0
سأخرج من عباءة الموروث اليوم، وأسافر بكم مع الصوت الرائع للقدير "لطفي بو شناق" في رائعته "أنا مواطن"، حيث لم استطع أن أكبح جماح قلمي، وأن تمر كلماته المطرزة بشعور الألم وهو ينطقها مرور الكرام عليّ، ﻷنّه بشدوه كان يسرد ما يجيش في صدر كلٍ منّا، حيث يبدأ والحرقة تنصهر مع شدوه الراقي: "أنا حلمي كلمة وحدة، إنه يظل عندي وطن.. ﻻ حروب وﻻ خراب، ﻻ مصائب ﻻ محن"، ورغم أنّه لم يحرك ريشة عوده الذي يحمله بين ذراعيه كثيرًا، إﻻ أنّه والحق يُقال عزف على قلوب جميع من حضر ذلك الحفل، ومن استمع ومن سيستمع إليه، حين غرد مزلزﻻ المشاعر: "خذوا المناصب، خذوا المكاسب، لكن خلولي الوطن.."، ومن يشاهد ذلك المقطع بالذات يصل معه إلى نفس اللحظة ويجهش ﻻ شعورياً بالبكاء، أو تدمع عينه على أقل تقدير، ثم يواصل بوشناق شادياً بروعة من أجاد التوصيف، وبلوعة من تلظى بنار خوفه ورعبه على وطنه الحبيب: "يا وطن وانته حبيبي، وانته عزي وتاج راسي"، كيف ﻻ، والوطن هو الأمن والأمان، هو الأم والأب، هو الأبناء والأجداد، هو الأسرة الدافئة الحانية، وترى أعضاء الفرقة الموسيقية التي تقف خلفه وهم يمسحون عيونًا فاضت بالدمع السخي، ﻷنّ أغنيته تزامنت مع ما أسموه ظلمًا بـ"الربيع العربي"، فأحس كل منهم بالشتات الذي يعيشه غالبية مواطني العالم العربي، يتذكر التشرد والتشرذم الذي عاشته تلك الشعوب، تتراءى له لقطات الأطفال في خيام اللاجئين، وقد نهش الجوع والبرد والمرض أجسادهم الضئيلة، والعجزة في قارعة الطريق وقد هدمت من حولهم مآذن وصلبان، فزادهم هول الأحداث وهناً على وهن، وحرائر النساء اللائي انتهكت أعراضهن وهن يصرخن مستجيراتٍ بالموت، ودماء استبيحت وسفكت بدعوى الاختلاف، ويستمر بو شناق في رائعته ليختم مخاطبًا وطنه، وأنا أكيدة أن كل من استمع إليه أحس الشجن والحزن يقطر من كل حرفٍ وهو يقول: "أنت يا فخر المواطن والمناضل والسياسي، أنت أجمل وأنت أغلى، وأنت أعظم من الكراسي"....
تذكرت مقطعًا في أحد مواويل الراحل وديع الصافي: "بيك موصيك.. بلاد صلاة للحب ﻻزم تصليها"؛ وطني الحبيب عمان.. أدام الله عليك نعم الأمن والأمان والاستقرار وحفظها من الزوال، وجميع بلاد المسلمين؛ لقد ضرب والدنا وسيدنا وولي أمرنا موﻻي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وشفاه وعافاه، وأعاده إلى بلاده المُحِبَّة له قريبًا بإذن الله، بحبه العظيم لبلاده عمان، أعظم مثال نحتذي به في حب الوطن والتفاني من أجل رفعته وتقدمه، حيث دأب منذ توليه حفظه الله مقاليد الحكم في البلاد على تغليب الحب الأعظم على حب الذات، نذر وقته وفكره وجهده لأسرته العمانية الكبيرة، ولم يلتفت إلى ما يشغله عن شؤون بلاده، وأعطى لعمان كل شيء، وعد شعبه بأن يجعل "عمان اليوم" قبلة أنظار العالم، فاتخذ من سياسة السلام والرخاء الذي يمضي في هدوء وسكينة أسلوبًا متفردًا بين الأمم، وليس ببعيد عن الأذهان الحدث العالمي الأبرز في هذا القرن الذي شهدته مسقط من التاسع إلى الحادي عشر من أيامنا النوفمبرية هذه، حيث كانت وما زالت سلطنة عمان حديث وسائل الإعلام جمعاء، ورغم أن الحدث ضخم جدًا بالمقاييس السياسية والدبلوماسية، إﻻ أنّه يعد قطرة في مد اليم السلطاني، وغيض من فيض حكيم الزمان وسلطان القلوب، الذي أحب الوطن فأحبه الوطن بمن فيه ومن حوله ومن ارتحل إليه ومن تناهى إلى سمعه وبصره اسم عمان، فأصبح كل عماني يرى الوطن هو جلالة السلطان، ويرى جلالة السلطان هو الوطن...
في هذا العيد ونحن نستشرف يوم مولد قائدنا، سبقنا حفظه الله مهنئاً، وقدّم لنا أغلى الهدايا بأن طمأن أرواحنا بظهوره مخاطبا إيانا؛ ويأتي السؤال هنا "ما الذي سنهدي الوطن في عيده؟!"، يجب أن يكون الإهداء بقدر الحب الذي نكنه في صدورنا، إنها هدية تتصف بصفة الديمومة، ﻷنها كانت حقا واجبا علينا لمن فديناه ونفديه بأرواحنا، منذ أن ظهر مخاطبًا شعبه في صلالة في الثالث والعشرين من يوليو 1970م، سنهديه إخلاصا ووفاء وحفاظا على الأمانات المعلقة في أعناقنا جميعًا، وسيدوم وطننا عالياً غاليًا، محصنًا ضد الشقاق والفتن بحول الله..
وبلسان كل عماني شامخ الرأس بعمانيته أقول: كل عام يا موﻻي وأنتم لعمان شمس تضيء نهارها بالحكمة، وقمر ينير هدأتها بببريقه الحاني في سمائها، وكل عام وعمان تزهو بحب دائم بين الشعب وقيادته، وبوحدة صف أسستم يا موﻻي رواسخه الثابتة.
عائشة البلوشية / عن الرؤية

إرسال تعليق Blogger