لتحقيق المكاسب المادية و المكاسب الشخصية , و لست من النوع المادي
الذي يبحث عن المادة بكل الطرق فالمادة آيلة للزوال , كل واحد منا يتمنى أن يخدم
وطنه و أنا أصبو إلى ذلك بكل عزم , و ترك الجزائر لا يساعدني مهما كان شكله أو
لونه إلّا لتطوير قدراتي و تعلم الجديد , و أنا أحب جميع الأقطار العربية من
المحيط إلى الخليج ...
-
لماذا تعبر عن تجربتك بالغربة داخل الوطن ؟
-
لأن البعض عملوا على جعلي غريبا في وطني و
بين أهلي , فسعوا إلى عرقلة مسيرتي , كما أن هناك عواملا كثيرة جعلتني أصف تجربتي
بالغربة داخل الوطن , ستعرفونها لمّا يحين وقتها ...
-
لمن تقرأ ومن هو مثلك الأعلى ؟
-
كثيرون لا حصر لهم , و منهم :
-
مثلي الأعلى الرسول عليه الصلاة و السلام , لأنه انتصر في آخر
المطاف ...
-
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه , لأنه واحد
من خيرة الشباب على مر التاريخ
-
علماء جمعية العلماء المسلمين , عبد الرزاق قسوم , محمد الهادي الحسني و غيرهم ...
-
الشاعر مفدي زكريا .
-
الشاعر محمد جربوعة .
-
الشاعر الأخضر السائحي .
-
مولود قاسم نايت بلقاسم .
-
محمد الصالح اوصديق .
-
الفضيل الورثلاني .
-
و كثيرون لا يسعني أبدا ذكرهم كلهم , لكنني
أحييهم و أدعوا للرحمة للأموات منهم و بدوام الصحة و العافية لأحيائهم و بالخير
لهم جميعا ...
-
كيف تحارب من يريد تدمير موهبتك ؟
-
أحاربه بتدمير مسعاه هذا :) , بالعزم , بالمثابرة , بالجهد ,
بالصبر على الحلو و المرّ , برد الإساءة بإحسان , بعدم الكلل أو الملل و اليأس , باقتدائي بالرسول عليه الصلاة و السلام و
الذي رغم كيد الكائدين و الحرب الضروس التي لاقاها حتى من أقرب الناس انتصر في آخر
المطاف , بالإيمان و الصبر , و صفح عنهم و هذا هو الأهم , بالصفح عنه لأننا بشر
تغلب علينا الأنانية و العنجهية , و لكي لا أكون مثله علي أن أمثل نفسي ...
-
كلمة أخيرة ؟
-
شكرا , شكرا لكل من ساهم في صقل مواهبي , لكل
من شجعني و وقف بجنبي , لكل من وقف معي وقفة نبيلة , لكل من لم يبخل علي بالعون و
الدعاء , لجميع من عرفتهم , و ألتمس العذر من جميع من أسأت إليهم عن قصد أو دون
قصد , جاهلا أو عالما , و أتمنى الخير لهذه البلاد و لهؤلاء العباد , و أتمنى
التوفيق لي و لسائر المسلمين , تحياتي للجميع و أختمها بهذه النصائح المتواضعة :
أوصيكم
و نفسي بتقوى الله , و طلب العلم , و التشبث بالقيم الحميدة , و التحلي بالأخلاق
الفاضلة , و المثابرة و الجهد , و السعي لأن السماء لا تمطر ذهبا و لا فضة , و
التمسك بالعبادات , و تأدية الصلوات في وقتها , و القيام بالواجبات الدينية لكي
يغفر الله لنا و لكم , و أطلب منكم أن تدعوا لي الله بالتوفيق و السداد , اللهم
انصر الإسلام و المسلمين , و قدرهم على أعدائك أعداء الدين , و اجعلني و إخوتي
خيرة أبناء المسلمين, و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
إرسال تعليق Blogger Facebook