0
يبعث الرئيس الجزائري بوتفليقة برسالة يناشد من خلالها المنظومة الدولية التدخل لحماية الصحراويين من بلطجة الاحتلال المغربي، فيُجن جنون المخزن، فيقوم صناع القرار في الرباط ـ وقد لا يكون "أمير المؤمنين" محمد السادس بين أبرزهم ـ بالإيعاز للإعلام "الحر" بضرورة شن حملة شعواء على الجزائر ورئيسها، فيُصدر وزير خارجية الجزائر تحذيرا شديد اللهجة للمخزن، فيسحب المخزن سفيره من الجزائر.. وماذا بعد؟..

ربما كان النظام المغربي يتوقع أن تبادر الجزائر إلى سحب سفيرها من الرباط ـ وفق مبدأ المعاملة بالمثل ـ فتزداد الأزمة اشتعالا، فينسى ملايين المغاربة مشكلاتهم الخطيرة والمتفاقمة، اجتماعيا واقتصاديا، وحتى سياسيا وإعلاميا، وينشغلون بحرب ضروس على "الجار ـ العدو"، وهو الهدف الأساسي، على ما يبدو، للحملة المخزنية البائسة على الجزائر، ولكن الدبلوماسية الجزائرية فوّتت على المخزن فرصة الذهاب بهذا المخطط إلى أبعاده المرجوة، حين رفضت سحب سفيرها، لتثبت أنها أسمى من الهبوط إلى هذا المستوى الذي لا يعكس تحضر الشعب المغربي ورقيه.

وإذا عُرف السبب بطل العجب، فالملك محمد السادس الذي يُنتظر أن يقوم بزيارة لمدينة العيون الصحراوية المحتلة ـ على طريقة "دزو معاهم" وصقور نظام المخزن، وأعضاء حكومة "إخوان المغرب"، كلهم يواجهون غضبا شعبيا متزايدا، بلغ حد رفع شعار "شغل أو ارحل" من طرف بطالين غاضبين خرجوا في مظاهرات مؤخرا، ليقابلهم المخازنية بالقمع والوعود.. وإشعال حرب وهمية مع الجزائر، انتقاما منها على "وقوفها" وراء جزء من أزمات المغرب بعد تضييقها على تهريب الوقود، الأمر الذي أدى إلى أزمة مازوت وبنزين حقيقية في المملكة التي اضطر مخزنها إلى رفع أسعار الوقود، من جهة، وإشعال حرب دبلوماسية مع الجزائر، من جهة ثانية.

 تصعيد خطير..

بعض الأشقاء المغاربة اتهموا الجزائر بالقيام بتصرفات وصفوها بالصبيانية، علما أن بلادنا لم تفعل شيئا غير تجديد موقفها الثابت من القضية الصحراوية.. وتجديد الدعوة إلى إنصاف الصحراويين وحمايتهم من القمع، وتمكينهم من حقهم في تقرير المصير، فالموقف الجزائري ليس جديدا، لكن التصعيد المغربي الخطير هو الجديد، وهو التصعيد الذي بلغ مداه بسحب السفير، ثم بتنظيم مظاهرة أما سفارتنا بالرباط، وصولا إلى الاعتداء الذي تعرضت له قنصليتنا بمدينة الدار البيضاء "كازا"، وهو اعتداء خطير للغاية إذا علمنا أنه تم خلاله إنزال "علم الشهداء"، تحت أنظار أمن المخزن الذي تحرك متأخرا، وهو ما يتنافى مع الأعراف الدبلوماسية التي تفرض ضمان حماية تمثيليات الدول مهما كانت الأوضاع والأسباب.

وحسب ما أورده الإعلام المغربي نفسه، فإن الناشط حميد النعناع المنتمي إلى صفوف ما يسمى بـ"حركة الشباب الملكي"، غافل ـ حسب مزاعم إعلام المخزن ـ الحراسة الأمنية لاعتلاء مقر القنصلية العامة والوصول إلى موقع الراية بواجهتها، وهو ما يرجح فرضية تواطؤ الامن المغربي مع المعتدين على القنصلية الجزائرية.

ذات الشاب لم يتردّد في إنزال العلم الجزائري وسط هتافات الحاضرين من الغاضبين، بينما برزت الدهشة على وجوه المشتغلين بالقنصلية الجزائرية.

وزعم إعلام المخزن أن إقدام النعناع على إنزال العلم الجزائري جوبه باعتقاله من طرف ضباط للشرطة القضائية كانوا حاضرين لمراقبة القنصلية.

 هكذا ردت الجزائر على حماقات المخزن

قالت وزارة الشؤون الخارجية أن الجزائر تسجل بـ"أسف" قرار الحكومة المغربية "غير المبرر" المتعلق باستدعاء سفيرها بالجزائر للتشاور.

 وأوضحت الخارجية في بيان له أن "هذا القرار غير المبرر يشكل تصعيدا مؤسفا يستند إلى مبررات زائفة تمس بسيادة الجزائر التي لا تحتمل مواقفها المبدئية بخصوص القضايا الاقليمية والدولية أي تشكيك تحت تأثير تدخلات أجنبية".

 واضاف المصدر نفسه أن "موقف الجزائر المبدئي حول ضرورة استكمال تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية لم يتغير البتة وأن الخطاب الذي ألقاه وزير العدل حافظ الاختام في أبوجا يجدد التأكيد على ثبات هذا الموقف المعروف والذي يحظى أيضا بدعم واسع من الاتحاد الافريقي والبرلمان الاوروبي والعديد من الفاعلين الدوليين الأخرين".

 وجاء في بيان وزارة الشؤون الخارجية أن "حملة التهجم المتواصلة على الجزائر التي يشنها بعناد جزء من الطبقة السياسية المغربية والتي تناقلتها وضخمتها وسائل الاعلام العمومية لهذا البلد تتنافى وعلاقات الاخوة والتعاون وحسن الجوار التي تربط بين البلدين".

 "هذه الحملة المتعمدة وهذا التصعيد ينمان بكل وضوح عن الممارسة المعروفة التي ترمي إلى إضفاء طابع ثنائي على مسألة تقع تحت مسؤولية الأمم المتحدة" يقول المصدر.

 وفي الختام أكدت وزارة الشؤون الخارجية أن "الجزائر فيما يخصها تبقي على مجموع بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية في المملكة المغربية وكذا رؤساء هذه البعثات الذين يواصلون نشاطاتهم بشكل عادي كما أنها تأمل في أن لا يتعدى هذا الفصل المؤسف في مجرى العلاقات الجزائرية-المغربية بعده الفعلي وأن يتم تجاوزه سريعا".

 تعنت مغربي

رغم أن موقف الجزائر المناصر لحق الصحراويين في تقرير المصير والحماية من القمع ليس جديدا، فقد زعم الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، أن استدعاء الرباط لسفيرها لدى الجزائر، بعد رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى قمة أبوجا حول الصحراء الغربية "أمر مبرر"، وذلك إثر بيان للخارجية الجزائرية وصف القرار المغربي بـ"غير المبرر ويمثل تصعيداً".

وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي، خلال الندوة الأسبوعية لعرض أعمال مجلس الحكومة، أن "قرار استدعاء السفير للتشاور أمر مبرر، لأن أعلى سلطة في الجزائر لم تبق على الحياد حينما وصفت المغرب بالبلد المحتل"، في الرسالة التي وجهتها إلى قمة أبوجا. وأكد أن "هذه الأمور تقتضي منا أن نكون صارمين".

 فرنسا تدخل على خط الأزمة الجزائرية ـ المغربية

كعادتها في ممارسة الصيد في المياه القذرة، لم تتردد "فافا" في الدخول على خط ما يمكن تسميته بالأزمة الجزائرية ـ المغربية، حيث سارعت باريس إلى إطلاق تصريحات "وردية" في شكل "دروس عن بعد" للجارتين الشقيقتين الجزائر والمغرب.

الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية رومان نادال قال يوم الخميس أن التحديات العديدة التي تواجهها الدول المغاربية تستدعي تعاونا إقليميا "جيدا".

 وفي رده عن سؤال حول رد فعل فرنسا بخصوص استدعاء المغرب لسفيرها في الجزائر "للتشاور" صرح السيد نادال قائلا أن "التحديات العديدة التي تواجهها الدول المغاربية تستدعي تعاونا اقليميا جيدا لبناء مغرب عربي موحد ومستقر ومزدهر"، مضيفا أن "هذا قرار من صلاحيات السلطات المغربية".

من جهة أخرى، قال الناطق باسم الرئاسة الفرنسية رومان نادال أن المشاورات التي أجراها الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية السيد بيير سلال مع نظيره الجزائري السيد نور الدين عوام تدخل في سياق "تفعيل العلاقات مع الجزائر" الذي بوشر في ديسمبر 2012 في إطار زيارة الدولة التي أجرها الرئيس الفرنسي إلى الجزائر.

 وأوضح الناطق باسم الرئاسة الفرنسية خلال لقاء صحفي أن المشاورات مكنت من تحضير المواعيد الثنائية الهامة المقبلة والمتمثلة في زيارة وزير الشؤون الخارجية الجزائري السيد رمطان لعمامرة إلى باريس يوم 13 نوفمبر والاجتماع الأول للجنة الوزارية المشتركة الرفيعة المستوى المزمع انعقادها بالجزائر العاصمة في نهاية السنة برئاسة الوزيرين الأولين للبلدين.

 أشقاء رغم أنف المخزن..

بقي أن نقول أن هذه الأزمة الدبلوماسية الجديدة ستكون بلا شك أزمة عابرة، فدوام الحال من المحال، ومهما كانت تبعاتها وتداعياتها فلن تقطع حبل الود الجزائري ـ المغربي، وما يرتكبه نظام المخزن من حماقات قد تتسبب في حروب إلكترونية وشتائم متبادلة بين الجزائريين والمغاربة، ولكنها لن تفضي في النهاية إلى عداوة بين شعبين شقيقين، فما جمعته يد الله لن تفرقه يد المخزن، حتى ولو استعان "جارنا الملك" بكل المستشارين، يهودا كانوا أم غير يهود..
متابعة : الشيخ بن خليفة

إرسال تعليق Blogger