0
تبدو الوظيفة التثقيفية لوسائل الإعلام المرئية المحلية اليوم محط اختبار حقيقي. فالخلل بين الجانبين، ونقصد الإعلام والثقافة، يبدو أمراً واقعاً إلاّ من بضع إشارات لا تغني المشهد و لا تسمنه، فتلك البرامج لها بعدان لا ثالث لهما: التقريرية والسطحية وهو ما لا يساعد في تحقيق دور تلك الوظيفة التي يفترض بها أن تكون ناقلة للتراث الاجتماعي من جيل إلى جيل.


ولاشك أن ثمة من يقول إن الإعلام الجزائري المحلي بعيداً عن الدراما لم يحقق شروط وجوده بالقدر المقبول اجتماعياً. فوظيفتا الإمتاع والترفيه، والإعلان والترويج اللتان لهما صلة عضوية بالثقافة، غير متيسرتين، وبالتالي لا يمكن الحديث عن جزء مفقود في ظل غياب الكل.

وعلى هذا المنوال فإن البرامج التي تحاكي الثقافة الجزائرية تعاني من الرؤية القاصرة نفسها التي أدارت السياسة الإعلامية العامّة لسنوات خلت.

على مستوى البرامج الثقافية ذات الطابع الحواري المتخصص، لا يجد المشاهد الجزائري من بدّ في تغيير القناة بعد فترة وجيزة من الزمن بسبب ضآلة القيمة المستنبطة. فالمقدم هو موظف يعمل بوظيفة مذيع أخبار أو في أحسن الأحوال يحمل صفة مقدم برامج لا يمتلك من ثقافة الحوار وأدبياته الحد الأدنى، فهو يسأل ويقاطع ويقطع متى شاء وكأن الذي يتحاور معه موجود برسم إشارته.

وهذه الحالة لم تكن موجودة، لكن عدوى تقليد المقدمين على الفضائيات العربية قد انتقلت إلينا كالفيروس دون حساب للخصوصية والحجم المهني للضيف. ويبدو أن الرؤية الإعلامية لم تكن ترى في أهمية البرامج الثقافية دورها الحقيقي في خلق رأي عام مثقف ونوعي وبدت العلاقة بين الاثنين مجرد علاقة تجاور وليست تفاعل...

وهو ما أدى إلى خلق مشهد سلبي ومتنافر ما بين الوسيلة الإعلامية وجمهور المشاهدين الذي طالما رغب في نقلة نوعية تسهم في تحديث المفاهيم وتطوير الأدوات لتواكب سرعة العصر وحيوية الحركة الثقافية في العالم التي تستقطب جمهوراً متزايداً لعبت فيه وسائل الإعلام المرئية دوراً بارزاً ومهماً تتسابق الفضائيات لشراء برامج تهتم بهذا الجانب وبثها مرات ومرات.

إن توسيع دائرة الاهتمام بالبرامج الثقافية بالإعلام المرئي الجزائري يحتاج إلى دراسات ميدانية حقيقية واستطلاعات رأي لأوساط مختلفة وشرائح اجتماعية متعددة حول حاجات تلك الأوساط من أفراد وجماعات، ومعرفة المعطيات النوعية التي يتجاوب معها المشاهد الجزائري بهدف سحبه من دائرة الاستهدافات التي تريد جعله أسيراً لمفاهيمها التي بتنا نعاني منها اليوم ونحن نخوض حرباً إعلامية عولمية شرسة تتعلق بوجودنا الوطني.

ذلك الوجود المستهدف عبر تشويه العقل الجزائري والعربي وتزوير إرادته عبر ثقافة التحريض والفتنة المنطلق بالدرجة الأساس من المنابر الإعلامية الفضائية، والساعي إلى الارتداد إلى الماضي بهدف موضعة المشاهدين بعيداً من الحاضر ومعضلاته، وتغييب كل ما يساعد في تكوين ثقافة إنسانية تعترف بالآخر والتعايش المشترك...

الأمر الذي يتطلب إعادة صياغة المناهج الإعلامية برؤية جديدة ومغايرة، كما يتطلب جهداً استثنائياً لعلماء ومفكرين وساسة ومخططين وإعلاميين ومثقفين وموجهين ومربين، يساهمون في بلورة ماهية الثقافة النافعة والمبدعة والمستنيرة التي تسعى إلى ترسيخ وعي المشاهد الجزائري بهويته الوطنية والدينية البعيدة عن التعصب والرؤية الأحادية، وتسهم في تحقيق غايات التنمية والحركة الإصلاحية التي انطلقت بهدف رفعة الوطن.

وبعيداً عن العوامل الموضوعية التي تعيق تطوير البرامج الثقافية في الإعلام المرئي الجزائري، فإن ثمة عوامل ذاتية تتمثل بتهيئة الكفاءات البشرية التي يقع على عاتقها همّ صناعة تلك الثقافة في وسائل الإعلام، وتوفير الدعم المادي لتمويل إنتاج البرامج والمواد الإعلامية التي نريد تقديمها للجمهور الجزائري في إطار رفيع المستوى من الحرفية والإتقان المهني.

والجذب الإعلامي يحتاج أيضاً إلى إسهام القطاع الخاص الوطني في إيجاد الراعي ''مستشهر'' من دور نشر وشركات إنتاج متخصصة وجمعيات غير ربحية تعني بأمور الثقافة، قادرة على النهوض على تحسين صورة البرامج الثقافية، بحيث تصبح قادرة على عكس حال الثقافة والمساهمة في الارتقاء بمستواها إعلامياً.


بقلم: مصطفى قطبي

إرسال تعليق Blogger