0

ظاهرة "العزوف السّياسي" في المجتمع الجزائري وخاصّة لدى شريحة الشّباب شكّلت منذ سنوات محور لغط إعلامي كبير في المواعيد الانتخابية،هذه التّسمية التي أطلقها رجال الإعلام على امتناع الشّاب الجزائري عن ممارسة حقّه الانتخابي ولا مبالاته بالعملية السّياسية بمجملها بل وتهكّمه على الفعل السّياسي ورجل السّياسة عموما أضحت ظاهرة تستحقّ الدّراسة والبحث والتّمحيص من أجل الوقوف على أسبابها ومآلاتها بالنّظر إلى أهمّية العمل السّياسي وأثره في بناء الدّولة والمجتمع حتّى لايبقى الحديث عن هذه الظّاهرة مناسباتيا وسطحيا كغيرها من الظّواهر الاجتماعية الأخرى التي تنخر المجتمع من الدّاخل دون أن تجد الاهتمام والبحث المطلوبين بغية إيجاد الحلول اللاّزمة لها في وقت صار اللاّحلّ حلاّ لمختلف مشاكلنا وأضحي علاجها والبحث فيها ترفا بالنّسبة لصنّاع القرار الذين لا يرون داعيا للحفاظ على كيان المجتمع وتماسكه ولا يستجيبون لصوت الحكمة مهما كان مصدره.


تطالعنا كتب التّاريخ بالخبر اليقين حول دور الشّباب في نهضة الأمم وبنائها في فترات السّلم والحرب على حدّ السّواء،فهذا الإسكندر الأكبر يضع رجله على نصف الكرة الأرضية وهو لم يجاوز الخامسة والعشرين من عمره ويتطلّع إلى مزيد مجد لولا أن كان الحمام أسبق،وهذا النبيّ داود يسجّل أعظم الانتصارات ويقتل أعظم طاغية في عصره جالوت وهو في عزّ الشّباب وتحت إمرة شاب من بني إسرائيل زاده اللّه بسطة في العلم والجسم اسمه طالوت كما ورد في القرآن الكريم،كما يسجّل التّاريخ الاسلامي بصمات لرجال عظماء حقّقوا في ريعان شبابهم مجدا لأوطانهم وشعوبهم لم يشهد له التّاريخ مثيلا إذ كان الفاتحون وقادة الجيوش شبابا ملؤهم الإيمان الصّادق والحماس الدّافق يدفعهم العنفوان والرّوح الوثّابة إلى كتابة التّاريخ بحروف من ذهب،ولنا في قصّة أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي أمّره النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام على جيش فيه أبوبكر وعمر رضي اللّه عنهما وهو في السابعة عشر خير مثال على دور الشّباب في القيادة،كيف لا وقد فتح محمد الفاتح القسطنطينية وهو في الرابعة والعشرين من عمره وأسّس الأمير عبد القادر دولة الجزائر الحديثة وهو في السنّ نفسها والأمثلة في نفس السّياق كثيرة لايتّسع المجال لسردها.

هذا الإستطراد التّاريخي نورده هنا بغرض إقامة الحجّة على من يقولون أنّ الأمّة في حاجة إلى حكمة "كبار السّن" حتى و إن كانوا متردّدين واهني العزائم لا إلى تهوّر الشّباب وحماسهم غير المحسوب مثلما يكرّر على مسامعنا السّاسة ومثقفوا السّلطة كلّما لاحت لاعجة تحرّك شبابي في الأفق مع الإشارة إلى أنّ هذه السّطور لا تهدف إلى استصغار كبار السنّ والحطّ من قيمتهم كما يحلو لبعض العقول أن تقول كلّما دعا داع إلى تمكين فتيان البلاد مقاليد القيادة،بل إنّ الأمر يسترعي الإنتباه إلى خطورة تغييب شريحة الشّباب عن العمل السّياسي واستبعادهم المقصود عن القيام بأمور المجتمع وتحمّل مسؤوليات البناء والتّشييد بدلا من الرّكون إلى الدّعة والسّكون التي ألفها شباب اليوم اختيار حينا واضطرارا في أحيان كثيرة.

وبالعودة إلى تاريخ الثّورة التحّريرة التي خطّط لها وقادها شباب مؤمنون بقضيّة وطنهم،يحملون همّ تحرير الجزائر من نير المحتلّ وبدراسة العقدين الأوّلين من فترة الاستقلال نجد أنّ هذه الثلّة من الشّباب هي التي كانت لها اليد الطّولى في تحقيق النّصر وبناء الجزائر الحديثة رغم ما شاب الفترتين من أخطاء ونزاعات مصالح انتهت في كثير من المرّات بالإغتيالات والمآسي،ولأنّ هؤلاء هم من لازالوا إلى اليوم في سدّة الحكم وهم من يحرمون الشّباب من ممارسة حقّهم في حكم أنفسهم بأنفسهم بودّي أن أسألهم كيف سمحوا لأنفسهم باحتكار السّلطة والسّطو على حقّ جيلي الاستقلال الأوّل والثّاني في الحكم والقيادة كما فعلوا هم في السّابق وما الذي يجعلهم يصرّون على استنزاف طاقات شباب الجزائر في سفاسف الأمور وموبقات الشّرور؟
.................................يتبع
بقلم:فيصل عثمان

إرسال تعليق Blogger