0
ارتبطت العقيدة الامبريالية Imperialism فكراً وممارسة باتجاه الدول والإمبراطورات التوسعية على مر العصور بتوسيع نطاق سيطرتها وهيمنتها على العالم الخارجى ،وقد ارتبطت بأفكار وأيدلوجيات عنصرية متطرفة تؤمن بسيادة عنصر بشرى وتفوقه العرقى على أخر ، على النحو الذى نجده فى فكر " النازية" فى المانيا خلال فترة حكم هتلر (1933-1945) ، أو " الفاشية " فى ايطاليا فى عهد موسولينى (1922- 1943)،
وهو الفكر الذى دافع عنه برلسكونى رئيس الوزراء الايطالي السابق ، وأيضا فى الفكر الصهيونى العنصرية الذى يؤمن بان اليهود هم شعب الله المختار ومن ثم تسعى اسرائيل إلى بسط هيمنتها وسيطرتها على كامل منطقة الشرق الأوسط .
وقد ظلت الامبريالية فكراً وممارسة مرتبطة بممارسات الدول الكبرى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ، وخاض العالم بسببها حروب عالمية خلفت وراءها الكثير من الدمار والخراب ، وبرغم ذلك لم تنته ، فلانزال نجدها فى ممارسات الدول الغربية متى سنحت لها الفرصة ووجدت المبرر والذريعة للتدخل والسيطرة تحت اى شعار فتارة باسم حماية حقوق الإنسان ،أ وحماية الأقليات ، أو حماية الأمن والسلم الدوليين.
لكننا اليوم نجد نوعاً أخر من التطرف الامبريالي ، هو ذلك الذى يرتبط بفكر الجماعات المتطرفة ، مثل الجماعات اليمينية المتطرفة فى أوربا وإسرائيل ، والدول العربية ، حيث يتضح من خطاب هذه الجماعات الإرهابية أنها تتبنى أجندة امبريالية توسعية وتعلن عن دول مترامية الأطراف ، فهى جماعات تتمرد على الدولة وتسعى للسيطرة عليها ، بل تسعى إلى ابعد من ذلك بالسيطرة والهيمنة على منطقة جغرافية بعينها .
وهذا واضح فى فكر تنظيم الدولة الإسلامية أو "داعش "، التى تطالب بدولة تمتد لتشمل الجزيرة العربية وشمال أفريقيا وغرب أسيا وجنوب أوربا ، تكون خالية من المسيحيين ، وبالتالى فهو فكر متطرف عنصرى، وليس باسلامى لان الإسلام كدين لم يكن يهدف لدولة توسعية ومهيمنة ، إنما كانت الفتوحات الإسلامية من اجل نشر الإسلام والسلام والقيم السمحة بين البشر، وتخليص الإنسان وتحريره من الذل والعبودية ، أما الإرهاب فهو استعمار جديد ، يستعمر الفكر وعقل الانسانى ويسيطر على معتقداته، ينتهج العنف ويهدد الأمن والاستقرار، وينتهك الحرية ويكرس الطائفية ، ويخرج عن القيم الإنسانية .
وحقيقة الأمر أننا يمكن أن نفسر ظاهرة الجماعات الإرهابية المتطرفة فى العالم العربى من خلال دراسة أسباب ظهور هذه الجماعات، فسوف نجد التأثير السلبى للعامل الخارجى والتدخل الانحيازي لفرض الهيمنة فى العالم العربى، لا سيما سياسة الولايات المتحدة ، فقد أدت إلى ظهور "تطرف امبريالى مضاد " من جانب الجماعات المتطرفة ، التى تتبنى نفس نهج الفكر الامبريالي التوسعى المتطرف ولكن وفق أجندة خاصة وتحت شعار دينى خاص ، وان كانت الولايات المتحدة تستخدمها وتوجهها كسلاح فى وجه الأنظمة العربية .
إن تحليل العقل الامبريالي يكشف عن رغبة أكيدة فى السيطرة والإقصاء والتمييز العنصرى واستغلال وسلب موارد الأخر ، واستخدام كل أدوات ووسائل العنف الممكنة للسيطرة على الشعوب ، هو عقل " الانا" التسلطية التى تسعى إلى المجد والزعامة والهيمنة ، مهما تنافت غاياتها مع مبادئ وقيم احترام الإنسان.
وعلى أية حال ، على الرغم من الأجندات الخاصة والاستراتيجيات التوسعية والامبريالية التى تطمح إليها الجماعات المتطرفة فى العالم العربى ، إلا أن هذه الجماعات هى اضعف من أن تتوسع ، فالإرهاب جزء من مؤامرات وأجندات تحاك للهيمنة الامبريالية فى العالم العربى ، وهو وسيلة وليس غاية ، وعميل وليس شريك ، ومال الامبريالية وهو الدمار والانهيار .

د.حمدى بشير

إرسال تعليق Blogger