
فقد أكد اللواء الليبي خليفة حفتر قائد عملية الكرامة لاستعادة واسترداد ليبيا من براثن الجماعات الإرهابية والمتطرفة أنه يؤيد توجيه ضربة عسكرية لمعاقل الإرهاب تؤمن حدود مصر ودعا الرئيس «السيسي» للتدخل لمحاربة الإرهاب في ليبيا وهو ما أثار ردود أفعال واسعة بين مؤيد يراها ضرورة أمنية قد تستدعي اليها تطورات الأوضاع داخل ليبيا وعلي الحدود المصرية الليبية في حين حذر البعض الآخر من الدعوة خوفا من الإيقاع بالجيش المصري وضرب مصر بعد فوز السيسي وليس ليبيا كما يشاع. مخاوف وتساؤلات مشروعة يستعرضها التحقيق التالي حول التدخل العسكري المصري المحتمل في ليبيا وهل هو ضرورة أمنية أم كارثة يمنية جديدة؟!
المتغيرات التي تشهدها المنطقة وليس مصر فقط باتت ترعب الجماعة الإرهابية وتنظيمها الدولي والتنظيمات الإرهابية الموالية لها بعد أن وصلت الأوضاع في المنطقة الي مفترق طرق خطير بعد ظهور هؤلاء الإرهابيين المجرمين ومن هنا كانت المخاوف المصرية من تحول الحدود مع ليبيا البالغ طولها نحو 1490 كيلومترا الي وكر للجماعات المتطرفة التي تضمر الشر للبلاد وتهدف الي تفجير الأوضاع والعبث بأمن المصريين وأرواحهم ومكاسبهم الاقتصادية بعد وصول الرئيس السيسي لمقاليد الحكم وقد زادت تلك المخاوف بعد سقوط الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي وعصابته الإخوانية وزاد الطين بلة انتشار حوادث خطف وقتل المصريين في ليبيا وإغراق البلاد بالحشيش والمخدرات والسلاح بشتي أنواعه الي جانب تزايد النشاط التخريبي للجماعات المتطرفة من تنظيم أنصار الشريعة الموالي للقاعدة وسائر العناصر المتحالفة معها كجماعة أنصار بيت المقدس التي قتلت خلال الأشهر القليلة الماضية نحو 500 ضابط ومجند في اعتداءات استهدفت رجال الأمن والشرطة والجيش وصولا للهجوم الدموي الذي هز محافظة الوادي الجديد وراح ضحيته ضابط و5 جنود مصريين في إحدي المناطق الجبلية بالواحات قرب الحدود المصرية الليبية شمال غرب البلاد وكل هذا أكد تنامي تهديدات العناصر المتطرفة من جماعة الإخوان والتنظيمات المرتبطة بالقاعدة الناشطة حاليا في ليبيا ومن قبلها كان التلويح بتحركات مزاعم الجيش المصري الحر وسط تزايد للأصوات المطالبة بإعادة انتشار الجيش المصري علي طول الحدود المصرية الليبية خشية تحول مناطق متفرقة من تلك الحدود الي حواضن فاعلة للإرهاب والإرهابيين الذين باتوا يهددون أمن مصر واستقرارها.
قصف جوي
بعد مقتل الجنود المصريين بالواحات رد سلاح الجو الليبي الموالي للواء خليفة حفتر بقصف مواقع المتطرفين في شرق ليبيا وغير بعيد عن الحدود المصرية وهو ما أرجعه تنظيم القاعدة الي السيسي رغم نفي العميد صقر المجروشي قيام القوات الجوية بالقصف الجوي بالهجوم الدموي علي الجنود المصريين الخمسة بالواحات في المقابل نجد تأكيد المحلل السياسي الليبي سامي عاشور بأن استهداف الجنود المصريين هو ضربة استباقية لإرباك مصر في هذه المرحلة الدقيقة لا سيما أن الجماعات التكفيرية المتطرفة الناشطة في ليبيا لها علاقات وطيدة مع المجموعات الجهادية في مصر ومن ثم فالهجوم الدموي علي الجنود المصريين حسبما يري عاشور وراءه جماعة من المتطرفين التكفيريين لاعتبارات تكتيكية مرتبطة بخطط هذه الجماعات والتي استطاعت إيجاد موطئ قدم لها في شرق ليبيا وهو ما تشير له تقارير استخباراتية بأن المئات من هؤلاء المتطرفين قد تمركزوا في شرق ليبيا واستفادوا من الانتشار الكثيف للسلاح لتشكيل معسكرات لتدريب المتطرفين العرب والأجانب المرتبطين بتنظيم القاعدة طوال 3 سنوات مضت، ولذلك يري بعض المحللين ومنهم سامي عاشور المحلل السياسي الليبي أن هؤلاء المتطرفين وراء هجوم الواحات وليس للمهربين كما أعلنت السلطات المصرية لأن المهربين ليسوا علي استعداد للدخول في مواجهة مفتوحة مع الجيش المصري بهذه القسوة في هذا التوقيت بالذات!
ومع نجاح القوات المسلحة في تدمير الأنفاق بسيناء ومحاصرة الإرهابيين، ومنع دخولهم وخروجهم ما بين غزة وسيناء ليصبح البديل لعبث هؤلاء الإرهابيين والمتطرفين بأمن مصر وليبيا لتتحول الحدود الليبية المصرية لمسرح جديد لممارسة الإرهاب وضرب الاستقرار بها علي وجه الخصوص بعد وصول السيسي لحكم البلاد.
مسافة السكة
وكان المشير السيسي وهو لا يزال مرشحا للرئاسة وقبل فوزه برئاسة مصر أكد الخطر القادم من ليبيا علي طول الحدود الليبية المصرية وأن شرق ليبيا بات يؤوي معسكرات لتدريب الجهاديين الذين يعملون بالتنسيق مع الإخوان المسلمين كجماعة جيش الإسلام وجماعة أنصار الشريعة وهي الأبرز وفقا لحوار السيسي مع «فوكس نيوز» وهي ذات الجماعة التي تحملها واشنطن المسئولية عن الهجوم علي القنصلية الأمريكية في بنغازي.
وبعد تصريحات السيسي بأن أمن الخليج والأشقاء العرب من أمن مصر وأن من سيحتاج مصر للوقوف بجواره أمام أي عدوان فإنه وعلي حد تعبيره «مسافة السكة»، ولن تتأخر مصر عن دعم أشقائها العرب وتزامن ذلك بعد الإعلان، عن تشكيل قوات مصرية للتدخل السريع والتي سوف توسع من مهامها لمواجهة الإرهاب المحتمل الي ضرورة القيام بعمليات باستباقية خارج الحدود لمواجهة أي أخطار تأتي من ليبيا والسودان وغزة وغيرهم من المتربصين بمجريات الأمور بمصر.
فمصر بالفعل تواجه مخاطر وتحديات تهدد أمنها القومي من ثلاث جبهات الجنوبية والغربية والشرقية.. تحديات ومخاطر تجدد بين الحين والآخر المخاوف لدي بعض المصريين من احتمالات رضوخ مصر لمطالبات التدخل العسكري المصري في ليبيا من أنه ضرورة أمنية أم كارثة تضاف لكارثة التدخل المصري في اليمن.
التدخل المصري
ومسألة تدخل مصر عسكريا في دول أخري ليس بجديد وإنما دائما ما كان وفقا لمطالب واستغاثات تلك الدول وتماشي ذلك مع منظومة ومتطلبات الأمن القومي المصري.. فتدخل مصر غير المعلن كان عندما تدخلت عسكريا عند انقلاب حزب الأمة وطارق المهدي علي الرئيس جعفر النميري وعندها أعطي «السادات» تعليماته لمبارك بضربة قوية لمقر قيادة حزب الانقلاب واستمرار نميري رئيسا للسودان.. كذلك تدخلت مصر في ليبيا عندما أراد القذافي إجبار مصر علي الدخول مع ليبيا في وحدة ودفع بجماعات من الشعب الليبي تمكنت من عبور الحدود بعد السلوم بمسيرة للبشر والسيارات ووقتها قامت مصر بضربة عسكرية شديدة ضد القذافي لمنع دخول تلك المسيرات الليبية الشعبية.
أما التدخل العسكري المصري المعلن فكان في اليمن أيام ثورتها الجديدة ومطالبة اليمن للرئيس جمال عبدالناصر بمساعدته في صد الأخطار التي تهدد اليمن من جهة السعودية وقتها أرسل عبدالله السلال نائبه عبدالرحمن البيضاني لإقناع «عبدالناصر» بإرسال قوات مصرية لحماية الثورة ورجالها وكان لـ«السادات» دور في إقناع ناصر بهذه المهمة وكانت تلك الكارثة اليمنية بدايتها بكتيبتين من الجيش المصري ومع تطور العمليات العسكرية وصل عدد القوات المصرية هناك لأكثر من 50 ألف ضابط وعكسري وتحولت المعركة من تأمين للثورة الي حرب غير معلنة رسميا بين مصر والسعودية علي الأرض اليمنية وهنا وجه الاختلاف ما بين التدخل المصري في اليمن وما بين ليبيا فالتدخل في ليبيا قد يكون فخا للجيش المصري وقد يدفع دولا أجنبية غير عربية في هذا الصراع ونحن نعلم مطامع دول كأمريكا وبريطانيا وفرنسا في ليبيا وفي خلق شرق أوسط جديدة خاصة أن الأوضاع في سوريا كارثية والمخاوف متشابهة بشأن ليبيا التي تشهد صراعا ما بين أيضا قوي عديدة حول السلطة في سوريا.. فالتدخل المصري دائما ما يكون استجابة للأشقاء كما حدث في الكويت!
خطوة مستحيلة
اللواء محمد علي بلال قائد القوات المصرية في حفر الباطن أثناء محاولة احتلال العراق للكويت، يري أنه رغم دواعي الأمن القومي المصري لا يمكن الاستجابة لدعوة اللواء خليفة حفتر بالتدخل العسكري المصري لضرب بعض المواقع الإرهابية ولا المطالبات البعض بالتدخل لحماية مصر من هجوم متوقع لهؤلاء الإرهابيين والمتطرفين علي مصر ولذلك تأتي دعوة اللواء وغيره علي عكس الوضع ودعوة الاستغاثة من حكام اليمن لحماية الثورة اليمنية بالجيش المصري، أما ليبيا فالدعوة جاءت من أحد طرفي النزاع.
ليبيا مختلفة
وعلي عكس رأي اللواء محمد علي بلال يري اللواء حمدي بخيت الخبير الاستراتيجي أن التدخل العسكري المصري في ليبيا أو غيرها جاء ومشروع طالما كان بهدف حماية الأمن القومي المصري من تلك العناصر الإرهابية والمتطرفة التي تشكل خطرا واضحا ومعلنا فمصر وغيرها دوليا من حقها أن توسع مسرح حربها إذا ما تعرض أمنها القومي للخطر ومع ذلك فالوضع في ليبيا حساس ويستلزم أن نضع في اعتباراتنا أنها لم تعد دولة فلا يوجد بها حكومة مركزية تسيطر علي الأمور والأوضاع هناك فالجماعات الإرهابية الموجودة في ليبيا لا تخرج عن كونها إعادة مركز لكثير من العناصر الإرهابية من أفغانستان والجهاز السلفي الجهادي والإخوان وجميعها جماعات تتحرك وتراقب من قبل أجهزة استخباراتية عديدة ولدول عظمي تعمل للأسف ضد مصر لذلك فعند استشعار القوات المسلحة للخطر قد تدخل الي العمق الليبي ولكنه تدخل سيختلف تماما عما حدث باليمن وليس هناك وجه للمقارنة فالقوات المصرية البرية لن تتدخل أبدا الي العمق الليبي كما حدث في اليمن وسيكون التدخل في ليبيا ومجموعة ضربات جوية لمعاقل الإرهابيين والمتشددين والمتطرفين خاصة أن الخطر القادم من ليبيا قد يستدعي التدخل السريع ولكنه أبدا لن يكون تكرارا لسيناريو اليمن ولن يسمح الشعب ولا الجيش بتكرار هذا السيناريو الذي قام به «عبدالناصر» مجددا.
أما اللواء أركان حرب محسن حمدي الخبير العسكري والاستراتيجي فقد استنكر من جانبه طلب اللواء خليفة حفتر قيام الجيش المصري بعملية عسكرية داخل الأراضي الليبية خاصة بعدما أصبحت ليبيا شبه مقسمة ومن ثم لا يجوز الانحياز لطرف علي حساب الآخر ولو من دواعي الأمن القومي المصري أو مساعدة الشقيقة ليبيا في محاربتها للإرهاب وعندئذ سيقتصر دور القوات المسلحة المصرية في حماية الحدود الغربية ومنع عبور وتهريب السلاح والمخدرات.
مطلوب.. ولكن!
عباس الطرابيلي، الكاتب السياسي يري أن التدخل العسكري في ليبيا قد يكون مطلوبا ولكن ليس من جهة مصر فقط وإنما مصر تكون ضمن مجموعة دول للمحافظة علي وحدة ليبيا خصوصا أن هناك من يحاول تفتيت ليبيا الي برقة وعاصمتها بنغازي علي الحدود المصرية وإلي القسم الغربي من ليبيا وعاصمته طرابلس وفزان في الجنوب وهنا يجب استدعاء الدور الذي لعبته مصر من خمسين سنة لتوحيد ولايات ليبيا الثلاث «برقة وطرابلس وفزان» عندما كان هناك صراع علي من يتولي رئاسة الدولة الجديدة السنوسية في برقة بزعامة الملك إدريس السنوسي الأول وقوات ترفض قيام دولة وحدوية أو قوي تقبل إقامة دولة فيدرالية تضم الولايات الثلاث، ولولا الدور المصري وقتها لكانت ليبيا قسمت الي 3 دويلات ولذلك وبعد إعلان ليبيا استقلالها في أوائل الخمسينيات كانت أول دولة تنضم لجامعة الدول العربية بعد الدول المؤسسة للجامعة وهي: السعودية ومصر والعراق واليمن وسوريا.
ويري «الطرابيلي» أن التدخل المصري في ليبيا قد يدفع دولا أجنبية غير عربية مثل أمريكا للدخول في الصراع لتقسيم ليبيا لمناطق صراع ونفوذ غربي لا يحمد عقباه ووضع ليبيا الاستراتيجي غاية في الخطورة فهي الأقرب الي إيطاليا وتعتبر أكبر دولة بترولية في أفريقيا ومن ثم فالتدخل المصري سيؤدي حتميا الي تدخل غربي أمريكي إيطالي فرنسي في ليبيا ولذلك فدعوة «حفتر» للتدخل العسكري المصري قد تكون بغرض توريط مصر في الصراع الليبي بهدفه الأصلي وغير المعلن هو ضرب مصر وليست ليبيا أي تدمير مصر بعد أن بدأت الاستقرار بانتخاب السيسي رئيسا لمصر بالإضافة الي هدف تقسيم ليبيا من جديد الي عدة مناطق يخلق دولة أو دويلات تكون فاصلا بين مصر في الشرق وباقي دول المغرب العربي الي تونس والجزائر والمغرب تماما وبالضبط كما سبق وزرع الغرب إسرائيل لتفصل بين مصر ودول المشرق.
تحقيق: إيمان الجندي
إرسال تعليق Blogger Facebook