0
أمريكا كدونكيشوت ديلامانشا تحارب طواحين الهواء وكلما استفاقت من فشلها في رحلتها الطويلة باتجاه سورية كلما زاد ضغطها عليها وأخرجت من جعبتها عقوبات اقتصادية جديدة لمعاقبة الشعب السوري الرافض للنهج والسياسات الخرقاء للصهينة الأمريكية.

 وفي هذا السياق، وسيراً على عادتها فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات أحادية جديدة على الشعب السوري الأربعاء الماضي تخالف قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بالتوازي مع إعلانها زيادة الدعم المالي والعسكري للمجموعات الإرهابية في سورية. 
 وقالت وزارة الخزانة الأميركية: إنها حظرت على المواطنين والشركات الأمريكية القيام بأي تعاملات مع شركتي مصفاة بانياس ومصفاة حمص ومصرف روسي وشخصيات سورية إضافة إلى تجميد أي أصول لها في المناطق الخاضعة للقانون الأمريكي.
وتعد العقوبات الأمريكية الجديدة خطوة أخرى تلجأ إليها واشنطن في إطار التضييق على اقتصاد ومعيشة وحياة الشعب السوري والضغط على حكومته ومن أجل رفع الروح المعنوية للإرهابيين على الأرض وللواجهة السياسية والإعلامية التي عيّنتها لهم في الخارج واستقبلتها أمس في واشنطن.
ويثبت التوجّه الأمريكي بمعاقبة مصافي النفط السورية التي تؤمن عصب الحياة المعاصرة وهو الوقود والطاقة مدى انخراط الولايات المتحدة في الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري ولعبها دوراً موازياً للدور الذي يقوم به مرتزقتها من الإرهابيين متعددي الجنسيات على الأرض في ذلك بعدما كانوا سطوا على حقول النفط والغاز وقاموا بتخريبها أو سرقتها.
وتكشف العقوبات الأمريكية مدى النفاق الذي تمارسه إدارة الرئيس باراك أوباما من خلال المتاجرة السياسية بمعاناة الشعب السوري واللجوء إلى استغلال العامل الإنساني للضغط على الحكومة السورية والدول الصديقة لها وللشعب السوري، ففي الوقت الذي تفرض فيه عقوبات تطول نواحي اقتصادية أساسية وحيوية للشعب السوري كقطاعات النفط والغاز والطاقة والزراعة فإنها تدعو مجلس الأمن إلى التحرك والتدخل في سورية بحجة المعاناة الإنسانية للسوريين.
لقد جاءت العقوبات الجديدة لتؤكد من جديد على أن رغبة أمريكا في تشجيع الفوضى وعدم الاستقرار قد تجاوزت كل الحدود، وأن المراد من كل تلك العقوبات هو إضعاف سورية وجعل دورها الإقليمي أقل تأثيراً ونشاطاً بعد أن توافقت الرؤى السياسية على ذلك منذ عام 2005 وبعد التدخل الفرنسي في صياغة القرارات الدولية الخاصة بلبنان.
فالمحاولات الأميركية وما تبعها من السياسات ''العقابية'' المتعددة للهيمنة على القرار الوطني والضغط على سورية ليست بجديدة، فمنذ أن ابتدع الأميركان ''قانون محاسبة سورية'' إلى التّدخل في الشؤون الداخلية السورية، وفرض العقوبات الجديدة على المسؤولين السوريين وبعض رجال الأعمال السوريين، يجعل منها خرقاً واضحاً لما شرع لأجله القانون الدولي والمنظمة الدولية.
إن ميثاق هذه المنظمة الدولية واضح تماماً فيما يتعلق برفضه للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء حتى من قبل المنظمة الدولية ذاتها، فقد جاء في الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة ''ليس في هذا الميثاق ما يسوِّغ للأمم المتحدة أن تتدخَّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطات الداخلية لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل بأن تحلَّ بحكم هذا الميثاق على أن المبدأ لا يخلُّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع''.
وحتى المنظمة الدولية استناداً لهذه المادة لا يجوز لها التدخل بالشأن الداخلي للدول الأعضاء، وهو من باب أولى لا يسمح لأي دولة من الأعضاء التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى على اعتبار أن مبدأ عدم التدخل هو من أهم المبادئ التي قامت عليها منظمة الأمم المتحدة عام 1945.
وعند العودة للفقرة الأولى من المادة السابعة نجد أنها نصت على أن ''تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها'' فنلاحظ أن ما جاء في الفقرة السابعة والفقرة الأولى ما هو إلا ربط واضح بين عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية وبين مبدأ المساواة في السيادة والحقوق بين جميع الدول الأعضاء في هذه المنظمة الدولية، فكيف لدولة تتمتع بالسيادة وقد وقعت على ميثاق الأمم المتحدة ومتساوية مع جميع الدول تخول لنفسها التدخل في الشؤون الداخلي للدول وتحاول أن تفقدها السيادة!؟
ولكن لماذا هذا الصمت المريب الذي تمارسه المنظمات الدولية وبخاصة منظمة حقوق الإنسان والأمم المتحدة أمام ما يمارس من جرائم وترويع للمواطنين من قبل المخربين المدعومين أميركياً، ولماذا الصمت على تكريس القانون الدولي ومجلس الأمن لخدمة مصالح السياسة الخارجية الأميركية وما يتوافق معها...
فها هو الأكاديمي الأميركي نعوم تشومسكي يقول: ''تعتبر الدبلوماسية والقانون الدولي عائقاً مزعجاً لسياساتها إلا إذا أمكن تسخيرها على نحو مفيد ضد العدو''. والمشين في الأمر أن تتخذ الولايات المتحدة الأميركية أسلوب المكافأة والعقاب مع حلفائها الذين خضعوا لسياسة ''شراء الذمم''، فعلى سبيل المثال لتجنب أي احتمال لتصويت الصين بالفيتو ضد قرار الحرب على العراق امتنعت واشنطن عن انتقاد مذبحة ساحة ''تيان أن مان'' وسهلت قرضاً للصين بقيمة 114 مليار دولار من البنك الدولي، وكما وصفت قرار اليمن المعارض للحرب بأن ثمنه سيكون مكلفاً، وقامت بإيقاف برنامج مساعدات لليمن بقيمة 70 مليون دولار وأوعزت للمملكة العربية السعودية بطرد 800 ألف عامل يمني فيها.
أما خارج المنظومة الدولية فقد قامت الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات اقتصادية بالاشتراك مع دول أخرى لا تحتاج لشراء ذممها لأنها بالأصل تابع وذيل للسيد الأميركي وبالذات بعض دول الاتحاد الأوروبي تحت ذريعة أن تلك الدول غير متعاونة مع المجتمع الدولي أو تمثل محور الشر أو أنها منبوذة دولياً، وما بين عام 1940 حتى عام 1992 قامت الولايات المتحدة الأميركية بفرض 25 حالة حصار بالتعاون مع حلفائها على دول تحت حجج مختلفة ولا تستطيع أي ذاكرة في التاريخ أن تمحو العقوبات التي فرضتها على كوبا بحجة وجود نظام شيوعي فيها بقيادة فيديل كاسترو منذ عام 1960، وقد استصدر مجلس الأمن قراراً بالأغلبية بتاريخ 1995 يدين فيه استمرار الحصار على كوبا، فكان الرد الأميركي أن استصدر قانوناً من خلال الكونغرس باسم قانون ''هلمز ـ براكون'' يقضي بمعاقبة حتى الشركات الخاصة التي لها نشاط اقتصادي مع كوبا.
وفي المقلب الآخر من الصورة التي ترسمها الولايات المتحدة الأميركية، نجد أن الكيان الصهيوني وعلى مرأى ومسمع الشرعية الدولية والمجتمع الدولي يمارس كل ما يعرفه العقل البشري من انتهاك لحقوق الإنسان، من هدم البيوت ومصادرة الأراضي والقتل بالجملة وإغلاق المدارس والجامعات وحرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم المعيشية الإنسانية وانتهاج سياسة العقاب الجماعي وقطع مصادر إمدادات الغذاء والدواء وحتى الهواء تحت ذرائع أمنية واهية، والضغط النفسي ومحاولة إركاع الفلسطيني وإخراجه من أرضه في ترانسفير جديد بانتهاج سياسة الأبعاد والطرد والاعتقال التعسفي وعدم المحاكمة، ويحرم الآلاف من الوصول إلى قراهم ومدنهم وأماكن العبادة وإلى المستشفيات...
فما كانت ردود الفعل الدولية برأيكم وكيف كان يرى السيد الأميركي كل هذا، هل كانت تتعدى ردة فعل المجتمع الدولي برمته والأميركي بخاصة حالات الشجب والاستنكار، هل استنفرت منظمات حقوق الإنسان طواقمها لإيقاف هذا الواقع الأليم، هل سمعتم يوماً أن الكيان الصهيوني البغيض وصف من قبل المجتمع الدولي ومنظماته أنه ينتهك حقوق الإنسان ويخترق القانون الدولي ويستحق العقاب.
هذا هو المشهد اليوم وهذه هي السياسة الأميركية التي تغذي شعوب منطقتنا بالكراهية وتغذي نعرات العنف وتجعل شعوبنا تدور بعيداً عن روح التسامح.
اِن قرارات  أمريكا الاقتصادية والسياسية الجائرة ضد الشعب السوري منذ بدء الأزمة المفتعلة وحتى الآن تؤكد أنها تعمل على معاقبة السوريين من خلال تمويل وتسليح مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة وأخواتها في سورية وذلك بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين تنفيذاً لمخطط قديم ينفذ حالياً ضد سورية وبعض دول المنطقة وهذا ما كشفه موقع غلوبال ريسيرش الكندي حيث قال في تقرير له ان ما يجري في سورية ودول كثيرة غيرها هو مؤامرة موثقة خطط لها منذ سنوات وتنفذ حالياً أمام الجميع مشيراً إلى أنّ هناك اتفاقاً عقدته واشنطن والرياض منذ عام 2007 لزعزعة استقرار سورية وإيران من خلال المجموعات الإرهابية المسلحة
فإدارة أوباما لن تفلح أبداً أمام اتحاد الشعب السوري مهما فرضت من عقوبات وستعود إلى نقطة البداية في رحلتها الدونكيشوتية خالية الوفاض في محاربة طواحين الهواء التي ستتحول من حلم إلى حقيقة تسحق جميع الأوهام الأوروبية الأميركية في رسم خريطة سايكس بيكو جديدة تمزق المنطقة شر ممزق، والسوريون يعرفون طريقهم وسيعاقبون من يريد معاقبتهم بصبرهم على جميع العقوبات الاقتصادية وما ينجم عنها من ضيق في الأحوال المعيشية وهي جزء بسيط من (ديمقراطية) الغرب في تطويع الشعوب وإلحاقها بركب العبودية والخنوع والشعب السوري لا يعرف هذه المفردات ولن يعرفها أبداً.‏
لقد كثر الطبّاخون في مطبخ التآمر الأمريكي ـ الصهيوني ولكن ليس على النار سوى أجساد السوريين وقوتهم وأرزاقهم، ومن الواضح أن طبخ المكائد سيستمر إلى زمن طويل، كما أن النفخ الأميركي العربي المتصهين في النيران سيكون أطول، إلا أن السحر لا بد أن ينقلب على الساحر، وسيأتي اليوم الذي سيتذوق فيه الأوروبيون وأسيادهم وخدمهم طعم السم الذي يدسونه للسوريين بعد أن تحرق سورية طبخاتهم القذرة وتخمد وللأبد لهيب عدوانهم.‏
والمسألة لم تعد فقط وفق مقاييس الغاية والرسالة التي تريد أمريكا أن تسطرها اليوم في عالم تتعدد فيه الاتجاهات الرافضة لكل هذه الممارسات، وإنما أيضاً في الحسابات التي تعكس ضيقاً غير مفهوم ونزقاً سياسياً غير مسبوق وهي تتلطى خلف الزوايا المعتمة أو بجانب الأبواب المواربة.‏ وقد يكون من المفارقات الصارخة أن نرى ونحن في القرن الحادي والعشرين هذا النموذج الأمريكي في التعاطي وفي هذه العقلية التي تريد أن تعيد تأطير الاستعمار بلونه وشكله في زمن لم يعد مسموحاً لأحد أن يفكر فيه أو أن يسترجع أحلامه البائدة.‏
 فالاستنساخ الأمريكي اليوم للضجر المتزايد من أفول نجمه السياسي ودورها على المسرح العالمي يبدو في أردأ حالاته ومشاهده، ويجسد الوجه القبيح الذي تقدمه أمريكا حتى في شعاراتها التي تزيد من رداءة أدائها السياسي المتخم بترسبات الماضي، والمشبع بانكسارات الحاضر وخيباته.
فالشعب السوري لا يسمح لنفسه باستعطاف أحد، أو إضاعة الوقت بإقناع آخر، بالقول: إن العقوبات تستهدف شعب سورية لا ''نظامها''، ولن يرضى لنفسه أن يقدم لهم مثل هذه المتعة في التشفي، أو أن يقلدهم هذا الشرف... كل ما هنالك أنه قادر على التحمل، ومصمم على المواجهة، وأنه ماض في اختبار الذات وتحدي ضغوطات الخارج إلى أبعد نقطة.     
لكن العالم بأسره والتاريخ سيدين الولايات المتحدة بسبب الجرائم الاقتصادية الوحشية التي تمارسها ضد المدنيين السوريين  العزّل، وكذلك سيدينها المواطنون الأمريكيون وغيرهم ممن يعلمون حقيقة ما يحصل على الأرض السورية، فالنسبة الساحقة لا تقبل، و لن تقبل استهداف المدنيين الأبرياء، بفرض عقوبات جديدة عليهم، إنهم يعبرون عن إحساسهم بالعار، ليس فقط بسبب الحروب الشعواء التي تطال المنطقة منذ أحد عشر عاماً فحسب، فقد أضيفت إليها جريمة العقوبات الحالية والمستمرة على الشعب السوري.
وفي الآونة الأخيرة، تزداد الكراهية التي جلبتها حكومة الولايات المتحدة لنفسها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، باستهدافها للمدنيين، لأن السوريين يعلمون أن كل الألم والمعاناة التي تطالهم ليست إلا صنيعة أمريكية.
فأوباما يؤكد للعالم بأسره أن لدى أمريكا القدرة على تدمير حياة المدنيين الآمنين، ولكن الشعب الأمريكي أفضل بكثير من أوباما وحكومته. وأتذكر قولاً لـ ''واين مورس'' عضو مجلس الشيوخ الراحل يقول فيه: ''كل واحد منا نحن الأمريكيين لديه التزام شخصي للتغير، بكل الوسائل القانونية اللازمة، لكن حكومتنا تقوم بذلك بطرق إجرامية''.
ختاماً، إن ما ترتكبه أمريكا من إرهاب اقتصادي بحق سوريا، لا يخدم الشعب السوري، ولا مصالحه وحريته، بل هو برنامج لتفكيك هذا الشعب البطل، وليتصادم هذا الشعب مع نفسه، ليسهل للدول صاحبة المصالح تحقيق مصالحها من جهة، ولخدمة النظام العالمي الجديد الذي تعمل له الولايات المتحدة الأميركية والمنظمة الصهيونية العالمية المتوافقة معها، ولتكون الولايات المتحدة بذلك قادرة على التحكم في مقدرات العالم ومبادئه وفق نظامها وقيمها وأخلاقها، فهي وفق نظرتها تسعى إلى تكسير كل الحدود التي تعوق حركتها الهادفة إلى التحكم في موارد العالم، وإلى القضاء على كل شعور أو إحساس وطني أو قومي عند الشعوب، الذي يقود إلى نزعة فردية تدمر روابط المجتمع، وتقود إلى الخضوع دون إرادته إلى النظام الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة التي لا تقبل في المشاركة أو التشارك مع أحد مع من يبدو حليفاً لها.                                                                 بقلم: مصطفى قطبي                             

إرسال تعليق Blogger