0
دبلوماسية التهدئة هي الحرب الصامتة اللاحقة للحرب نفسها وحتمية وراء كل صراع مسلح لمحاولة إيجاد ‏حل يرضي المتصارعين ينهي المعاناة والدمار والأذى وكل ما لحق بالكل والبدء باعادة الاعمار.
السؤال ‏الأكثر إلحاحا ، ليس إن كانت دبلوماسية التهدئة مهمة ومفيدة أم لا؟ فمن الطبيعي والبديهي بل ويجب أن ‏يكون تبادر لذهن الجميع انه لا حرب بلا نهاية ولكن عن اي نهاية نبحث او تفرض علينا . لو تذكرنا تهدئة ‏حرب النكبة التي كانت بين إسرائيل وحلفائها والجيش العربي من دول الجوار فهي استراحة محارب من ‏طرف واحد فقد قامت اسرائيل ببناء البنى التحتية وانشاء المؤسسة الحيوية للدولة كمطارت وموانئ وبرلمان ‏ومؤسسة الجيش نفسها بعد أن كانت فرق او فصائل متناحرة على هوية الدولة الجديدة !! نحن الان بعد ست ‏وستون عام لدينا برلمان ودولة مؤقتة في نادي الدول ولكن لا يوجد جيش مؤسس بل فرق وفصائل مختلفة ‏فيما بينها في كل شيء الا على التحرير وهو قاعدة اساس للاجماع . نحن بصدد العدوان الإسرائيلي ‏المتواصل على الشعب الفلسطيني في غزة و كان جلياً التفاهم الاسرائلي الغربي والامريكي والعرب الغير ‏رسمي على العدوان نفسه . ولكن بلا وجود طريق للنزول عن الشجرة التي علق فيها الجميع . واضح بشكل ‏غيبي ان اي تحرك دبلوماسي بعيد عن عضلات الميدان هو تحرك اسرائيلي مصلحي بحت ، الهدف الرسمي ‏المعلن من قبل إسرائيل هو الحسم العسكري الكامل بالقضاء على القدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية ‏والصاروخية منها تحديداً مع قطع أي طريق تغدية من الخارج وتدمير البنية التحتية لفصائل المقاومة ‏وحماس على وجه الخصوص في القطاع ، الأهداف الثلاثة رسمها نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل مع أولى ‏الساعات لبدء القصف الوحشي ضد المدنيين في غزة . ولكنه نسي ان ذلك لم يحصل على يد اكثر الجنرالات ‏‏"حسما" – ارييل شارون مدة خمس سنوات في حكمه وكانت مزرعته الاوفر حظا من الصواريخ ، بل وان ‏المذكور يكاد تجاهل ذلك وركز في حينها على امور اكثر حساسية للحكم في اسرائيل لا وقت لذكرها وابرزها ‏جنوب لبنان وهو لا تزال اسرئيل في مرمى صواريخه .هذه الاهداف هي نفسها من اسقطت اولمرت وفشل ‏نتياهو فيها سابقا ولكن الجديد هذه المرة هو التواطؤ العربي الكامل بل وشبه العلني ضد المقاومة في حين ‏زيادة شعبيتها لدى دول كثيرة كانت على الحياد او ضدها سابقا وابرزها تركيا . وفي ضوء شبه المستحيل ‏لتحقيق القضاء على انتشار السلاح ونحن امام انتشار سلاح خارج الانظمة الرسمية العربية كالعراق وسوريا ‏ولبنان ومصر . يعطيك حجم العبث في الموازين العربية ! وهذا التنقاض له أسبابة ودوافعه وتواليه أيضا ‏التي يجب علينا أن نركز عليها لتوضيح الصورة كاملة لنا وللجميع . الحكومة الاسرائيلية منذ اليوم الأول ‏للعدوان تتخبط بين شعارات رنانة تذكرنا بالفم العربي الكبير لتهدئة شعبها المذهول من ضربات غير متوقعة ‏للمقاومة الفلسطينية مع محاولات للمزايدة بالتطرف على البعض داخل الائتلاف الحكومي ماهو الا هروب ‏للامام من حجم الضغط الشعبي وسنرى مدى الاحتجاجات الشعبية في كل المدن الاسرائيلة لاحقا . دون اي ‏استراتيجية لاحقة للعدوان مثل ان تفتح بطن مريض في غرفة العمليات ولا تعلم الخطوة التالية . الوقت ‏يمضي وكل دقيقة هي من عمر المريض وهو الائتلاف الحكومي الهش . حجم المفاجأة الاسرائيلية من ‏قدرات المقاتلين الفلسطينين منعها من الاقدام على غباء اخر كهجوم بري مثلا ! الإسرائليين الآن أمامهم حل ‏واحد لا غير في ضوء فقدان للبوصلة السياسية والعسكرية والمطروح وهو الحفاظ على ماء الوجة لنتانياهو ‏ومن يدعم سياسته اليمينية عبر إتفاق هدنة مع حماس دون غيرها من فصائل المقاومة. نتيجة هذه الهدنة التي ‏تلعب مصر وأوروبا الدور الأساسي للتوصل لها تكون بإظهار جميع الأطراف المتورطة بالمعركة علي أنها ‏الرابح . مثل كل مرة. ستقوم الهدنة وتعطي نتانياهو الفرصة الذهبية وانتشاله من وحل الخسائر التى لحقت ‏بالائتلاف والمجتمع والاقتصاد ويكون بإستطاعته حينها أن يقول لأطراف الحكومة ولشعبه إن الغرب ضغط ‏علي لقبولها لكي لا تحصل إساءة أكبر للرئيس الفلسطيني عباس لدى الرأي العام الفلسطيني وهو ثالث ‏الخاسرين في الحرب بعد الوسيط غير النزيه ،ما يمثل أفضل الخيارات لإسرائيل ، وإستفادة "القوى ‏المتطرفة" في الشارع الفلسطيني من الحدث مما يشكل خطراً مستقبلياً على إسرائيل والعملية السلمية فمن ‏يريد ان يعتبر الهدنة شيء غير جيد من مفهومه الشخصي سيقوم بذلك ، ولكن الجميع نسى الراي العام ‏الفلسطيني الحقيقي ولا احد وصي عليه وهو ما سيظهر في الوقت المناسب ، من الواضح للإسرائيليون مدى ‏الدعم العالمي للقضية الفلسطينية وإنزلاق سمعتها على المستوى الدولي للحضيض في مظاهرات الدعم لغزة ‏وللشعب الفلسطين في أنحاء العالم. أعتقد أن أي هدنة بأقل الحقوق الفلسطينية ستمكن غزة من الإهتمام ‏العالمي والعربي والفلسطيني الذي خسرته بعد سياسة خارجية غير فلسطينية في السنتين الماضيتين وتبرز ‏بشكل أقوى كمنافس لمنظمة التحرير وتقوي مركزها داخل المجتمع الفلسطيني من جديد مع العودة الى ذروة ‏شهرتها والحشد والتأييد لها مع سياسة جديدة مع المصريين بعض خفض التوتر وخصوصاً في معبر رفح مما ‏يساعد على تهدئة نوعية في الشارع الغزاوي ، قد يعكر صفو الوحدة الوطنية الشعبية القائمة . أخطر ما في ‏الهدنة هو إنهاء إحتمال أي إنطلاقة لإنتفاضة ثالثة في فلسطين المحتلة 67 و 48 !! . إنتفاضة ثالثة تعني ‏المسمار الأخير في نعش المفاوضات السرية ونهاية أكيدة لسلطة فلسطينية مهترئة مالياً وشعبياً ودولياً غير ‏قادرة على تلبية اي مطالب من اي طرف !! مع تركيز الدعم للنضال الشعبي المُحرج للإحتلال وإنتفاضة ‏متصاعدة في الضفة وكفاح مسلح بغزة لإسقاط أخر ورقة توت لاوسلو !! التي سترت عورة الإحتلال في ‏العقدين الاخيرين وكشف الوضع الحالي المزري وبالتالي فشل مروع أخرللغرب الذي راهن على كل هذه ‏السياسات الفاشلة المتناسية لحق تقرير المصير الفلسطيني على أرضه. القائيمين على المرحلة الجديدة ملقى ‏عليهم أمل وحرج وحب وأمانة ... لأنه بعد ذلك أي حرب أو سلام مع إسرائيل دون تحقيق الطموحات ‏الفلسطينية هي عبث ومقامرة بامتياز ولا استثي احداً .
علاء الدين سلامة

إرسال تعليق Blogger