0
الكتاب السالف الذكر كان قد  نشر في نسخته الفرنسية خلال  شهر جوان الفارط عن دار فايار للنشر والتي بالنظر الى اقبال القراء عليه قامت بإعادة طبعه للمرة الثا
و يعتبر الكتاب حدثا تونسيا و هو ما لمسناه في  معرض تونس الدولي للكتاب حيث كان الإقبال كبيرا عليه لاقتنائه حيث  طرح القضية التونسية الراهنة وهي السبيل للخروج من عنق الزجاجة ومما تتخبط فيه تونس بعد الثورة من أزمات  سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وفكرية ذات علاقة بالهوية و الإرهاب ...كل ذلك في ظل سداد تام للأفق وتعطل تام لمسار الانتقال الديمقراطي بفعل عدم اكتراث المسؤولين الحاليين   على  البلاد من سياسيين ومعارضين وسلطة حاكمة  بخطورة الموقف وتشبثهم المفرط بالسلطة كما
يتحدث المؤلف عن الوضع والشعب الذي هو  في انتظار صدور الدستور وتركيز اللجنة العليا للانتخابات والشروع في إعداد المحطات الانتخابية القادمة التي ستؤسس للدخول في مرحلة الممارسة الديموقراطية الفعلية كما يحلل...كيف تم ارتهان الثورة من قبل الإسلام السياسي الذي انحرف  بها عن مطالبها الشعبية والمتمثلة في الشغل والحرية والكرامة

كما يستعرض الكتاب في بدايته مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها البلاد منذ آلاف السنين والشعوب والحضارات والأديان التي تعاقبت عليها والتي كونت مقومات  الهوية التونسية التي بدأت بوادر تهديدها مع اعتلاء التيار الإسلامي لسدة الحكم وليستخلص المؤلف أن كل هذه البوادر ستبوء بالفشل لا محالة
المؤلف اعتمد في أسلوبه على تحليل أكاديمي دقيق وعميق لاستقراء التاريخ السياسي والاجتماعي لتونس من خلال مقاربة موضوعية ومستنيرة وعلى  الوقائع المادية المدعمة التي أدت إلى ميلاد حركات الإسلام السياسي في تونس  التي كان هاجسها الرئيسي الوصول الى الحكم وارساء الخلافة كنظام للحكم واعتماد الشريعة كمرجع لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي امتداد للفكر الاخواني الذي انطلق في مصر وتركز في مختلف بلدان الربيع العربي
كما يتطرق الكتاب الى النظام الإسلامي في تونس وكيف يقف ضد التوجهات الحداثية التي انطلقت في تونس مع المصلح خير الدين باشا والحبيب بورقيبة مؤسس الدولة الحديثة  والمؤلف  ان كرم بورقيبة في كتابه   فانه انتقده ايضا وسرد أخطاءه بموضوعية ووصفه بالوقوع في فخ الرئاسة مدى الحياة قبل ان يقوم بن علي بانقلاب ضده الأمر الذي  تفاعل معه الشعب في البداية قبل ان يحيد عن المسار الديموقراطي وينحى نحو الاستبداد إلى أن جاءت  انتفاضة الشعب في 14 جانفي 2011
كما يصف الكتاب فرحة الشعب التونسي  بالثورة قبل أن تظهر انتخابات 23 أكتوبر الانقسام إلى إسلاميين ومدنيين  في تركيبة المجلس التاسيسي وظهور بوادر الانقسام  وكيف ان الشق الاسلامي بنى خطابه على الهوية ولم ينخرط في اهداف الثورة
بقي أن نشير أن صدور الكتاب في هذه الفترة جاء لتوضيح حقيقة الوضع التونسي وفهم أهداف الإسلام السياسي وهو ما يعد تحديا من اجل التوعية ودعوة صريحة لضرورة استرجاع النموذج المجتمعي التونسي الذي بات مهددا بالانهيار إضافة إلى الدولة التي شابها الخراب
هذا وقد وضع المؤلف في كتابه تحديا دعا من خلاله المجتمع المدني بشكل عام والمرأة بشكل خاص إلى ضرورة الوقوف ضد كل ما يتهدد تونس الحداثة وما يستجيب إلى تطلعات التونسيين
أما اللافت  للانتباه فيتمثل في أن المؤلف لطفي مقطوف  قد استشرف الوضع التونسي بدقة كبرى حيث أن النسخة الفرنسية الصادرة منذ أشهر  مضت تحدثت عن الوضع التونسي وعما سيؤول إليه وها هو يعكس  اليوم بشكل يكاد متطابقا   بما يؤكد على خبرة المؤلف وبعد نظره وسعة اطلاعه  واستباقه الصحيح للأحداث  والتي نذكر من بينها  تنامي العنف والجريمة والنزوع إلى الاغتيالات والانهيار الاقتصادي ....
 الكتاب ترجم إلى خمس لغات وهي العربية والتركية والبرتغالية والروسية علما بان المؤلف قد تبرع بكامل حقوق تأليف الكتاب إلى جمعية المدنية التونسية
للتذكير المؤلف لطفي مقطوف وان بدا للوهلة الأولى غير معروف لدى عامة التونسيين فان ذلك يعود بالأساس لتواجده بالخارج لكن ذلك لم يمنعه من البقاء متيما بحب تونس وملما بمختلف تطورات الوضع بحكم أنشطته المهنية كعضو بعمادة المحامين بنيويورك   ثم من خلال عمله لسنوات في بورصة وول ستريت قبل التحاقه بصندوق النقد الدولي كمستشار رئيس وكمؤسس لمجموعة ناجحة مختصة في الأعمال البنكية والطاقة والسياحة ذات البعد الدولي ناهيك عن أنشطته الخيرية  والإنسانية وانخراطه في منظومة المجتمع المدني من خلال تاسيسه لجمعية المدنية التنموية في تونس اثر الثورة  و اثر جولة كان قام بها لعدة شهور وجاب فيها مختلف مناطق الجمهورية للاطلاع عن كثب على وضع التونسيين  ورصد احتياجاتهم
 جميلة كسوري

إرسال تعليق Blogger