كانت سورية وطن الإنسان و الإيمان وطن الأديان السماوية و أرض الحضارة
و التاريخ و كانت بلد الفقير و أم اليتيم و الوطن الثاني لكل عربي شريف و كل من داس
ترابها المقدس تغنى بجمال طبيعتها الخّلاب و وصفها بأنها جنة الله على الأرض و كان
شعبها الطيب مضرب المثل بنسيجه الإجتماعي المتماسك و لحمته الوطنية و روح التآخي و
التعايش و المحبة التي تربط بين مختلف الشرائح و
الطوائف .
و لكن بعد اندلاع الحرب طرأ تغيير جذري شامل و وصل الحال ببعض أبنائها
أن أصبحوا كالوحوش الكاسرة ينهش بعضهم لحم بعض فكان واضحاً أن هناك حلقة مفقودة وقف
كل ذي عقل راجح و رزين عاجزاً أمام
إشارات الإستفهام الكبيرة المبهمة متسائلاً عن كيفية تفتت نسيجهم الإجتماعي
و لحمتهم الوطنية التي دامت قروناً و عصوراً بمدة زمنية قصيرة لا تتعدى السنوات لا
شك أن وجود نظام حكم معين في السلطة لمدة أربعين عاماً كان سبباً من الأسباب التي أججت
الخلافات بين السوريين و أن تراكم الفساد لسنين طويلة زاد من معاناتهم و ضغوطاتهم النفسية
و هي أمولر تفسر انقسامهم بين طرف مؤيد و آخر معارض و لكنها لا تعد بأي شكل من الأشكال
تفسيراً لوجود هذا الكم الهائل و الفائق عن الخيال من الكراهية و الحقد الأعمى فيما
بينهم الذي انتزع منهم روح المحبة و الإنسانية و وصل بهم إلى حدود القتل و استباحة
الدماء و انتهاك الأعراض فما هو السبب الحقيقي إذاً و أين هي الحلقة المفقودة ؟؟؟
!!! .
عندما يقف الإنسان حائراً أمام قضية ما يبدأ باللاشعور البحث عن الحقيقة
ملتمساً ما توافر من الأدلة و البراهين المنطقية و يسلسل الأحداث و يحاول ربط المقدمات
بنتائجها إلى أن يكتشف الحلقة المفقودة التي كانت وراء هذا التغيير الجذري
.
العقل و المنطق يثبت أن هناك أسباب عميقة و قوية أدت إلى هذا التغيير
الجذري بين أبناء الشعب السوري و من ضمن أهم الأسباب هو الفترة الزمنية القصيرة التي
دخلت فيها التكنولوجيا الحديثة على الوطن العربي بشكل عام و على سورية بشكل خاص و انتقال
الشعب من زمن الماضي الجميل إلى زمن التكنولوجيا الحديث بسرعة جنونية الأمر الذي انعكس
مباشرة على أفعال و رود أفعال الأفراد و طريقة تفكيرهم و على بنيان و تماسك الأسرة
بوصفها خلية أولى و أساسية في تكوين المجتمع و من ثم على المحتمع ككل و حلّت وسائل
التواصل غير المباشرة مكان لقاءاتهم و أحاديثهم .
لقد قسم عصر التكنولوجيا الحديث و السرعة الشعب العربي و خاصة السوري
إلى نصفين فالجزء الأول من الشعب تقبل هذا التغيير محافظاً على العادات و التقاليد
و أدخل التكنولوجيا على حياته الأسرية ليستفيد منها و البعض الآخر بالغ في استخدام
وسائل التكنولوجيا الحديثة بشكل سلبي و مخل بالعادات و التقاليد و الأخلاق و على سبيل
المثال هناك من استفاد من جهاز الكومبيوتر في تطوير دراسته أو عمله و البعض من استخدمه
بطريقة بعيدة عن الأخلاق ليطبقها على نفسه و يتباهى بأنه متحضر
.
أما الجزء الثاني من الشعب منهم من رفض هذه التكنولوجيا لأنه علم بأنها
ستحدث تغييراً في حياة أسرته و ابتعد عنها و البعض منهم رفضها لأنهم اعتبروا وجوده
سيفتح باب من أبواب جهنم فهو بنظرهم وسيلة من الوسائل الشيطانية كونهم متعصبون و متطرفون
دينياً .
و من الأسباب التي أدت لهذا التغيير أداء المحطات الإعلامية السورية لأنها
ساهمت في انقسام فكر الشعب إلى قسمين فعلى سبيل المثال كانت تبث المسلسلات القديمة
التي تحمل الفكر المتعصب و المتخلف و خاصة عن المرأة السورية بصورتها المشوهة و كأنها
جاهلة متخلفة لا دور لها في هذا المجتمع و كأن هذه المحطات تحاول أن تجر الماضي إلى
الحاضر ليصبح مستقبل و هذا ما جعل البعض يتمرد على المجتمع ليثبت للعالم بأنه انسان
متطور يحمل فكر علماني حديث .
و من أهم الأسباب أيضاً هو ألعاب الأطفال التي أدخلت إلى الأسواق السورية
مؤخراً و التي ألغت عقل الطفل و عملت على تحريك غرائزه نحو العنف و تحرضه على استخدام
يديه أكثر من عقله فشوهت طفولتهم و سرقت براءتهم .
و من هنا نستنتج أن عصر التكنولوجيا كان له تأثير كبير على نفور الشعب
السوري من بعضهم البعض و خاصة بعد أنعدام الإحتكاك و التواصل المباشر لأن الفترة الزمنية
القصيرة التي حدث بها التغيير الجذري لم تعطهم الفرصة لكي يتأقلموا معها و هذا ما جعل
الكبت النفسي يتفاقم حتى شكل بركان في داخل كل منهم و تحولوا إلى قنابل موقوتة انفجرت
مع أول نسمة هبت عليهم من نسائم الحرية لأن الغالبية منهم بتفكيرهم العربي الجاهلي
قيدوا حرية الفكر و أعطوا الحرية لغرائزهم و السبب يعود لإنخفاض نسبة المثقفين من الشعب
و التي لا تتجاوز 60 % و حتى المثقفين منهم أغلبهم يكره القراءة التي تصقل من معرفتهم
كل هذه العوامل أدت لتغيير جذري بين أبناء الشعب السوري من نفور بين الفكر
الجاهل و الفكر المتحضر بين الماضي و الحاضر بين العادات و التقاليد و المبادئ و الأخلاق
في عصر التكنولوجيا الذي سرق منهم راحة البال بالتعايش بروح المحبة و التآخي و التعاون
و هذه هي الحرب التي سبقت الحرب الحقيقية التي يعاني الوطن العربي و تعاني منها سورية
.
لقد شنّ الغرب على الوطن العربي حربهم بالفكر الماسوني و التي سبقت هذه
الحرب و هذا الفكر يعتمد اعتماداً كلياً على تجميد الفكر لإلغاء العقل و إعطاء الحرية
المطلقة للغرائز التي تتحكم بالإنسان و تنعكس على ردود أفعاله و التي بدورها تنعكس
بصورة أو بأخرى على من حوله لتشمل المجتمع فيما بعد و هذا ما يثبت أن الحالة التي وصل
إليها الشعب السوري ليست من الفساد المتراكم و لا علاقة لها نهائياً لا من بعيد و لا
من قريب بحكم الأسد لأن نظامه الحاكم استمر أكثر من أربعين سنة و لم ينفجر كما هو الحال
الآن و يبقى المسؤول الأول عن التغيير الجذري بنسيج الشعب السوري هو الغرب و حرب احتلال
العقول و التي سبقت احتلال الأراضي .
و مما زاد الطين بلة أيضاً وجود أصحاب العقول المحشوة بالبترودولار الذين
تاجروا بالمخدرات و نشروها بين أبناء الشعب ليسخروهم في خدمتهم و تاجروا بالأسلحة لأنها
تجارة مربحة و أخيراً تاجروا بالإنسان لأنه أصبح أداة تخدم المصالح و تحقق الأهداف
على حساب البشرية و الإنسانية و هذا ما رأيناه من جهلة واقعين تحت تأثير المخدرات يفجرون
أنفسهم لأجل الحصول على حورية و الحوريات تملئ الكرة الأرضية و هم يبحثون عنها في عالم
المجهول لأنهم لا يرون أبعد من أنوفهم و لا يوجد حل يعيد ترابط الشعب السوري بنسيج
اللحمة الإجتماعية سوى التركيز على عودة العلاقات و الروابط الأسرية التي تؤثر على
محيطها لتشمل المجتمع بالعمل على التفاهم بالمحبة للتخفيف من الضغوط النفسية فالتفكك
الأسري له ردود سلبية تنعكس على الوطن و كل بلد نتعرف على نمط الحياة فيها و عاداتها
و تقاليدها من خلال الأسرة .
و يعتقد الكثيرون أن الكنائس و المساجد المبنية من الحجارة هي مكان العبادة
الوحيد و لكن الكنيسة و المسجد الحقيقيين هم المبنيين داخل كل إنسان لأنه مكان عبادته
و اتصاله المباشر مع الخالق و من أراد أن يبني وطنه بطريقة علمانية حديثة فلينسى المباني
الحجرية و ليبني المكان المقدس الذي ينتمي إليه داخل قلبه و ليعمل على زرع بذور المحبة
بين أفراد أسرته لأن هذه البذور ستكون حصاد المستقبل لأبنائهم و للأجيال القادمة فالوطن
لا يحتاج إلا إلى قلوب محبة و عقول نظيفة خالية من الشوائب يحتاج لأشخاص تضعه فوق ذاتها
حين تتخلى عن الأنانية و تذّوب الأنا في الكل فاليد الواحدة لا تصفق و إعادة إعمار
سورية تحتاج لسواعد و عقول من الداخل و الخارج معاً تتشابك بالمحبة على التعاون
..... سورية تحتاج لثورة محبة من أبناء شعبها بجميع طوائفهم لأنها بهم تكبر و معهم
تنتصر
بقلم : دنيز نجم
إرسال تعليق Blogger Facebook